البث المباشر

أسطورة إله الخزف

الثلاثاء 2 يوليو 2019 - 11:08 بتوقيت طهران

بسم الله الرحمن الرحيم أعزاءنا الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نحييكم أجمل التحايا في هذه المحطة الجديدة التي تجمعنا بكم بين رحاب حكايا الشعوب وقصصها وأساطيرها عبر برنامجكم حكايا وخفايا آملين أن نوفر لكم المتعة والفائدة عند ما أعددناه لكم في محطتنا لهذا الأسبوع.
مستمعينا الأطائب هل سألنا أنفسنا ذات يوم من هو اول انسان إكتشف سر الخزف؟ من الذي إكتشف سر الغبار الناعم الذي يتحول الى أحجار بلورية بيضاء مثل الثلج في أعالي الجبال؟ الأساطير الصينية القديمة تقدم لنا الاجابة عن هذا السؤال لتخبرنا أن فو الانسان الذي أحاطه الصينيون القدماء بالقدسية واعتقدوا به طيلة قرون. لكن هذا الرجل العبقري الذي عمل في أفران صهر التراب كان قد عاش قبل ذلك بكثير فقبل خمسة آلاف سنة كانت الامبراطورية الصفراء قد علمت رعاياها فن التشكيل بالتراب للجرار الرائعة التي يتم شيها في النار المستعرة في الأفران وبعد ذلك بألفي سنة ولد فو الرجل الذي طلب رب السموات له أن يكون مخترعاً للخزف.
نعم اعزاءنا فلقد حصل فو على سمعة كبيرة حتى ظنه الكثيرون ساحراً عالماً بالأسرار التي تبدل الحجارة الى ذهب، وقد سمح له بقراءة أسرار الكون عبر النجوم لهذا كان من الممكن أن تخرج من بين يدي فو الأشكال الرائعة ونغمات النور السحرية من البرسلان الناعم. ففي يوم من الأيام استطاع العامل الساحر أن يبعث بأحد أعماله المذهلة الى الامبراطور الذي راح يتأمل وهو مندهش الجرة الرائعة التي تظهر عليها إنعكاسات الفضة والشمس مع ألعاب نارية فهي تغير لونها مع كل حركة لكل من ينظر اليها فأمر الامبراطور أن يحضروا ذلك العامل العجيب فإنحنى فو أمام الامبراطور وهنا بادره الامبراطور قائلاً: بني لقد قبلنا هديتك اللطيفة ولكي نثبت لك سعادتنا بعملك المفرح فلقد قررنا منحك خمسة آلاف قطعة نقدية من الفضة، لكن اسمع جيداً سيكون لك ثلاثة أضعاف هذا المبلغ اذا تمكنت من صناعة جرة لها ألوان اللحم الحي وملامحه، لحم يرتعش لكلمات الشعراء المبهجة ويتعكر وبتأثر بالأفكار! فكر في طلبنا هذا وعليك بالطاعة!!
إنسحب فو من القصر مرتاع القلب وهو يسأل نفسه: كيف يمكن للانسان أن يمنح للمادة الميتة نبض الحياة وهو سر المبدأ الأعلى؟؟
كان فو يعمل دائماً كي يحقق أشياء لم يعرفها أحد من قبل فلقد تعلم من الزهرة اللمسة الناعمة والحساسة والأخضر الزمردي من الجبال والأزرق والدم من الشفق واللمعة البراقة من الذهب والأخضر المزرق من الأفعى والفضي اللامع من الأسماك، لكن كيف يستطيع الانسان أن يمنح التراب ملامح اللحم الحي ويجعله قادراً على الارتعاش مع نبرات الكلام وفي ظلال التفكير؟؟ في كل الأحوال كان عليه أن يطيع وينفذ طلب الامبراطور، كان عليه أن يثنى في المحالة من أجل إسعاده.
أعزاءنا المستمعين في ورشته مزج فو التراب والألوان، عجن وفرك بيديه لكن من غير نتيجة وعلى هذه الحال مرت الشهور وعبثاً كانت توسلاته للفرن في أن يساعده، آه أنت ياعبقري النار في الأفران ساعدني. كيف أقدر من تلقاء نفسي أن أنفخ الحياة في الصلصال؟ كيف أقدر على منح هذه القطعة الميتة صفات اللحم الذي يتأثر بالأفكار؟ فأجابه عبقري النار بلغته العجيبة وهي ألسنة النار: كبيرة هي نيتك الطيبة لكن هل يقدر أي ميت أن يتبع آثار التفكير وإرتعاشات الحياة؟؟
على الرغم من هذه الإجابة المخيبة لآماله أعزائي الأفاضل استمر العامل الطيب بتجاربه بلا توقف وعبثاً كان كل ذلك، لقد نفد منه إحتياطي الخزف وقد خارت قواه وأنهك عبقريته وكذلك نفذ صبره المقدس وبدأ المرض يأكل منه وحلت عليه الفاقة والشقاء. حاول من جديد لكن بلا قوة، وفي اللحظة التي كان على الفرن أن يظهر فيها تراباً وألواناً في مادة شفافة إهتزت وإرتجفت الطاولة الفقيرة والمتسخة بالألوان بينما كان فو يشتكي وفي قلبه لوعة. أحياناً كانت تبدو الألوان وكأنها إنصهرت في التدرجات المضبوطة وسطح الجرة كان يهتز بالأوان مثل لحم حي لكن عندما تبرد كانت تتجعد وتتشابك خطوط فيها كأنها قشر فاكهة يابس.
مستمعينا الكرام أنتم برفقة برنامج حكايا وخفايا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران وننقل لكم أسطورة آلة الخزف البرسلان من الصين. عاد فو يتضرع ويتوسل باكياً: آه ياعبقري النار اذا أنت لم تساعدني فكيف لي أن أصهر خزفي وأحيله لحماً حياً في فرني؟ فأجابه عبقري النار بشكل غريب للمرة الثانية: هل تسعى لإعطاء الروح الى الحجر؟ هل تقدر انت أن تجعله يقشعر ويحس بالتفكير؟ أنت تريد أن تعطي روحاً للشيء الذي صنعته لكن الروح لايمكن قسمتها، لايمكن أن تعطي قسماً من روحك. إني أحتاج الى روحك كاملة مقابل إعطاء الروح لعملك!! وهنا نهض فو وقد امتلأت عيناه بالحزن فيما كات قلبه منفطر.
أحبتنا المستمعين وللمرة الأخيرة أعاد فو عمله، نخل الرمل مئة مرة وكذلك التراب الناعم غسله بالماء الأكثر صفواً مئة مرة وعجنه بحب. راحت الألوان تمتزج رويداً رويداً وفيما بعد بدأ العامل الملهم يضفي شكلاً على تلك العجينة الصافية النقية يلمسها ويداعبها بأصابعه حتى صار جلد الجرة الرائع كأنما لو إكتسب خفة الحرير وشفافيته ونعومة الشمع الزهري وعندها أمر فو المساعدين أن يغذوا الفرن العظيم بأغصان ناعمة وصافية من شجرة الشاي وخلال تسعة أيام وتسع ليال كان الفرن مشتعلاً أحمر يتغذى على أغصان شجرة الشاي النقية والناعمة وحرص الرجال على أن تلف النار الجرة الوحيدة التي كانت تتجسد في لحم سحري. ومع إقتراب الليلة التاسعة أمر فو مساعديه أن يذهبوا ليرتاحوا فلقد بدا أن العمل قد انتهى وقال لهم: مع بزوغ الفجر اذا لم تجدوني هنا فأخرجوا الجرة ومن الفرن، ففي تلك الساعة ستكون كما أراد الامبراطور.
بقي فو لوحده قبالة الفرن في الليلة التاسعة، كان متسمراً امام النار ثم باح بأمنيته الى عبقري اللهب قائلاً: آه ياعبقري النار لقد إستوعبت اعماق معاني كلماتك، إقبل عملي فداءاً لحياة عملي، روحي فداءاً لروحه!!
وقبل أن تنتهي الليلة التاسعة ألقى فو بنفسه الى النار الحية في الفرن وعند فجر اليوم العاشر جاء العمال ليخرجوا الجرة الغالية من الفرن لكنهم لم يجدوا معلمهم، لكن ياللمعجزة!! كانت الجرة متأججة بحق مثل اللحم الذي يقشعر مع نسق الأفكار وإن لمسوها بمجرد بصمة إبهام أصدرت صوتاً خفيفاً كصوت روح موجوعة جعلت السماع تلتقط اسم الذي صار بعد ذلك سيد الخزف.
مستمعينا الأفاضل نرجو أن تكون حكايتنا لهذا الأسبوع إله الخزف التي كانت من بلاد الصين قد راقت لكم وحظيت بحسن إستماعكم على امل أن نجدد اللقاء بحضراتكم عند المزيد من الحكايا والخفايا نتمنى لكم أطيب الأوقات وتقبلوا تحيات قسم الثقافة والأدب والفن في اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، الى اللقاء.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة