البث المباشر

أسطورة القصر الملعون

الثلاثاء 2 يوليو 2019 - 10:51 بتوقيت طهران

بسم الله الرحمن الرحيم أحبتنا الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اهلاً ومرحباً بكم الى هذا اللقاء الجديد الذي يسرنا أن يجمعنا بكم عبر برنامجكم الأسبوعي المتجدد حكايا وخفايا حيث نصطحبكم في كل حلقة عند حكاية او أسطورة من حكايا الشعوب وأساطيرها محاولين إستكشاف الخفايا الكامنة فيها ووراءها، ندعوكم أيها الأخوة والأخوات الى أن تشد الرحال معنا لنرحل صوب اوربا وبالتحديد اسبانيا حيث تشيع على ألسن الناس واحدة من اغرب الحكايات التي عرفها التاريخ، إنها أسطورة القصر الملعون التي تعكس لنا مدى الفساد الذي كان مستشرياً في اوربا في القرون الوسطى الى حد انتشار الزنا والعلاقات المحرمة والعياذ بالله.
هذه الحكاية ربما كانت رمزاً للعنة التي لابد أن تحل على الانسان اذا ما تجاوز شرع الله الى حد ارتكاب الموبقات والكبائر، اذن تعالوا معنا.
اخوتنا وأخواتنا المستمعين والمستمعات في الساعة الثالثة صباحاً ومع نسائم الفجر الأولى تلفتت فتاة سمراء نحيفة في العقد الثالث من العمر حولها يميناً ويساراً، كان القلق يبدو واضحاً على محياها وبين الحين والآخر كانت تضيء مصباحاً تمسكه بيدها لتدون بعض الملاحظات في مفكرتها الصغيرة. وكان الضوء الخافت للمصباح يلقي بظلال مرعبة على هذا المكان الكئيب مما جعلها ترتجف وهي تتذكر كلمات رجل كهل وهو يقول لها بصوت عميق: أنت في مهمة رسمية يادكتورة كارمن لإيجاد تفسير مناسب للأحداث الغامضة التي تحدث في هذا القصر ولتكن إجابات منطقية وعلمية تتماشى مع عصرنا الحديث.
استفقت الدكتورة من شرودها على صوت خفيض يناديها: دكتورة! وكأنها قد نسيت أنها تصطحب معها حارسين ضخمين مفتولي العضلات ومحموعة من الكلاب المدربة القوية. ولكن من هذه السيدة؟ وما الذي أتى بها الى هذا المكان الملعون في هذا التوقيت الغريب؟ إنها الدكتورة كارمن سامتشز مؤرخة اسبانية تحمل العديد من الشهادات العلمية والجامعية وقد جاءت الى القصر بتكليف من عمدة مدريد للتحقيق في الظواهر الغريبة التي تحدث في أرجاء القصر وليس لها أي تفسير، فهذا القصر المهجور الخاوي على عروشه والذي لايسكنه احد تجتاحه بين الحين والآخر رياح عاتية تقوم بفتح الأبواب والنوافذ بعنف وخلع اللوحات الزيتية التي تملأ أرجاء المكان وتحرك الستائر بعنف، ويسمع خلال ذلك أصوات تصرخ وهالات تضيء وتختفي وطرقات على الحوائط والجدران والأبواب ووقع أقدام ثقيلة في الأدوار العلوية وتكتمل منظومة الرعب بسماع الموجودين لعزف نغمات موسيقية يصاحبها صوت بكاء طفلة وصراخ امرأة.
مستمعينا الأفاضل لكن أين يحدث كل ذلك الصخب والرعب والغموض؟ إنه في ذلك القصر المنيف، تلك التحفة المعمارية النادرة الواقعة في قلب مدريد والتي تعد من معالمها الشهيرة، إنه قصر لينار. وقد كانت الدكتورة كارمن تعرف بحكم عملها قصة القصر وأن الماركيز دي لينار صاحبه عاش مأساة عائلية لاتخطر على قلب بشر وأن هذا القصر الملعون قد شهد من المآسي ملا تمحيه القرون ولاتنساه الذاكرة مهما إنطوت السنوات وتعاقبت الأجيال وستظل هذه الذكريات الدامية العنيفة حية للأبد فمن المعروف أن العلاقات المحرمة بين الأقارب قد انتشرت في العصور الوسطى خاصة بين العائلات الغنية الراقية وذلك من اجل الحفاظ على الثروة وعدم تقسيمها على عائلات اخرى ولكن اذا تم إثبات الجريمة فإن العقاب كان شديداً للمذنبين والمدانين بالجرم المشهود فالقانون آنذاك كان يقضي بحرق الزاني والزانية احياءاً على مرئى ومسمع من الجميع حتى تكون هذه النهاية عبرة لكل من تسول له نفسه العبث بالفطرة الانسانية السليمة لكن العقوبة كانت تخفف اذا لم تكن هناك رابطة دم وثيقة بين المذنبين. نعم أحبتي الأفاضل وقد بدأت مأساة القصر في عام ۱۸۹۰ عندما وقع خوسيه ماركيز دي لينار في غرام فتاة شقراء جميلة تفيض شباباً وحيوية ولكنها لم تكن من وسط النبلاء فلقد كانت مجرد بائعة سجائر. بالطبع فقد تصدى ماركيز الأب لرغبة ابنه خوسيه في الزواج من هذه الفتاة التي كانت تدعى رايموندا وحاول ثني ابنه عن إتمام الزيجة بكافة الطرق. وفي محاولة منه لإبعاد إبنه عن رايموندا لكي ينساها فقد قام الماركيز بإرسال خوسيه الى انكلترا ليكمل تعليمه هناك لكن بقاء خوسيه في اندن لم يدم طويلاً فبعد فترة تم إستدعاءه على وجه السرعة الى مدريد وذلك لوفاة والده وبالطبع لم يعد هناك ما يمنع او يعارض إتمام زواجه بحبيبته فتزوج الاثنان وعاشا بسعادة وهناء في قصر الماركيز.
مستمعينا الأكارم مازلتم تتابعوننا عبر أسطورة القصر الملعون من خلال برنامجكم حكايا وخفايا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. في أحد الأيام وبينما كان خوسيه يقلب في اوراق والده الراحل عثر على خطاب موجه اليه وقد حمل ذلك الخطاب مفاجئة ضخمة زلزلت كيانه وحطمت احلامه، كان نص الخطاب كالتالي: ولدي العزيز خوسيه هناك سبب هام رفضت من اجله زواجك من رايموندا وهو أن هذه الفتاة هي إبنتي مثلك تماماً، لقد انجبتها من علاقة زواج في الخفاء مع خادمة كانت تعمل لدي وبالتالي فإن ريموندا هي اختك من لحمك ودمك وأي علاقة زواج بينكما تعتبر من المحرمات فإبتعد عنها يابني وإلا فستحرق في الجحيم. أصيب خوسيه بالذهول وحكى لزوجته قصة الخطاب المشؤوم فلم يكن امامهما أي حلول سوى البكاء لحالهما، فكيف يستطيع زوجان متحابان مثلهما أن يعيشا منفصلين وبعدما أسقط في أيديهما لم يجدا حلاً سوى إستشارة البابا وطلب رأيه في هذه المأساة فكان رده عليهم هو كاستي كونكير وهذه العبارة تعني العيش معاً مع التمسك بالعفة وبالفعل فقد انتقل الماركيز الى الإقامة بالطابق العلوي بينما ظلت رايموندا بالطابق الأول وحاولا التمسك بالعهد الذي قطعاه على نفسيهما امام البابا. بالطبع ما من احد يعلم الحقيقة على وجه الدقة لكن الأمر المثير للفزع هي الشائعات التي تتحدث عن إنجاب الماركيز لطفلة ثالثة وقيام الماركيزة زوجته بإغراقها لإخفاء الفضيحة مما جعل روح هذه الطفلة سجينة داخل القصر تظل تصرخ: ماما ماما !!
مستمعينا الأطائب نعود للدكتورة كارمن التي ما إن خطت بقدميها داخل القصر حتى احست ببرودة عجيبة في أوصالها وبإرتعاشة في قدميها وهي تخطو على سلم الطابق الثاني. وفجأة إنفتحت أبواب احدى الصالات بعنف شديد وهبت رياح قوية ساخنة في المكان لفحت وجهها وكادت تلقيها من اعلى السلم لولا تشبثها بالسياج بكل قوتها، بالاضافة الى صوت صفير شديد وحاد كاد يصيب أذنيها بالصمم فوجدت الدكتورة كارمن نفسها وحيدة بعد فرار الحارسين والكلبين المرافقين لها. وكما بدأ كل شيء بغتة اختفى بلمح البصر وعادت الأمور لسيرتها الأولى من الهدوء والغموض بإستثناء ظهور هالة من الضوء في اعلى السلم تشكلت بالتدريج على شكل بشري ثم إختفت بسرعة. وبعد هذه الواقعة بعدة سنوات قام صحفيان شابان مغامران بتكرار تجربة الدكتورة كارمن لكنهما كانا اكثر حظاً اذ استطاعا الحصول على صورة واضحة للشبح الموجود داخل القصر وتم نشر الصورة في الصحف الأمر الذي أثار ضجة كبرى بين مؤيد ورافض لكن الدكتورة كارمن سارعت بتأكيد حقيقة الصورة وصدقها.
مستمعينا الأكارم سواء كانت هذه الحكايات حقيقية أم من نسج الخيال فإنها قد ترمز الى اللعنة والغضب الإلهي اللذين يحلان بالانسان حينما يوغل في ارتكاب الموبقات والمعاصي التي تتنافى مع الفطرة الانسانية السليمة وتحرمها كافة الأديان والشرائع السماوية وتفرض على مرتكبيها أقسى العقوبات وأشدها.
أحبتنا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران استمعت الى حلقة اخرى من سلسلة حلقات حكايا وخفايا شكراً على طيب المتابعة والى اللقاء.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة