البث المباشر

أستافي الفتاة التي لاتبكي

الأحد 30 يونيو 2019 - 10:56 بتوقيت طهران

بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأفاضل في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم واهلاً بكم على الحب والمودة نجدد اللقاء بكم أعزائي المستمعين وندعوكم على إصطحابنا في جولة جديدة من برنامجكم الأسبوعي حكايا وخفايا نقوم بها عبر رحاب ربوع الأرض للتعرف على القصص والأساطير التي نسجتها مخيلة الشعوب، ندعوكم لمرافقتنا.
مستمعينا الكرام من بين الغابات الساحرة الحافلة بالغموض وأسرار المكتظة بالأغصان المتشابكة التي تبدو كأنها تطل بأسرارها على الآخرين لتحتفظ بغموضها وإلهامها تلك الغابات الممتدة على مرمى الأقصار والآفاق في أمريكا الجنوبية. نقدم لكن في حلقة هذا الأسبوع صورة من هذه البلاد الحبلى بالأساطير.
إنها أسطورة حافلة بالمعاني تدل على رقي كبير في التفكير وبدائية السكان، أسطورة الفتاة أستافي التي سمّاها الهنود القاطنون في تلك النواحي بالفتاة التي لاتبكي، أسطورة ان تجسد لنا معنى أن يبكي الإنسان من اجل الآخرين ويشاركهم في أحزانهم ومصائبهم ويزيح عبء الهموم عن كواهلهم. تابعونا اعزائي المستمعين عبر هذه الأسطورة الطريفة المفعمة بالخفايا.
أعزائي الكرام كانت باهرة الجمال تلك الفتاة أستافي إبنة زعيم القبيلة وكان والدها الشيخ ينظر الى فتاته هذه بحنان وإشفاق كبيرين كما يجب على الآباء أن ينظروا الى أبناءهم غير السعداء، كانت الشابة الهندية الحمراء أستافي رائعة الجمال، قد أتاها خيرة المحاربين لرؤيتها وتقدمها لخطوبتها لكنها لن تستجب للذين تحببوا اليها فهذه الفتاة التي كانت الأكثر جمالاً في القبيلة لن تكن تبادل الآخرين الحب لأنها كانت باردة المشاعر وقاسية القلب. لم يسبق لأستافي أن عشقت او أطاعت احداً لهذا كانوا يتنددون عليها ويلقبونها بالفتاة التي لن تبكي أبداً إذ لم ير أحد منها دمعة في عينيها السوداوين رغم معاناة اهلها فقد حدث مرة أن مياه نهر الأورغواي فاضت وإقتلعت الأكواخ والخوص وإبتلعت الى الأبد النساء والأطفال فرفع الشيوخ والشباب نحيبهم الى السماء لكن أستافي صاحبة القلب القاسي لن تبكي.
كانت عيناها الرائعتان السوداوتان تنظران الى بعيد بلا مبالاة بآلام الآخرين فغلب الظن على أفراد القبيلة بأن أستافي هي سبب كل المآسي تلك فتوجهوا الى ساحرة القبيلة ولكنها قالت لهم دموع أستافي فقط هي القادرة على تهدئة غضب الآلهة ولكن حلّت مآسي وكوارث أخرى وأخرى ففي إحدى المعارك مع قوم آخرين أقوياء وأشداء كان على القبيلة أن تهرب وتختفي في الجبال بعد أن وقعت الفتيات العذراوات الأكثر جمالاً بأيدي الأعداء فسقط أشجع المحاربين قتلى وتقلصت القبيلة الى بضع نساء وحفنة من المقاتلين الذين أنقذوا الشيخ الزعيم ولجأ جميعهم الى الغابة ومن ضمنهم كانت أستافي حيث لم يكن يلتمع الدمع في عينيها لما حدث فما كان من الساحرة إلا أن ألقت بيدها على طلاسمها وسحرها علّها تهتدي الى الحل من خلال الفلك والنجوم وفي النهاية قالت: كي تمر المصائب من جانبنا بسلام يجب على أستافي أن تبكي، لكن كيف نجعلها تبكي؟ فالشيخ الزعيم يكن إبنته حباً كبيراً لاحدود له فكيف يمكن حملها على البكاء فهي لم تكن قادرة على إظهار أبسط علامات الشفقة والتعاطف مع مآسي الآخرين ومصائبهم؟
أعزائي الكرام تتواصلون مع برنامج حكايا وخفايا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
مستمعينا الأفاضل كان ذلك ما أراده الكهّان والسحرة فدبّروا لأستافي خطة إمتحان الألم في أعماقها ففي احد الأيام كانت أستافي تتمشى في أحد دروب الغابة الملتوية الكثيفة الأغصان فخرجت للقاءها إمرأة عجوز محنية الظهر مرتجفة وبصوت فيه الكثير من الحسرة طلبت منها أن تقطع لها بعض الأغصان اليابسة لكوخها حيث حفيدها مريض ويكاد يموت من البرد. نظرت اليها أستافي بإزدراء فركعت العجوز على ركبتيها وطلبت منها وتوسلت بصوت مفجوع ولكن الشابة الهندية تابعت طريقها دون إكتراث. وبعد قليل ظهرت لها امرأة في ريعان الشباب وعلى يديها طفل والدموع في عينيها، إقتربت المرأة من أستافي وكانت ملامحها تشير الى أنها موجوعة وتعاني الشيء الكثير من الألم وأنها حلّت بها فاجعة وبصوت فيه الشيء الكثير من التوسل كشفت لها عن الطفل الذي كان يحتظر ورجتها أن تبحث لها عن بعض الأعشاب المفيدة القادرة على شفاء إبنها. كانت أستافي تعلم اين توجد تلك الأعشاب وفي أي مكان من الغابة فتلك الأعشاب تطرد الموت وكان بمقدورها أن تحضرها بمجرد أن تمشي قليلاً الى جانب الطريق لكن الشابة الهندية التي لاتعرف الألم تابعت مشيتها غير مكترثة بمعاناة تلك المرأة وطفلها. ولكنها ما إن مشت بضعة خطوات حتى أحست في نفسها قوة غريبة جعلتها أن تتوقف ومن خلف ظهرها سمعت صوت ساحرة القبيلة التي تقمصت صورة الشيطان سيد الأعمال الشريرة حيث تقول: ياسيد الظلال إحرم هذه الفتاة الباردة الإحساس التي لاتواسي عجوزاً ولاأماً من أن تكون أماً او عجوزاً، ياسيدي إجعل هذه المرأة التي هي بلاقلب ولاتبكي أبداً، إجعلها تبكي مدى الحياة، إجعل هذه المرأة التي كان عدم بكاءها هو سبب المآسي والمصائب والكوارث، إجعلها تحيا الى الأبد بحالة بكاء دائم وأن تقدم الخير للآخرين من خلال بكاءها.
مستمعينا الأفاضل لن تستطع أستافي السماع أكثر للكلمات الأولى للساحرة وأخذت تتحوّل رويداً رويداً الى شيء آخر فتغص أقدامها في الأرض كجذور قاسية وتشعر بجسدها يتصلّب كأنه جدع الشجر وصار شعرها مثل الأغصان المليئة بالأوراق. وبعد إنتهاء الساحرة من تقمصها وأورادها كانت أستافي الجميلة الفاتنة الجمال قد تحولت الى شجرة خضراء رطبة ومنذ ذلك الحين كانت تعيش وتحيا وتنمو في الغابات الإستوائية متحولة الى شجرة كريمة معطاء وفاعلة الخير الذي كان ينضح من اوراقها ندى ناعماً ومدراراً يرطب الهواء.
إن العذراء التي تبكي دائماً من اجل حماية الآخرين ببكاءها فالرجل الذي يسير متعباً ومختنقاً بسبب حرارة الشمس اللاهبة يشعر أن الشجرة تمنحه الهواء النقي والظل البارد كهدية وهكذا كتب على هذه الشجرة أن تبقى في حالة البكاء وهي تحمل اليوم إسم العذراء الهندية الفاتنة الجمال التي لم تبكي أبداً أستافي.
أيها الأخوة والأخوات بهذا نصل الى نهاية حلقتنا لهذا الأسبوع في دنيا الحكايا والأساطير والتي قدمناها لحضراتكم ضمن برنامج حكايا وخفايا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران آملين أن تكونوا قد قضيتم معنا احلى الأوقات وأكثرها متعة راجين أن تكونوا في إنتظارنا في حكايا أخرى وخفايا كامنة فيها، نحاول جهد إمكاننا إستخراجها وعرضها على حضراتكم، حتى ذلك الحين تقبلوا تحياتنا أيها الأحبة ونشكركم على طيب المتابعة والإصغاء والى اللقاء.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة