البث المباشر

جلال الدين محمد -۲۱

الإثنين 17 يونيو 2019 - 14:38 بتوقيت طهران
جلال الدين محمد -۲۱

في الحلقات الماضية من هذا البرنامج، اخذنا طائر الزمان عبر جناحيه في رحلة حلقت في سماء التاريخ وسبرت اعماق الماضي حيث القرون الخوالي وسالف العصور وقديم الدهور يوم كانت قونية في بلاد الروم مسكن الشاعر جلال الدين المولوي الذي هجر الوعظ والخطابة بعد ان اشرقت علي وجوده شمس تبريز، الشمس التي سرعان ما غابت وراء الافق فأحالت كيان مولانا الي ظلام استأنس فيه بمصباحين صلاح الدين زركوب وحسام الدين الجلبي وشاء القدر كذلك ان يخفت ضوء صلاح الدين حيث لم يبق من انيس لمولانا في غيبة الشمس إلاحسام الدين الجلبي.
لقد كانت محبة مولانا لحسام الدين محبة فائقة، ما كان لهذا العارف الشاعر ان يطيب له مجلس من دون حسام الدين. واتباع مولانا كذلك صاروا من يوم لآخر عشاق لحسام الدين الجلبي.
في تلك الايام كان جلال الدين قد ذرف علي الخمسين، نشاط الشباب تضامر شيئا فشيئا ليفسح المجال الي خلوة السكون والطمأنينة.
اصوات اقدام المشيب كانت تقترب الي جلال الدين الذي اتخذ من حسام الدين كاتبا لأشعاره ومستودعا لأسراره.
وكان حسام الدين الجلبي قد طلب من مولانا ان ينظم المثنوي علي طريقة الشاعرين فريد الدين عطار النيشابوري صاحب منطق الطير والسنائي، واستجاب مولانا لطلب حسام الدين وألف المثنوي.
وبودنا قبل ان ندير رحي الكلام حول هذا النتاج الادبي والعرفاني لجلال الدين محمد المولوي ان نقدم تعريفاً عاماً للمثنوي وبعض الملاحظات حول هذا الاسلوب الشعري وسنتابع الحديث واياكم بعد قليل.
يطلق المثنوي في الاصطلاح الادبي علي الاشعار التي يكون لمصراعي كل بيت فيها قافية واحدة ومجموعها متحد في الوزن مختلف في الروي.
وهذا الضرب من الشعر استخدم منذ اقدم العهود في اللغة الفارسية، ومنذ ان راج الشعر الفارسي وانتشر انطلقت حناجر الشعراء بالمثنوي مثل كليلة ودمنة للشاعر رودكي- علما ان الاصل هو لعبد الله بن المقفع وآفرين نامه لأبي شكور البلخي اما اليوم فانه كلما ذكر المثنوي تذكر الناس لزاما مثنوي مولانا جلال الدين الرومي البلخي.
نعم كان باعث ظهور هذا النغم السماوي واللحن الإلهي كما يسميه بعض الكتاب وفي تسميتهم مبالغة واضحة حسام الدين الجلبي الذي طلب من مولانا ان ينظم علي وزن حديقة الحقيقة لسنائي او منطق الطير للعطار فالمثنوي من كلام المخلوقين وليس فيه ما يوحي الي انه إلهي يقول بديع الزمان فروزانفران حسام الدين طلب من مولانا كتاباً جامعاً لأصول الطريقة وحاويا لأسرار العرفان، واستجابة لرغبته جد مولانا في نظم المثنوي الذي كان قد كتب الأبيات الثمانية عشرة الأولي منه.

وفي مقدمة المثنوي قال المولوي

يا حياة القلب يا حسام الدين

يضم المثنوي لمولانا جلال الدين المولوي اكثر من ستة وعشرين الف بيت شعر، وقد جعله جلال الدين في ستة كتب كما يستفاد من بيت الشعر الذي قرآناه آنفا، وجعل مقدمته باللغة العربية. ويعتبره المهتمون بالتصوف الاسلامي من اعظم الكتب التي ألفت في التصوف الاسلامي عامه والتصوف الفارسي خاصة.
والذي يؤسف له ان بعض الكتاب العرب المعاصرين ممن تناولوا حياة الشاعر مولوي قد نقلوا بالنص ومن دون ابداء وجهة نظر تحليلية كلام المستشرق البريطاني ادوارد جرانفيل براون صاحب كتاب تاريخ الأدب في ايران حول المثنوي لمولانا.
ففي كتابه من روائع الادب الفارسي في طبعته الثانية عام 1983 نشر دارالنهضة العربية في لبنان وفي الصفحة 308 كتب الدكتور بديع محمد جمعة يقول .... حتي ان الفرس قد تعارفوا علي تسميته اي المثنوي باسم القرآن البهلوي اي القرآن الفارسي.
ويبدو ان الكاتب بديع جمعة قد استل هذه العبارة من الترجمة العربية للمثنوي التي قام بها براون ووضعها في كتابه دونما تعليق عليها حينما قال ولنترك الحديث عن المثنوي الان الي فرصة اخري.
اما نحن فنقول ليس الامر كما يدعي المستشرق براون فالمثنوي عند الايرانيين هو كتاب ادبي وعرفاني ولا يمكن ان يرقي الي مرتبة الكلام الإلهي، وان كنا قد اشرنا الي ان بعض الكتاب قد سموه نغما سماويا ولحنا إلهيا والحق في ان هذه العبارة مبالغ فيها، ونحن وان نقلناها علقنا عليها واوضحنا ما يلزم لها وفي اطار نشاط المجلس الاعلي للثقافة في مصر، وفي ضوء المشروع القومي للترجمة اقدم الباحث المصري الدكتور ابراهيم الدسوقي شتا علي ترجمة المثنوي لمولانا جلال الدين الرومي الي اللغة العربية وجاءت هذه الترجمة في ستة مجلدات كما هو عليه الاصل الفارسي مقرونة بشرح من المترجم الدسوقي شتا مع مقدمة تصدرت كل كتاب من الكتب الستة لا تخلو من فائدة للقاريء العربي والمهتمين بالادب الفارسي من الناطقين بلغة الضاد.
ولنا وقفة اخري مع المثنوي في رحاب جلال الدين محمد شاعر العرفان.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة