البث المباشر

جلال الدين محمد -٥

الإثنين 17 يونيو 2019 - 11:43 بتوقيت طهران
جلال الدين محمد -٥

في الايام الماضية، رحلنا واياكم في عمق الزمان وسافرنا الى بلخ مسقط رأس الشاعر جلال الدين محمد البلخي الذي عرف واشتهر في دنيا الادب بمولوي، وعُرف ديوانه واشتهر بالمثنوي.
وشاءت الاقدار ان يترك جلال الدين محمد موطن طفولته، مسافراً مع ابيه الى بيت الله الحرام، وطي الطريق بين بلخ ومكة المكرمة في امس الدابر والعصر الغابر كان يستغرق الوقت الطويل، بل هو حال الترحال عند الاقدمين ومرت الايام تترى ووصلت القافلة الى مدينة نيشابور او قل نيسابور كما تسميها بعض الكتابات العربية.
في هذه المدينة اطلع جلال الدين محمد على المساجد والمدارس والاسواق التي كانت تتناثر هنا وهناك، ومر العارف الرومي وهو ابن 13 ربيعاً على احوال كبار وعظماء كانوا بالنسبة له اسوة في السير والسلوك الى الله والعشق الالهي.
وكانت آخر ذكرى من نيشابور علقت بذهن جلال الدين محمد هي ذكرى لقائه الشيخ فريد الدين عطار النيشابوري.
والشيخ فريد الدين عطار ليس بحاجة الى التعريف انه نجم لامع في سماء الادب الايراني واشتهر عنه كتابه منطق الطير وله اسم آخر وهو مقامات الطيور.
وعندما كان جلال الدين محمد صبياً كان فريد الدين عطار النيشابوري رجلا مسنا عرف بحلاوة منطقه وتصوفه.
في نيشابور مجمع العلماء والادباء وملتقى الشعراء والعرفاء كان اللقاء بين بهاء وُلد والد جلال الدين محمد وعطار النيشابوري، وفي حضرة الوالد حضر جلال الدين التي ترك لقائه بعطار ذلك الاثر الطيب في نفسه وجرى الحوار بين العارفين الشيخيْن وجلال الدين ينظر الى ذلك الحوار لا بعين الباصرة فحسب بل بعين البصيرة كذلك، ترى حول اي شيء دار الحوار؟ لاريب لانه حوار العارفين فقد دار حول الشوق الى لقاء الله والشوق الى زيارة بيته الحرام والرغبة في لقاء رجال السير والسلوك والعرفان وما احلاه من لقاء!.
وفي جلسة الحوار جلس جلال الدين محمد هادئاً مطرقا، لفه الصمت لم يكن صمت الذاهل الشارد الذهن، على العكس كان صمت العالم المتعطش الى المعرفة والعلم.
ودار الحوار طويلا بين العارفين حول احوال المشايخ وشعر الشاعر السنائي، جلال الدين محمد كان يصغي بكل جوارحه، اما فريد الدين عطار فقد ران عليه العجب وهو ينظر الى جلال الدين محمد غارقاً في تفكيره وحالاته الروحانية، واستحسن عطار هذه الحالات وقدرة البيان عند جلال الدين محمد.
ورأى صاحب منطق الطير عطار النيشابوري في جلال الدين محمد انساناً يفوق الانسان العادي، وبشر والده بهاء وُلد بأن ولده سوف يكون له مستقبل زاهر، وسيكون له شأن وشأو عند اصحاب الطريقة والعرفان.
ويحدثنا المؤرخون ان عطار ابى الا ان يهادي جلال الدين محمد، نعم لقد اهداه نسخة من كتاب (اسرارنامه) او كتاب الاسرار وكانت هذه الهدية لجلال الدين محمد بمثابة الهدية السماوية وكان مثلها عنده مثل (الهى نامه) الكتاب الذي عرّفه به معلمه السيد برهان الترمذي والهى نامه يتضمن بين دفتيه خلاصة المعرفة والحكمة عند العارفين في سيرهم وسلوكهم في طريق الله.
قافلة بهاء وُلد واهله ومنهم جلال الدين محمد وجمع من مريديه غادرت نيشابور، وسارت قاطعة الفيافي والجبال والسهول، لقد طوت ارض خراسان في رحلة الزمان والمكان، كما يمخر المركب عباب اليم في امان، اين الوجهة هذه المرة يا ترى؟ انها بغداد بيد انها ليست المحطة الاخيرة في قافلة العرفان، فالمقصد عند جلال الدين محمد وابيه وحاشيته في ارض الواقع وسماء العرفان هو ذات الله وبيت الله ومحط ضيوف الرحمان.
وعلى مدى الطريق بين خراسان وبغداد كان المونس لجلال الدين محمد كتاب الاسرار هدية العطار والمنظومة الجميلة واللطيفة في العرفان، وكيف لايأنس جلال الدين محمد بها وهو شاعر العرفان.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة