البث المباشر

التأسيس المحمدي للمجالس الحسينية

الأحد 2 يونيو 2019 - 09:49 بتوقيت طهران

سلامٌ من الله عليكم أيها الأعزاء، تقبل الله منكم إستجابتكم لدعوة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله بتعظيم الشعائر الحسينية والمشاركة فيها، وهي دعوةٌ مستفادة من كثير من صحاح أحاديثه المباركة كما بينّا ذلك في الحلقة السابقة من هذا البرنامج.
أما في هذه الحلقة فنستدل على أهمية إقامة الشعائر الحسينية ليس من خلال أقوال رسول الله كما تقدم في الحلقة بل من خلال سيرته وافعاله صلى الله عليه وآله، تابعونا مشكورين.
أيها الأخوة والأخوات من يراجع السيرة النبوية يجد أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد بكى الحسين عليه السلام في عدة حالات منذ ولادة الحسين عليه السلام والى حين رحيله أعنى رسول الله صلى الله عليه وآله.
وكانت تلك في الواقع مجالس عزاء حسيني وضع بها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أسس الشعائر الحسينية، فمثلاً روى الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام والشيخ الطوسي في كتاب الأمالي وغيرهما مسنداً عن أسماء بنت عميس رضوان الله عليها ضمن حديث طويل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وضع الحسين – عليه السلام في حجره بعيد ولادته ثم قال: (يا أبا عبد الله عزيزٌ عليّ – يعني قتلك) ثم بكى، فسألته أسماء عن سبب بكائه فقال – صلى الله عليه وآله: أبكي على ابني هذا تقتله فئة باغية كافرة من بني أمية لعنهم الله، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة، يقتله رجلٌ يثلم الدين ويكفر بالله العظيم.
وروى الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد مسنداً عن أم سلمة رضوان الله عليها قالت: بينا رسول الله -صلى الله عليه وآله- ذات يوم جالساً والحسين جالسٌ في حجره إذ هملت عيناه بالدموع، فقلت له: يا رسول الله ما لي أراك تبكي جعلت فداك؟ قال صلى الله عليه وآله: جائني جبرئيل فعزاني بابني الحسين وأخبرني أن طائفة من أمتي تقتله لا أنالها الله شفاعتي
وروي بأسناد آخر عن أم سلمه رضوان الله عليها قالت: خرج رسول الله من عندنا ذات ليلة فغاب عنا طويلاً ثم جاءنا وهو أشعثٌ أغبر ويده مضمومة فقلت له: يا رسول الله ما لي أراك شعثاً مغبراً؟ فقال: أسري بي في هذا الوقت الى موضعٍ يقال له كربلا فأريت فيه مصرع الحسين إبني وجماعة من ولدي وأهل بيتي
مستمعينا الأكارم، وقبل أن نتابع الحديث نستمع لضيفنا الكريم الاستاذ (عبد الغني عباس الباحث الاسلامي من السعودية)، وهو يعرفنا بنظرةٍ اجمالية عن مجالس العزاء التي أقامها رسول الله صلى الله عليه وآله على مصاب الحسين عليه السلام وقبل استشهاده طبعاً، نستمع معاً:
الاستاذ عبد الغني عباس: اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وهو المعين والصلاة والسلام على محمد وعلى ال بيته الطيبين الطاهرين
من باب المقدمة اود اولاً ان اتحدث عن الاية الشريفة "ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ" هذه الاية الشريفة جاءت في سياق الحديث عن شعائر الحج وعن مناسكه وقد عطف الفقهاء اثناء تفسيرهم لهذه الاية الشريفة عطفوا القول والحديث والتفسير عن شعائر الحسين صلوات الله وسلامه عليه وهل ان هذه الشعائر جائزة من الناحية الشرعية ام انها ليست بجائزة؟ قبل ان اتحدث عن السياق التاريخي لأقامة الشعائر على الحسين عليه السلام سواء من قبل النبي صلى الله عليه واله وسلم او من قبل امير المؤمنين علي بن ابي طالب او ماورد عن سيدتنا فاطمة صلوات الله وسلامه عليها وماورد ايضاً عن الانبياء السابقين نقلاً عن النبي صلى الله عليه واله وسلم، قبل ان اتحدث عن هذا السياق التاريخي اولاً اود ان اتحدث عن السياق التفسيري في هذه الاية الشريفة والمباني الفقهية فيها، هنا لابد من القول ان الشعائر الحسينية جاءت بها جملة من الروايات وجاءت بها جملة من الايات غير اني اود ان اتحدث عن الشعائر المنصوصة والشعائر الغير منصوصة على سبيل المثال عندنا شعائر منصوصة جاءت من الروايات وجاءت عن رسول الله وجاءت عن الائمة عليهم السلام، من ضمن هذه الشعائر المنصوصة اقامة المآتم على الحسين عليه السلام والبكاء عليه كما جاء عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم في موارد كثيرة وروايات كثيرة ايضاً، اقامة المآتم وكذلك لبس السواد واللطم على الصدر وسقي الماء هذه العناوين الاربعة هي عناوين ثابتة في الكثير من الروايات الشريفة يعني اذا اردت ان اعود الى الحديث التاريخي فالحديث التاريخي طويل فيما يتصل بتذكير النبي للمسلمين بمصاب الحسن عليه السلام وكذلك كما جاء عن امير المؤمنين عليه السلام، في مختلف الموارد رسول الله كان يشير الى المسلمين بما سيقع على الحسين كما في الحديث المشهور عن ام سلمة حينما دخلت عليه وكان يبكي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بكاءاً شديداً وبكاءاً عالياً، كل هذه الادلة التاريخية تشير الى هذه الحقيقة الاساسية الى ان ذكر الحسين مطلوب بالدرجة الاولى بل وفي بعض الاحيان يكون مطلوباً على نحو الوجوب لاعلى نحو الاستحباب لأن هذا الامر يوصل الانسان الى الدين، نحن اذا اخذنا الشعائر الحسينية في عشرة المحرم هذه العشرة المباركة بالدرجة الاولى نتقرب الى الله سبحانه وتعالى بشأننا للدين وبنظرتنا الى تاريخ الاسلام ولذا نعتقد ان من يقرأ حادثة الحسين صلوات الله وسلامه عليه ونهضته المقدسة هو في حقيقة الامر يفهم الاسلام وملابسات دخول الرجال والناس والاعراب الى الاسلام وبالتالي المسئلة ليس مسئلة فهم لرواية او اية وانما هي اطلالة على واقع عربي بعث اليه النبي صلى الله عليه واله وسلم واراد من ذلك المجتمع العربي ان يمشي على الجادة الصحيحة والجادة الصحيحة في نظرنا هي الاتجاه الى الحسين عليه السلام ولكن كيف نتوجه اليه؟ هنا تأتي اهمية الشعائر، الشعائر الحسينية هي باب ومدخل ليس فقط من اجل الحصول على الثواب هذا شيء واضح بالنسبة لنا وانما من اجل الوصول الى فهم افضل لطبيعة الدين وكيفية تعامل الرجال مع الدين فالنبي صلى الله عليه واله اغرق في الحديث عن الحسين والروايات التي تحدثنا ان رسول الله دائماً ما كان يقول "ان الحسن والحسين ولداي الله عزوجل يحب من احبهما" وكذلك "من احب حسيناً فقد احبني" وكذلك "حسين مني وانا من حسين" كل هذه الاشارات لربط الحالة الحسينية بالحالة النبوية حتى يتوصل الانسان بعد فهم افضل لحقيقة الدين والى انتماء الافضل لحقيقة الدين، هذه الشعائر مطلوبة في ذاتها ولكن هذه الشعائر ايضاً مطلوبة على نحو غيرية وهي الوصول الى فهم افضل للدين ولذا اغرق النبي في كثير من الموارد من اجل ذكر الحسين صلوات الله وسلامه عليه عبر الفاجعة التي المت به عليه السلام.
نشكر (الاستاذ عبد الغني عباس الباحث الاسلامي من السعودية) على هذه التوضيحات ونتابع أيها الأعزاء تقديم الحلقة الرابعة من برنامج (الشعائر الحسينية منطلقات وبركات) تستمعون لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
أيها الأخوة والأخوات، ويظهر من تتبع الروايات الكثيرة التي روتها المصادر الحديثة المعتبرة استمرار بكاء النبي – صلى الله عليه وآله- على ولده الحسين عليه السلام في مناسبات كثيرة داخل بيته وخارجه، فلذلك يمكن القول بأنه – صلى الله عليه وآله – كان يعقد مجالس خاصة وعامة في العزاء الحسيني.
الفقيه المرجع آية الله الشيخ جعفر التستري قال في كتابه القيم (الخصائص الحسينية) وضمن حديثه عن مجالس العزاء الحسيني التي كان يعقدها رسول الله – صلى الله عليه وآله: (كلما أردت عداً وضبطاً لهذه المجالس النبوية حالة ومكاناً وزماناً وباكياً وراثياً وهكذا، لم أقدر…وقد ظهر لي من تتبع الأحاديث أنه منذ ولد الحسين عليه السلام بل منذ حملت به أمه سلام الله عليها كانت مجالس النبي صلى الله عليه وآله كلها مجالس رثاء له، ليلاً ونهاراً، في المسجد وفي البيوت وفي البساتين وفي أزقة المدينة سفراً وحضراً…وكان رثاؤه تارةً ببيانه لأصحابه وتارة بأسماعه الملائكة، وتارة يتذكر فيتأوه وتارة يتصور حالاته، فمرة يقول: (كأني به يستغيث فلا يغاث)، وتارةً يقول: (كأني بالسبايا على أقتاب المطايا) وتارةً يقول (كأني برأسه وقد أهدي الى يزيد لعنه الله فمن نظر الى رأسه وفرح بذلك خالف الله بين لسانه وقلبه)، وتارة يقول: (صبراً يا أبا عبد الله).
ويتابع المرجع الفقيه آية الله الشيخ جعفر التستري حديثه عن مجالس العزاء الحسيني التي كان يعقدها رسول الله صلى الله عليه وآله قائلاً:
(وكان المبكي لرسول الله صلى الله عليه وآله مجرد النظر الى الحسين – عليه السلام – تارةً، وحمله تارة، وتقبيله أخرى، وإقباله عليه تارة، وذهابه من عنده أخرى، وهكذا، فلبسه لباساً جديداً مبكٍ له (ص)، وفرحه – عليه السلام بالعيد مبك له صلى الله عليه وآله، ولعبه مبكٍ له، وأكله طعاماً لذيذاً مبكٍ له، وجوعه مبك له، وبكاؤه عليه السلام مبك له صلى الله عليه وآله، فكان كلما مرّ على بيت فاطمة وسمع بكاء الحسين بكى وجاء إليها وقال: سكتيه أما علمت أن بكاءه يؤذيني، وشم تربته _عليه السلام_ مبكٍ له وقد أتاه بها كل ملك وبكى في كل مرة، وتارة يذكر قاتله ويبكي…فكان يرثيه في بيته ومسجده وعلى منبره وفي سفره وحضره وقيامه وقعوده
فاستمرت هذه الحالة به صلى الله عليه وآله …الى حين احتضاره وكان إحتضاره أيضاً مجلس رثاءٍ لأبي عبد الله الحسين – عليه السلام وذلك أنه لما دنت وفاته واشتد به المرض ضمّ الحسين الى صدره، فسال من عرقه عليه وهو يجود بنفسه ويقول (ما لي وليزيد، لا بارك الله في يزيد، اللهم إلعن يزيد) ثم غشي عليه فأفاق وجعل يقبل الحسين وعيناه تذرفان ويقول (أما إنّ لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله عزوجل).
مستمعينا الأفاضل، والنتيجة التي نخلص إليها مما تقدم أن سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله شاهدة ليس على إقامته مجالس العزاء الحسيني وحسب بل وشدة إهتمامه بها الى درجة شكلت معلماً أساسياً بارزاً وثابتاً من سيرته الى حين رحيله، وهو صلى الله عليه وآله الأسوة الحسنة التي دعانا الله للإقتداء به.
وبهذه النتيجة ننهي أيها الأعزاء لقاء اليوم من برنامج (الشعائرالحسينية منطلقات وبركات) استمعتم اليه من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران تقبل الله منكم جميل المتابعة ودمتم في رعايته سالمين.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة