البث المباشر

الملحمة الحسينية منطلق محوري لترسيخ دعائم التوحيد الخالص

الأربعاء 29 مايو 2019 - 11:29 بتوقيت طهران

وصدعت بالحقّ والبيّنة، ودعوت إلي الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وأمرت بإقامة الحدود، والطاعة للمعبود، ونهيت عن الخبائث والطغيان، وواجهوك بالظّلم والعدوان، فجاهدتهم بعد الإيعاذ إليهم، وتأكيد الحجّة عليهم، فنكثوا ذمامك وبيعتك، وأسخطوا ربّك وجدّك، وبدأوك بالحرب، فَثَبتّ للطّعن والضّرب، وناجزوك القتال، وعاجلوك النّزال، ورشقوك بالسّهام والنّبال، وبسطوا إليك أكفّ الاصطلام، ولم يرعوا لك ذماماً، ولا راقبوا فيك آثاماً، في قتلهم أولياءك، ونهبهم رحالك، وأنت مقدّم في الهبوات، ومحتمل للأذيّات، قد عجبت من صبرك ملائكة السّماوات، فأحدقوا بك من كلّ الجهات، وأثخنوك بالجراح، وحالوا بينك وبين الرّواح، ولم يبق لك ناصر، وأنت محتسب صابر، تذب عن نسوتك وأولادك حتّي نكسوك عن جوادك فهويت إلي الأرض جريحا تطؤك الخيول بحوافرها، وتعلوك الطّغاة ببواترها!!!
آه يا عاشوراء، آه يا كربلاء، لقد كانت ليلة عاشوراء ليلة شديدة علي أهل بيت الرسالة، ليلة حفـّت بالمكاره والمحن، وآذنت بالقتل والخطر.
قال عليّ بن الحسين: سمعت أبي في الليلة التي قتل في صبيحتها يقول وهو يصلح سيفه:

يا دهر أفّ لك من خليل

كم لك بالإشراق والأصيل

من صاحب وطالب قتيل

والدهر لا يقنع بالقليل

وإنّما الأمر إلي الجليل

وكلّ حيّ سالك سبيلي

قال الإمام علي السجاد (عليه السلام): (ففهمتها وعرفت ما أراد، وخنقتني العبرة ولزمت السكوت، وعلمت أنّ البلاء قد نزل! وأمّا عمّتي زينب لمّا سمعت ذلك وحبت وقالت: واثكلاه! اليوم ماتت أمّي فاطمة وأبي عليّ وأخي الحسن، يا خليفة الماضي، وثمال الباقي. فعزّاها الحسين وصبّرها، وفيما قال: يا أختاه، تعزّي بعزاء الله، واعلمي أن اهل الارض يموتون، وأهل السماء لا يبقون، وكُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ، ولي ولكلّ مسلم برسول الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ).
وفي سحر ليلة عاشوراء الحزين، خفق الحسين خفقة ثمّ استيقظ، فأخبر (عليه السلام) أصحابه بأنّه رأي كلاباً شدّت عليه تنهشه وأشدّها عليه كلب أبقع، وأنّ الذي يتولّي قتله من هؤلاء رجل أبرص!
وأخبر (عليه السلام) أنّه رأي رسول الله (صلي الله عليه وآله) بعد ذلك ومعه جماعة من أصحابه وهو يقول له: (أنت شهيد هذه الأمة، وقد استبشر بك أهل السّماوات وأهل الصّفيح الأعلي، وليكن إفطاراك عندي اللّيلة، عجّل ولا تؤخّر، فهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء!).

*******

المحاورة: وهكذا كانت الملحمة الحسينية منطلقاً محورياً لترسيخ دعائم التوحيد الخالص في الامة وعلى مرّ التاريخ، توضيحات لهذه الحقيقة نستمع لها من سماحة الشيخ خضر الكبش عضو لقاء الجمعيات والشخصيات الاسلامية في لبنان:
الشيخ خضر الكبش: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد ان مفهوم التوحيد من رسالة الحسين (عليه السلام) هي امتداد للرسالة التي جاء بها الانبياء عليهم سلام الله تعالى ورضوانه لذلك انطلق الاسلام من فكرة التوحيد، جاء الاسلام ليخرج الناس من عبادة العباد الى عبادة رب العباد فلا حكم لسلطان ولا ولاء لطاغية انما الولاء هو لله سبحانه وتعالى وها هو جعفر بن ابي طالب عليه سلام الله تعالى عندما ارسله المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) الى النجاشي ملك الحبشة ودخل عليه بعزة الاسلام، دخل عليه بعظمة الاسلام فقال اتباع النجاشي لجعفر ومن معه من المؤمنين المجاهدين الا تركعوا تقديراً واجلالاً للملك؟
فأجاب جعفر بعزة الانسان المسلم، بثقته بالله سبحانه وتعالى، بأيمانه الذي هو راسخ في قلبه، يترجم في عمله وقوله: لقد علمنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الا نركع لأحد الا لله، هذا هو شعار المسلمين منذ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى قيام يوم الدين لذلك الحسين (عليه السلام) حمل هذا المفهوم في قلبه، اراد ان يترجم هذه المفاهيم لحياة امته ان العبودية لا تكون الا لله سبحانه وتعالى، لا تكون لتاجر، لا تكون لشارب خمر، لا تكون لزنديق، هذه هي اساس حركته الاصلاحية التي قام فيها في مجتمع الجهل والعربدة والفسق والفساد، نعم انطلق الاسلام من فكرة التوحيد واعتبر ان جميع الانبياء قد دعوا الى عبادة الله تعالى وان الشرك هو الظلم بل هو الظلم العظيم، لقد قال لقمان (عليه السلام) لأبنه وهو يعظه: يا بني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم، الشرك هو الذي قطع اوصال امتنا وفرقها ومزقها وشتتها واما الوحدة والتوحيد فأنه يقول لنا في كل عصر وفي كل زمان «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ» فهل نستطيع نحن في هذا العصر وفي هذا الزمن ان ندرك هذه الحقيقة كما فعل الحسين (عليه السلام)، كما فعل المجاهدون في كل عصر وفي كل زمان؟ «وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ» هذه هي حقيقة ثابتة حتى لا نختلف على كثرة الارباب لأن جميع الانبياء منذ آدم (عليه السلام) الى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بعثوا لأنهاء عهد الصنم سواء كان صنماً حجرياً كهبل او صنماً بشرياً كفرعون ويزيد وقارون، هؤلاء كانوا ارباباً واصناماً تعبد من دون الله عزوجل لذلك من عبد الانبياء فقد كفر ومن عبد الملائكة فقد كفر، «لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ»،«وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا» هذه الامة المحمدية لن تستطع في يوم من الايام ان تجتمع على هبل ولن تستطع في يوم من الايام ان تجتمع على يغوث ويعوق ونسراً الذي جمع العرب الاشتات الذين كانوا يأدون البنات ويأكلون الميتتة ويغيروا بعضهم على بعض، هو الاسلام، هو القرآن حتى قال الله تعالى لخير البشرية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم):«لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ» هذه كانت رسالة الحسين وهذه من اهم الرسائل التي حملها الحسين (عليه السلام) وترجمها، واقعاً في مجتمع الاسلام لذلك كان استشهاده، لذلك كان الاعتداء على آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لذلك كان الاعتداء على نساء آل بيت النبوة وحولوهم الى سبايا وقادوهم من ارض كربلاء الى ارض الشام في تلك الفترة المظلمة من تاريخ الاسلام والمسلمين.

*******

أصبح الحسين صلوات الله عليه يوم عاشوراء، فصلّي بأصحابه صلاة الصبح، ثمّ قام فيهم خطيباً فقال لهم: (إن الله تعالي أذن في قتلكم وقتلي في هذا اليوم، فعليكم بالصبر والقتال).
ثمّ صفـّهم للحرب ورام مسلم بن عوسجة أن يرمي جند عمر بن سعد لمّا رآهم يجولون حول الخيام، فمنعه الحسين قائلاً له: (أكره أن أبدأهم بقتال).
ثم دعا (سلام الله عليه) براحلته فركبها ونادي بصوت عال يتلو عليهم بيان الإيقاظ والوعظ، لئلّا يبقي لغافل حجّة، فكان فيما قاله (عليه السلام): (عباد الله، إتّقوا الله وكونوا من الدنيا علي حذر، فإنّ الدنيا لو بقيت علي أحد أو بقي عليها أحد، لكانت الأنبياء أحقّ بالبقاء وأولي بالرضي وأرضي بالبقاء. أيّها الناس، إنّ الله تعالي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال، متصرّفة بأهلها حالاً بعد حال، فالمغرور من غرّته، والشّقي من فتنته، فلا تغرّنكم هذه الدنيا، فإنّها تقطع رجاء من ركن إليها، وتخيب طمع من طمع فيها، وأراكم قد اجتمعتم علي أمر قد اسخطتم الله فيه عليكم، وأعرض بوجهه الكريم عنكم وأحل بكم نقمته فنعم الربّ ربّنا وبئس العبيد أنتم. أقررتم بالطاعة، وامنتم بالرسول محمد (صلي الله عليه وآله)، ثمّ إنكم زحفتم إلي ذريته وعترته تريدون قتلهم! لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم، فتبّاً لكم ولما تريدون، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ! هؤلاء قوم كفروا بعد ذيمانهم، فبعدا للقوم الظالمين!!
أيّها الناس انسبوني من أنا ثم ارجعوا إلي أنفسكم وعاتبوها، وانظروا هل يحلّ لكم قتلي، وانتهاك حرمتي؟! ألست ابن بنت نبيّكم، وابن وصيّه وابن عمّه!؟).
وكان البيان الحسيني قد تقدّم للناس باللسان النبويّ، وعظاً ونصحاً وتذكيراً مرّة، وتأنيباً وتبويخاً مرّةً أخري، إتماماً للحجّة البالغة التي سبقت القتال: (ليهلك من هلك عن بيّنة، ويحيي من حيّ عن بيّنة).
فلمّا لم ينفع مع القوم كلام أعلمهم عن جهل وأخبرهم عن غفلة أو تغافل، وذكرهم عن نسيان أو تناس، فتناكروا وأصرّوا وتمادوا. تقدّم البيان الحسيني هذه المرّة بالسيف النبويّ، يريهم عزّة أهل البيت وإباءهم، وشجاعتهم وغيرتهم فكان النزال، وكان القتال.
ثمّ تقدّم بعد ذلك الدم النبويّ في سيد شباب أهل الجنة، ينذرهم أنهم أقدموا علي سفك القداسة المحمدية، وتقطيع الُّلحمة المصطفوية، بعد أن خذلوا ونكثوا، ثمّ حاربوا حتي قتلوا. وبقينا نحن علي مدي القرون والأجيال نندب شهيد الطفّ بندبة الحزن المقدّس الفجيع:

يا حائراً لا وحاشا نور عزمته

بمن سواك الهدي قد شعّ مسرجه؟

وواسع العلم والدنيا تضيق به

سواك إن ضاق خطب من يفرّجه؟

ويا مليكاً رعاياه عليه طغوا

وبالخلافة باريه متوجه

ياريّ كلّ ظماً، واليوم قلبك من

حرّ الظّما لو يمس الصخر ينضجه

ويا مغيث الهدي، كم تستغيت ولا

مغيث نحوك يلويه تحرّ جه

تخوض فوق سفين الخيل بحرد م

بالبيض والسّمر، زخّار مموّجه

حاشا لوجهك يا نور النبوّة أن

يمسي علي الأرض مغبرّاً مبلّحه

وللجبين بأنوار الإمامة قد

زها، وصخر بني صخر يشججه

أعيذ جسمك يا روح النبيّ بأن

يبقي ثلاثاً علي البوغا مضرّجه

والرأس بالرمح مرفوع مبلّجه

والثغر بالعود مقروع مفلّجه

فقام ناعيك عند قبر جدّك الرسول، فنعاك إليه بالدّمع الهطول، قائلاً: يا رسول الله، قتل سبطك وفتاك، واستبيح أهلك وحماك، وسبيت بعدك ذراريك، ووقع المحذور بعترتك وذويك، فانزعج الرسول وبكي قلبه المهول، وعزّاه بك الملائكة والأنبياء، وفجعت بك أمّك الزهراء، واختلفت جنود الملائكة المقرّبين، تعزّي أباك أمير المؤمنين، وأقيمت لك المآتم في أعلي علييّن، ولطمت عليك الحور العين، وبكت السّماء وسكانها، والجنان وخزّانها، ومكة وبنيانها، والبيت والمقام، والمشعر الحرام، والحلّ والإحرام.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة