البث المباشر

من لحق بي منكم أستشهد ومن تخلف لم يبلغ الفتح

الأربعاء 29 مايو 2019 - 11:19 بتوقيت طهران

السلام عليك يا ابن محمد المصطفى، السلام عليك يا ابن علي المرتضى، السلام عليك يا ابن فاطمة الزهراء، اللهم اني اشهد انه وليك وابن وليك وصفيك وابن صفيك، جعلته سيداً من السادة، وقائداً من القادة، وذائداً من الذادة، واعطيته مواريث الانبياء، وجعلته حجة على خلقك من الاوصياء (يا ابا عبد الله) يا سيدي استشفع الى الله بجدك سيد النبيين وبابيك سيد الوصيين وبامك سيدة نساء العالمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته واحسن الله تعالى لكم عزاءكم بمصابكم بابي عبد الله الحسين الذي كان من إشفاقه علي أعدائه أن وقف يذكرهم بنفسه كي لا يبوؤوا بدمه فيهلكوا ويقعوا في العذاب الشديد، واستوقفهم قبل القتال يقول لهم: أيها الناس، إنسبوني من أنا، ثمّ ارجعوا إلي أنفسكم وعاتبوها، وانظروا، هل يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي! ألست ابن بنت نبيّكم وابن وصيّه وابن عمّه وأوّل المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله بما جاء من عند ربّه؟! أو ليس حمزة] سيد الشهداء عمّ أبي؟! أو ليس جعفر الطيّار عمّي؟! أو لم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي: (هذان سيّد شباب أهل الجنة)؟!
وبعد حوار قال (عليه السلام) لهم: (فإن كنتم في شك من هذا القول، أفتشكون أنّي ابن بنت نبيّكم، فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري فيكم ولا في غيركم، ويحكم! أتطلبوني بقتيل منكم قتله، أو مال لكم استهلكته، أو بقصاص جراحة!؟) فأخذوا لا يكلّمونه، بل كلّموه فيما بعد بالسهام؟ حيث قال الشاعر يصوّر ذلك:

لم أنسه إذ قام فيهم خاطباً

فإذا هم لا يملكون خطابا

يدعو: ألست أنا ابن بنت نبيّكم

وملاذكم إن صرف دهر نابا؟!

هل جئت في دين النبيّ ببدعة

أم كنت في أحكامه مرتابا

أم لم يوصّ بنا النبي وأودع

الثـّقلين فيكم: عترة وكتاباً!

إن لم تدينوا بالمعاد فراجعوا

أحسابكم إن كنتم أعرابا

فغدوا حياري لا يرون لوعظه

إلّا الأسنّة والسّهام جوابا

*******

المحاورة: نبقي مع البيان الحسيني لأسرار ملحمته المقدسة، ففي رسالته المشهورة لبني هاشم قال (عليه السلام): من لحق بي منكم أستشهد ومن تخلف لم يبلغ الفتح.
فما هو الفتح في هذه المقولة الخالدة؟ نستمع لأجابة السيد بلال وهبي الباحث الاسلامي من بيروت:
السيد بلال وهبي: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين.
قال الامام الحسين في رسالة ارسل بها الى بني هاشم «اما بعد فأن من لحق بي أستشهد ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح والسلام» هذه الرسالة على اختصارها وايجازها رسالة بليغة وهامة الدلالة وتشير الى الاثار التي تترتب على هذه الثورة المباركة او هذه النهضة المباركة التي نهض بها الامام الحسين سلام الله تعالى عليه وصحبه رضوان الله تعالى عليهم اجمعين وتشير من باب آخر الى ما كان يدرك الامام الحسين مآلات هذه النهضة وانها تنطلق بأمر الهي وارادة ربانية وبالتالي هذه النهضة لابد وان تصل الى تحقيق الاهداف التي رسمها الله سبحانه وتعالى له فهو اولاً يريد من اتباعه كل الذين يسيرون معه ان يعرفوا الى أين يسيرون فالامام لا يريد ان يغرر بهم ولا يريد ان يعطيهم الكثير من الوعود الدنيوية انما يقول لهم: لا انا سائر للشهادة والموت وان الشهادة والموت هي قضاء رباني قضاه الله سبحانه وتعالى شاء الله كما قال في حديثه محمد بن الحنفية «شاء الله ان يراني قتيلاً وشاء الله ان يرى النساء سبايا» اذن ايها الناس يا من يريد ان يسير معي فلينطلق الى الشهادة ولذلك اكثر الامام الحسين سلام الله تعالى عليه من تكرار هذا الموضوع وتأكيد انه ذاهب الى الشهادة وان الذين سيذهبون مع الامام ويمضون معه مكتوب عليهم لقاء الله تبارك وتعالى، هذا الامر الاول الامر الثاني ان الامام اعطانا مفهوماً جديداً حينما نريد ان نقف على نتائج الاعمال ان اولئك الشهداء لن يكونوا موتى كما يحسب اعداءهم انما هم الذين سيكونوا الفاتحين وهم الذين سيكونوا المنتصرين لأن المواجهة التي قد حصلت بين الامام الحسين (عليه السلام) ويزيد وعبيد الله بن زياد وكل اولئك الاشرار لم تكن مواجهة بين شخص وشخص آخر ابداً كانت مواجهة بين خطين حضاريين، الخط الاول ينطلق الى الله تبارك وتعالى وخط آخر ينتمي الى الشيطان وهذا ما نعرف ان يزيد بن معاوية حينما جيء له برأس الامام الحسين سلام الله تعالى عليه هو بنفسه اشار الى هذا الصراع الى ان الصراع بين آل البيت (عليهم السلام) وبين يزيد وبني امية لم يكن صراعاً على سلطان فقط وان لم يكن من العيب ان يطلب الامام الحسين (عليه السلام) السلطان لأن من واجبه ان يقيم حكم الله لكن كان هذا القتال قتالاً لحماية الدين، قتالاً لأعادة المسلمين الى سنة رسول الله، قتالاً لقطع تلك الايادي التي حاولت ان تعمل في انحراف الاسلام عما جاء به النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن انحراف المسلمين، كانوا يريدون ان يقضوا على هذه الدعوة من بداياتها ولذلك نجد الامام زين العابدين سلام الله تعالى عليه حينما عاد الى مدينة جده رسول الله يثرب سأله احدهم يا ابن رسول الله من المنتصر في كربلاء؟ لأنه كان يظن ان الامام الحسين ليس بمنتصر بأعتبار هو شهيد وكل ابناءه شهداء وكل اصحابه شهداء فقال له الامام سلام الله تعالى عليه: «اذا حان وقت الصلاة فأذن وأقم تعرف من المنتصر في كربلاء» اي ان اولئك الذين قاتلوا مع الامام الحسين سلام الله تعالى عليه استطاعوا ان يثبتوا ركائز الاسلام واستطاعوا ان يصرعوا الحكم الاموي وبالتالي لم يعد في مقدور يزيد الذي حينما جيء له برأس الامام الحسين (عليه السلام) وقال: «لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل» لم يستطع ان يقضي على الشرعية التي يمثلها الامام الحسين (عليه السلام) ولم يستطع ان يقضي على هذا الدين الذي قاتل من اجله الامام الحسين فصحيح ان الحسين قد استشهد لكن الدين بقى بدم الامام الحسين وبشهادة الامام الحسين ومن هنا كان اولئك الذين مضوا مع الامام كانوا فاتحين منتصرين لأن هذا الدين الذي جاهد يزيد وابن زياد على اسكات صوته بقي مستمراً والدليل اننا لانزال لحد الان ننتمي الى دين محمد الاصيل ونحمل رايته وهذا كله ببركة دماء الامام الحسين سلام الله تعالى عليه فهو اذن من مضى معه استشهد وشهادة هؤلاء كانت هي الفتح بعينه وهي الانتصار بعينه.

*******

تداول الحجّاج الوافدون علي مكة، أنّ الحسين بن عليّ (عليه السلام) لم يترك المدينة قاصداً حجّ بيت الله الحرام فحسب، وإنّما أناخ رحله في مكة محطّةً في سفره إلي العراق، أو ربّما ضيّق في المدينة، وله في مكة أنباء وبيانات تحكي عن اعتراضه علي يزيد بن معاوية، وكان معاوية قد تعهّد في وثيقة الصلح للإمام الحسن أن إذا هلك وتوفي الحسن (عليه السلام) فالحاكمية للإمام الحسين (عليه السلام)، لكنه نكث عهده وأخذ البيعة قبل هلاكه لولده يزيد الذي اشتهر عند الناس مجونه وفساده وانحطاطه، فلم يبق إلا النهضة الإلهية في وجه التحريف والمنحرفين.
وكان من رحمة الإمام الحسين (عليه السلام) أن بلّغ الناس وأعلمهم بالأمور كلّها، فوضعهم علي المحجّة الواضحة، ودعاهم إلي السعادة الأبدية، فكتب فيما كتبه (سلام الله عليه) إلي رؤوس الأخماس بالبصرة: (أمّا بعد، فإنّ الله اصطفي محمّداً (صلي الله عليه وآله) من خلقه، وأكرمه بنبوّته، واختاره لرسالته، ثمّ قبضه إليه وقد نصح لعباده، وبلّغ ما أرسل به (صلي الله عليه وآله)، وكنّا أهله وأولياءه، وأوصياءه، وورثته وأحقّ الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك فرضينا، وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنّا أحقّ بذلك الحقّ المستحقّ علينا ممّن تولّاه، وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب وأنا أدعوكم إلي كتاب الله وسنّة نبيّه، فإنّ السّنة قد أميتت، والبدعة قد أحييت، فإن تسمعوا قولي أهدكم إلي سبيل الرّشاد).
إذن، فإنّ الأمر هكذا، استلبت الخلافة النبوية حتي آل حال الناس إلي أن أصبحوا يخوضون في البدع وينسون أو يتناسون السّنن، فكان لا بدّ من القيام لله، مع وليّ الله، يومها لم يكن إلّا ذلكم الذي كان عليم الأعلام، وسيّد السادات، الحسين السّبط (صلوات الله عليه)، ذلكم الذي قال له أبو هريرة: والله لو يعلم الناس منك ما أعلم، لحملوك علي رقابهم، وقيل لابن عباس بعد شهادة الإمام الحسن (عليه السلام):
يا ابن عباس، أصبحت سيّد قومك، فقال: أمّا ما أبقي الله أبا عبد الله الحسين فلا.
ويوم قال معاوية لعبد الله ابن جعفر: أنت سيّد بني هاشم.
أجابه علي الفور: سيّد بني هاشم حسن وحسين.
وكتب عمر رضا كحالة في (الأعلام): الحسين بن علي، سيد أهل العراق فقهاً وحالاً وجوداً وبذلا.
وكتب ابن كثير في (البداية والنهاية) أنّ قيس بن مسهر الصّيداوي رسول الحسين إلي الكوفة لمّا قبض عليه ابن زياد وأمره أن يصعد المنبر فيسب الحسين وأباه، صعد فقال: أيها الناس، إنّ هذا الحسين بن علي خير خلق الله، وهو ابن فاطمة بنت رسول الله، (صلي الله عليه وآله)، وأنا رسوله إليكم. فأجيبوه، واسمعوا له وأطيعوه. ثمّ لعن عبيد الله ابن زياد وأباه، فأمر به ابن زياد فألقي من رأس القصر فتقطّع شهيداً.
في (تاريخه) ذكر الطبريّ، أنّ الحسين (عليه السلام) لمّا بلغه أنّ يزيد بن معاوية أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر وأمّره علي الحاج، وولّاه أمر الموسم وأوصاه بالفتك بالحسين أينما وجده ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة، عزم (عليه السلام) علي الخروج من مكة قبل إتمام حجّه، مقتصراً علي العمرة، خشية أن تستباح بقتله حرمة البيت الحرام. وقبل خروجه (سلام الله عليه) كان له بيان مصقع، حيث قام خطيباً فقال: (الحمد لله، وماشاء الله كان، ولا قوّة إلّا بالله، وصلّي الله علي رسوله. خطّ الموت علي ولد آدم مخطّ القلادة علي جيد الفتاة، وما أولهني إلي أسلافي اشتياق يعقوب إلي يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النّواويس وكربلا، فيملأن منّي أكراشاً جوفاً وأجربةً سغباً. لا محيص عن يوم خطّ بالقلم، رضي الله رضانا أهل البيت، نصبر علي بلائه ويوفينا أجور الصابرين. لن تشذّ عن رسول الله لحمته، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس، تقرّ بهم عينه، وينجز بهم وعده. ألا من كان باذلاً فينا مهجته، وموطّناً علي لقاء الله نفسه، فليرحل معنا، فإنّي راحل مصبحا إن شاء الله تعالي). نعم، كان حديثه (سلام الله عليه) حِكما دارت حول القضاء المحتوم، والبلاء المعلوم، والصبر الأسمي، وحول الشهادة تري من عالم الغيب يروي قصّتها الحسين الشهيد، ولم تكن فقط وقعة، بل كانت أيضاً فجعة، سبقهما رحيل في ركب إلهيّ قرّر السفر الأخرويّ الأقدس.

مثل ابن فاطمة يبيت مشرّداً

ويزيد في لذّاته متنعّم

يرقي منابر أحمد متأمّراً

في المسلمين، وليس ينكر مسلم

ويضيق الدنيا علي ابن محمّد

حتي تقاذفه الفضاء الأعظم

خرج الحسين من المدينة خائفاً

كخروج موسي خائفاً يتكتم

وقد انجلي عن مكة وهو ابنها

وبه تشرّفت الحطيم وزمزم

إذن نلخص مما تقدم الي أن البيان الحسيني لأجيال المسلمين كافة يشتمل علي إبلاغ حقيقة أن الفتح لا يكون للمسلم إلا بالتمسك بولاية الإمام الحق والبراءة من أهل البدع وأئمة الضلال.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة