البث المباشر

نشأة علي الأكبر سلام الله عليه

الثلاثاء 21 مايو 2019 - 11:04 بتوقيت طهران

يا كوكباً ما كان اقصر عمره

وكذا تكون كواكب الاسحار

وهلال ايام ٍ مضت لم تستدر

بدراً.. ولم يُُمهل لوقت سرار

فكأن قلبي قبره .. وكأنه

في طيّه سر من الاسرار

جاورت اعدائي وجاور ربه

شتان بين جواره وجواري!

وقد جريت كما جريت لغايةٍ

فبلغتها .. وأبوك في المضمار

وأخفص الزفرات وهي صواعد

وكفف العبرات وهي جوار

تقدم الانصار جميعاً بين يدي امامهم أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه، فاستشهدوا جميعاً، وكانوا قد أبوا أن يقتل أحد من آل أبي طالب وهم أحياء شهود ينظرون، فقضوا وهم أوفياء، مخلصون مضحوّن شهداء، فرضي الله عنهم ورضوا عنه، وكفاهم فخراً أن يرثيهم الائمة عليهم السلام ويزوروهم، فيكون منهم هذه العبارات الشريفة، أوسمة سماوية منيفة: «السلام عليكم يا اولياء الله وأحباءه، السلام عليكم يا اصفياء الله وأوداءه، السلام عليكم يا انصار دين الله، السلام عليكم يا انصار رسول الله، السلام عليكم يا انصار امير المؤمنين، السلام عليكم يا انصار فاطمة سيدة نساء العالمين، السلام عليكم يا انصار ابي محمد الحسن بن علي الوليّ الناصح، السلام عليكم يا انصار ابي عبد الله، بأبي انتم طبتم وطابت الارض اتي فيها دفنتم، وفزتم فوزاً عظيماً، فياليتني كنت معكم، فأفوز معكم».
وقد قال فيهم الشاعر الاديب:

وتقدم الانصار للأقران مشرعة

وللحرب العوان شبوب

يأبون أن يبقوا وآل نبيهم

كل على وجه الصعيد تريب

فاستقبلوا ضرب السيوف بأوجه

غرّاء عن زهر النجوم تنوب

حتى هووا فوق الصعيد كأنهم

أقمار تم ٍ في الدماء رسوب

من بعد ما فتكوا بجيش أميةٍ

حتى اصابوا منهم واصيبوا

فتبادرت آساد عترة هاشم

شبّان فخر ٍ دارعون وشيب

أجل، فبعد شهادة الانصار، تقدم الغيارى من آل أبي طالب شباناً وشيباً، وكان اسرعهم الى استئذان سيده وإمامه الحسين، عليّ الاكبر فلذة كبد ابيه الحسين وهو يراه لم يبق معه من الاعوان الا اهل بيته وقد عزموا على ملاقاة الحتوف ببأس شديد وحفاظ مُرّ ٍ ونفوس أبية، وأقبل بعضهم يودع بعضاً، وأول من تقدمهم الحسن عليّ الاكبر وعمره سبع وعشرون سنة، وكان مرآة الجمال النبوي، ومثال خلقه السماويّ، ووريث بيت الرسالة للمآثر الطيبة.
فلما الحرب، عزّ فراقه على مخدرات الرسالة؛ لأنه عماد خيمتهن، وحمى أمنهن، فأحطن به وتعلقن بأطرافه، أمه وأخواته وعماته وقلن له: ارحم غربتنا، لا طاقة لنا على فراقك. فمال بوجهه الشريف الى ابيه الحسين وهو يراه مكثوراً قد أحاط به الاعداء، فاستأذنه، وودعه، لكن كيف يا ترى كان ذلك الوداع؟! لقد كان اشتباكاً بالاذرع، وضماً الى القلب، وتجاوباً بالدموع والحسرات.
وشدّ الحسين على قلبه، لكنه لم يتمالك دون أن يرخي عينيه بالدموع، ثم صاح بعمر بن سعد: «مالك! قطع الله رحمك كما قطعت رحمي، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله، وسلط عليك من يذبحك على فراشك».
ثم رفع عليه السلام: شيبته المقدسة نحو السماء، وشرع بهذا الدعاء: «اللهم اشهد على هؤلاء القوم؛ فقد برز اليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسولك محمد صلى الله عليه وآله، وكنا اذا اشتقنا الى وجه رسولك نظرنا الى وجهه. اللهم فامنعهم بركات الارض، وفرقهم تفريقاً، ومزقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائق قددا، ولا ترض الولاة عنهم ابداً؛ فإنهم دعونا لينصرونا، ثم عدوا علينا يقاتلونا.

*******

وقد استجاب الله جل جلاله دعاء وليه الحسين (عليه السلام) وأنزل اشكال العقاب بخاذليه وقاتليه وقاتلي فتاه شبيه المصطفى (صلى الله عليه وآله) مولانا علي الاكبر سلام الله عليه والذي يحدثنا عن بعض ملامح شجاعته العلوية، سماحة خطيب المنبر الحسيني الشيخ باقر الصادقي في الحديث الهاتفي التالي:
المحاور: استجاب الله جل جلاله دعاء وليه الحسين عليه السلام، وانمل اشكال العقاب بخاذليه وقاتليه وقاتلي فتاه شبيه المصطفى صلى الله عليه وآله، مولانا علي الاكبر عليه السلام، والذي يحدثنا عن بعض ملامح شجاعته العلوية سماحة خطيب المنبر الحسيني الشيخ باقر الصادقي في الحديث الهاتفي التالي؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، يقول الاديب في بأس حمزة، في شجاعة حيدر، بابى الحسين، ومهابة احمد، وتراه في خلق وطيب خلائق وبليغ نطق كالنبي محمد صلى الله عليه وآله، الاديب يمدح سيدنا ومولانا علي الاكبر من ناحية الشجاعة والمنطق والخلق، وفعلاً كان علي الاكبر ما وصفه الاديب بحق يستحق هذا المدح وهذا الثناء، وما عسى المتحدث ان يتحدث عن هذا السيد المقدام البطل، الذي تعجب من شجاعته القوم، قالوا انه لما برز علي الاكبر تصوروا ان امير المؤمنين بعث من قبره واقبل يقاتل، لما قتل فيهم ابطالاً ونكس شجعاناً، وهكذا برز اليه بكر ابن غانم وكان يعد بالف فارس، ومع ذلك وقف له تلك الوقفة المشرفة حتى قتله، واقبل الى ابيه وهو يقول ابا حسين العطش قد قتلني وثقل الحديد قد اجهدني، فقال له الحسين عليه السلام اصبر ما اسرع ما تلقى جدك رسول الله صلى الله عليه وآله فيسقيك بكأسه وبيده شربة لا تضمأ بعدها ابداً، حينما نلاحظ التاريخ نجد ان لعلي الاكبر عند الامام الحسين منزلة وهذه المنزلة حسب الظاهر ان الامام الحسين كان يعتمد عليه بمجموعة امور، المحادثات التي جرت بين الامام الحسين وبين عمر بن سعد كان الى جنبه علي الاكبر والى جنبه العباس، وهذا ان دل على شيء انما يدل على ان الامام الحسين كان يشرك ولده علي الاكبر في بعض الامور، ولما سمع صراخ النسوة الامام الحسين كلّف ولده علي الاكبر قال بني امضي واسكتهن فلعمري ليكسر بكائهن، هذا في الحقيقة شاهد على ان الامام الحسين كان يعتمد عليه، ولما منعوا الماء في اليوم السابع او قبله اخذ علي الاكبر ومع مجموعة من الفرسان وجاءوا بالماء، على بعض الروايات التاريخية، فهذه الامور كلها تدل على ان الامام الحسين كان يعتمد على ولده علي الاكبر، وكان بارّاً لابيه الحسين، وفي قصر بني مقاتل هذه الواقعة تشهد على هذا البر هومت عينا ابي عبد الله الحسين عند السحر فاستيقظ وهو مسترجع يقول: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، فسمع علي الاكبر استرجاع ابيه الحسين فاقبل مسرعاً ابا حسين مما استرجعت؟
فقال: ولدي علي هومت عيناي ففارس.
يقول: ان القوم يسيرون والمنايا تسري بهم، فنعيت الينا انفسنا.
قال: ابا أولسنا على الحق؟
فقال: بلى والذي اليه مرجع العباد.
فقال ابا حسين: اذن لا نبالي ان نموت محقين فجزاه الحسين خيراً.
وقال: جزاك الله خيراً من والد عن ولده افضل ما جازا والد عن ولده، فسلام عليك ايها الشهيد السعيد البطل الشجاع يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حياً، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين.

*******


لازلنا معكم أعزاءنا اذاعة طهران في الحلقة اخري من برنامج آل هاشم في طف كربلاء، وحديثنا فيها عن اول الهاشميين مبادرة للشهادة في يوم عاشوراء شبيه المصطفى (صلى الله عليه وآله) وفتى الحسين عليه السلام، وها نتابع قصة حضوره واستشهاده.
وانسلخ عليّ الاكبر من بين يدي أبيه الحسين، وأبوه ينظر اليه وهو يخوض ساحة المعركة في أفواج من جيش الاعداء ـ تتجه اليه الرماح تريد ان تنهش بدنه الشريف، وتعلوه السيوف تريد أن تفلق رأسه العابد لله تعالى، فكيف يطيق ذلك ؟!
ولكن علياً الاكبر ما زال يتقدم ويقتحم، ويرتجز بلسانه، ويقطع الرؤوس بشبا سيفه، يحمل مرة على الميمنة، ومرّة على الميسرة، ويغوص في الاوساط، فلم يقابله جحفل الا ردّه وشتته، ولا برز اليه شجاع الا قتله أو هزمه!

يرمي الكتائب والفلا غصّت بها

في مثلها من بأسه المتوقد

فيردها قسراً على أعقابها

في بأس عرّيس العرينة ملبد

فلم يزل يقاتل حتى ضجّ اهل الكوفة لكثرة من قتل منهم، ولم يوقفه في صولاته وكرّاته الا العطش، فأجهده، وأرجعه الى ابيه وقد اصابته جراحات كثيرة، ليقول له: أبه، العطش قد قتلني، وثقل الحديد قد أجهدني، فهل الى شربة ماء من سبيل، أتقوى بها على الاعداء؟
فأبكى الحسين هذا السؤال، فأجابه يقول له: «يا بنيّ، عزّ على محمد وعلى علي، وعلى ابيك، أن تدعوهم فلا يجيبونك، وتستغيث بهم فلا يغيثونك. يا بنيّ، هات لسانك».
فأخذ لسان ابيه يمصه وإن جفّ من حر الظما، ثم دفع الحسين الى ولده خاتمه قائلاً له: «خذ هذا الخاتم في فيك، وارجع الى قتال عدوّك، فإني أرجو ان لا تمسي حتى يسقيك جدّك بكأسه الاوفى شربة لا تظمأ بعدها ابداً». فعاد علي الاكبر الى ساحة القتال وهو يقول:

الحرب قد بانت لها حقائق

وأظهرت من بعدها مصادق

والله رب العرش لا نفـارق

جموعكم أو تغمد البوارق

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة