البث المباشر

الدعاء

الأحد 12 مايو 2019 - 08:59 بتوقيت طهران

خبير البرنامج: سماحة الشيخ صادق النابلسي الباحث الاسلامي من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم
مستمعينا الكرام... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نرحب بكم في لقاء جديد لبرنامج (آداب شرعية لحياة طيبة) وموضوع هذه الحلقة هو (الدعاء) نرجو قضاء وقت ممتع ومفيد مع فقرات هذه الحلقة وندعوكم بالرفاه والسعادة وخير الدنيا والآخرة.
عزيزي المستمع.. الدعاء طاعة الله سبحانه وامتثال لأمره وهو خضوع لله سبحانه يقول تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ
وقال الله سبحانه: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً
الدعاء سبب لإنشراح الصدر وتفريج الهم وزوال الغم وتيسير الأمور، وقد أحسن من قال:

وإني لأدعوا الله والأمر ضيق

علي فما ينفك أن ينفرجا

ودب فتى ضاقت عليه وجوهه

أصاب له في دعوة الله مخرجاً


والدعاء دليل على التوكل على الله وتفويض الأمر إليه والدعاء سلامة من العجز ودليل على الكياسة وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (أعجز الناس من عجز عن الدعاء).
واستجابة الدعاء مضمونة لقوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ
هذه الآيات تدعو الإنسان إلى الإستفادة من هذه المائدة الربانية وهذه الفرصة العظيمة التي أتاحها الله لعباده.
الدعاء سبب لرفع البلاء وقد جاء في الحديث المروي عن أهل البيت (الدعاء يرد البلاء وقد أبرم إبراماً).
وهنا نسأل ضيفنا الكريم سماحة الشيخ صادق النابلسي الباحث الاسلامي من لبنان عن أهمية الدعاء في حياة الإنسان وآثاره على الفرد والمجتمع، نستمع لإجابته:
النابلسي: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
دون أدنى شك أن الدعاء يحول حياة الإنسان من الضعف الى القوة لأن الإنسان يرتبط بالقوي والعظيم ويمنح الحياة خيراً وعطاءاً لأن الانسان يرتبط أيضاً بالغني والمعطي والكريم ويحوّل الحياة الفردية لتكون عامرة معمورة. وبخلاف من يعتقد أن الدعاء إنما يشكل هروباً من الواجب على العكس منذلك أن الدعاء ليس هروباً من الواجب وإنما يأتي بعد الواحب والعمل والكفاح والصبر لذلك يمكن أن يلمس الإنسان من الدعاء كلما يمكن أن يتحرك في وجدانه وأحاسيسه ومشاعره. كما يحتاج الإنسان الى الطعام يحتاج الى الدعاء الذي يلبي شوقه الى الأشياء التي يتطلع لها وأن الإنسان يكون انساناً على قدر ما تكون حاجاته كاملة ورفيعة ومنزهة لذلك الدعاء إنما يشكل هذا البعد وذاك البعد في سبيل تلبية حاجة الانسان وفي سبيل الرقي والكمال والعلم والمعرفة والمحبة فالله لايعرف فقط عن طريق العلم والعقل بل الذين فاضت أرواحهم وقلوبهم من محبة الله عزوجل يدركون وجوده الحقيقي من خلال الدعاء وكما يمكن أن يعبر الدعاء عن حاجة ورغبة عند الانسان الفرد ايضاً إنما الدعاء يحتاجه المجتمع كل المجتمع من اجل الأمن والسعادة والوحدة والعزة وتنظيم الحياة الإجتماعية وبيان سلوك الانسان مع الآخرين كما ورد ذلك في دعاء مكارم الاخلاق للإمام زين العابدين سلام الله عليه. وأذكر هنا نصاُ لأحد الفلاسفة الفرنسيين الذي يقول: متى ضعف الدعاء في قوم وأهملت سننه كانت العلاقة على إنحطاط القوم وعجزهم. فالمجتمع متى إنصرف عن الدعاء أعد في نفسه مناخ الإنحطاط والإضمحلال والعجز فالدعاء كما هو قوة وكمال للفرد ايضاً هو قوة وكمال لأي مجتمع من المجتمعات.
عزيزي المستمع.. الدعاء علاج نفسي وطب وقائي يحفظ الإنسان من ضغوط الحياة وأزماتها الخانقة، الدعاء ينقذ الإنسانية والبشرية من سوء الأحوال الإقتصادية ومن المجاعات والكوارث الطبيعية ويخلص البشرية من كل سوء، نقرء قوله تعالى على لسان نوح على نبينا وآله وعليه السلام: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً{۱۰} يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً{۱۱} وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً{۱۲}
إن الإنسان يكتسب بالدعاء النقاء والصفاء في روحه ومشاعره ويعيش آفاق القيم الإلهية السامية، الروح بكل نقائها وصفائها وعذوبتها وعفويتها، عندما يقف بين يدي الله تعالى خاضعاً ويدعوه في إيمان محبب وديع، واثق بالفوز، مطمئن بالإستجابة، راجياً الفرج وقضاء الحاجة.
إنه يعبر عن إنفعالاته المكبوتة ويعبر عن أحساسيه المختزنة في قلبه وأسراره التي لا يعلمها إلا هو، يبكي، يشكو، يتألم، يطلب العون والمساعدة، يلح في الطلب كالطفل الذي يلجأ إلى صدر أمه الحنون ويطلب منها الحب والحنان، والله سبحانه أرأف بعباده من الأم بولدها وقد جاء في بعض أدعية أهل البيت – عليهم السلام – قول الداعي: (يا بر يا رحيم أنت أبر بي من أمي وأبي ومن جميع الخلائق، إقلبني بقضاء حاجتي مجاباً دعائي، مرحوماً صوتي).
وهنا يثار سؤال عن أهم شروط إستجابة الدعاء وهذا ما يجيب عنه ضيفنا الكريم سماحة الشيخ صادق النابلسي الباحث الاسلامي من لبنان نستمع لما يقوله:
النابلسي: هناك مجموعة من الشروط التي يجب وضعها في الحسبان كي يتقبل الله سبحانه وتعالى منا الدعاء مثلاً يمكن أن نتحدث عن شرط أساسي يتعلق بمعرفة الله عزوجل فقال قوم للإمام الصادق عليه أفضل الصلاة والسلام: ندعو فلايستجاب لنا فقال عليه السلام: لأنكم تدعون من لاتعرفونه.
ويمكن ايضاً أن نتحدث عن شرط آخر وهو الإقبال وكما ورد في الحديث «أن الله عزوجل لايستجيب دعاءاً من ظهر قلب ساه فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثم إستيقن بالإجابة». وايضاً لابد أن يكون الداعي في موقع حسن الظن بالله عزوجل فكما ورد في الحديث ايضاً «أدعوا الله وانتم موقنون بالإجابة».
ومن الشروط التي يضعها العلماء أنه اذا أراد احدكم أن لايسأل ربه شيئاً إلا أعطاه فلينظر وليلح بالسؤال ولاييأس، الرجاء بالله، الرجاء بالله بشكل حصري لإنه هو السبب في العطاء، في الإجابة فلييأس من الناس كلهم ولايكون له رجاءاً كما ورد في أحد الأحاديث «ولايكون له رجاءاً إلا عند الله» فإذا علم الله عزوجل ذلك من قلب لم يسأل الله شيئاً إلا اعطاه. والشرط الآخر هو الثناء والتمهيد قبل الدعاء كما ورد في الحديث «إياكم اذا أراد أحدكم أن يسأل من ربه شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة حتى يبدأ بالثناء على الله والمدح له والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم يسأل الله حوائجه». فهناك العديد من الشروط التي يمكن أن نعود اليها في كتبها المقررة ولكن كما قلنا في هذه الشروط تساعد الانسان على أن تكون الإجابة في موضع الباب.
نتابع من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران فنشير إلى أن الدعاء أداة ووسيلة لتربية الذات ووسيلة للنقد الذاتي وأداة لمحاسبة النفس؛ نقرأ في دعاء الإمام السجاد – عليه السلام – في الأسحار:
(إلهي من يكون أسوء حالاً مني إذا ثقلت في مثل حالتي إلى قبري؟؟ لم أمهده لرقدتي ولم أفرشه بالعمل الصالح لضجعتي)
كما أن الدعاء له أثراً كبيراً في تربية الذات وإصلاح النفس ونقدها ولأن الإنسان معرض للخطأ والزلل والذنب فلابد من الدعاء والإستغفار لطلب التوبة والمغفرة والعفو، الدعاء يفتح للإنسان باب الأمل والرجاء وينقذ الإنسان من اليأس ومن عقدة الذنب وتأنيب الضمير والخطايا قد ينساها الإنسان ولكنها قد تتحول إلى كابوس أثناء النوم وقد تؤدي إلى أمراض نفسية يصعب علاجها كالشعور بالدونية والضعف.
عزيزي المستمع.. الدعاء يخرج الإنسان من عزلته ووحدته ويربطه بالكائنات فالكل خاضع لمشيئته وإرادته؛ جاء في أحد الأدعية النبوية التي يستحب تلاوتها في الصباح: (أصبحنا وأصبح الملك لله، أصبحنا وأصبحت الأشياء كلها لله بجملتها لك سماءها وأرضها وما نبتت في كل واحد منها ساكنه ومتحركه ومقيمه وشاخصه وما علا في الهواء وما سكن تحت الثرى).
والدعاء في مدرسة أهل البيت – عليهم السلام – لا يقتصر على حاجات نفسية ومطالب مادية تخص الإنسان ذاته أو تقتصر على حياة الفرد أو حياة عائلته وأسرته وظروفه المعيشية، بل إن أهل البيت – عليهم السلام – يعلموننا أن نطلب الخير للإنسانية بأجمعها لتخليصها من الحروب والأزمات، تشتمل حياة الأمة والمجتمع العالمي بكل أطيافه وألوانه وتشتمل السياسة والإقتصاد والإجتماع والدنيا والآخرة؛ فمثلاً جاء في دعاء الإفتتاح المبارك (اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة).
إلى هنا نأتي إلى ختام حديثنا لبرنامج (آداب شرعية لحياة طيبة) دمتم بكل خير وفي أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة