البث المباشر

علي (ع) في الآية المباهلة (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ...)-۳

الأربعاء 25 سبتمبر 2019 - 15:08 بتوقيت طهران

اذاعة طهران - برنامج : علي(ع) في القرآن- الحلقة : 23

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ما اختلف الليل والنهار، وأكرم الصلوات على النبيّ المصطفى المختار، وعلى آله الميامين الأبرار، السلام عليكم إخوتنا الأعزة الأفاضل ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم في وقفة اخيرة عند آية المباهلة، قوله تبارك وتعالى في سورة آل عمران: "فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ" ، حيث وجدنا توافق المصادر التفسيريّة والحديثيّة، والمراجع التاريخية والرجاليّة، السنية منها والشيعيّة، على أنّ سبب نزول الآية كان في قصة مباهلة النبي صلى الله عليه وآله لنصارى نجران، وقد باهل بالحسنين فعنتهما الآية بقوله تعالى: (ندع أبناءنا)، وبابنته فاطمة الصدّيقة الكبرى فعنتها الآية بقوله: (ونساءنا)، وبابن عمه عليّ فعنته الآية بقوله عزّ من قائل: (وأنفسنا)، إلى ذلك ذهب الطبرسيّ في (مجمع البيان)، والعياشيّ وفرات الكوفيّ والقمّيّ والبحرانيّ في تفاسيرهم، وكذا الحويزيّ في تفسيره (نور الثقلين)، وعشرات المصادر القديمة إلى مئاتها التي روت عنها وصدّقتها. هذا إضافة إلى مثلها من كتب علماء السنة كصحيح مسلم، و(تذكرة الخواصّ) لسبط ابن الجوزيّ، و(الصواعق المحرقة) لابن حجر، ما يبلغ خبر ذلك حدود التواتر والتسالم والإجماع والشهرة المطبقة، حتى قال الحاكم النيسابوريّ الشافعيّ بعد نقله لحديث المباهلة: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، ووافقه على ذلك البيهقيّ في (سننه)، وأحمد ابن حنبل في (مسنده).
ولعلّ أحدنا أيّها الإخوة الأحبّة يستوقفه هذا السؤال: هل لآية المباهلة من دلالة أو دلالات؟ وإذا كانت فما هي يا ترى؟!، في كتاب (الفصول المختارة من العيون والمحاسن) للشيخ المفيد أنّ المأمون سأل يوماً الإمام علياً الرضا عليه السلام: أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين علي عليه السلام يدل عليها القرآن. فأجابه عليه السلام بقوله: فضيلته في المباهلة. وبعد أن تلا آيتها قال عليه السلام: فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله، الحسن والحسين فكانا ابنيه، ودعا فاطمة فكانت في هذا الموضع نساءه، ودعا أمير المؤمنين فكان نفسه بحكم الله عزوجل. ثمّ أضاف عليه السلام قائلاً: وقد ثبت أنه ليس أحدٌ من خلق الله سبحانه أجلّ من رسول الله صلى الله عليه وآله وأفضل، فوجب أن لا يكون أحدٌ أفضل من نفس رسول الله صلى الله عليه وآله بحكم الله عزوجل.
ومن هذا الاستدلال العلميّ القاطع الدليل، استفاد العلماء أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام على غيره، إذ هو نفس رسول الله، ورسول الله صلى الله عليه وآله أفضل الخلق أجمعين. فقال الشيخ المفيد: إن الله تعالى حكم في آية المباهلة لأمير المؤمنين عليه السلام بأنه نفس رسول الله، كاشفاً بذلك عن بلوغه عليه السلام نهاية الفضل، وعن مساواته للنبيّ صلى الله عليه وآله في الكمال والعصمة من الآثام.
ولا غرابة في ذلك أيها الإخوة الأكارم فقد كتب السمهوديّ وهو شافعيّ المذهب في كتابه (جواهر العقدين في فضل الشرفين، الذكر الثالث، تحت عنوان: ذكر سلام الله تعالى على آل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله) قال: قال الإمام فخر الدين الرازيّ (صاحب التفسير الكبير): جعل الله أهل بيت النبيّ مساوين له في خمسة أشياء: أحدها في السلام، قال: "سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ"(الصافات: ۱۳۰)
والثاني، في الصلاة على النبيّ (ص) وعلى الآل، كما في التشهد. والثالث، في الطهارة، قال: (طه)، أي طاهر، وقال لأهل بيته: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" (الأحزاب: ۳۳). والرابع، تحريم الصدقة. والخامس، المحبّة، قال تعالى:"فاتبعوني يحببكم الله" (آل عمران: ۳۱)، وقال لأهل بيته: "قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى" (الشورى: ۳۳).

*******


أجل أيها الإخوة، هكذا يرى أصحاب البصائر، أن آية المباهلة وصفت علياً عليه السلام بأنه نفس رسول الله صلى الله عليه وآله، ويعني ذلك أنه يمثل الصورة الصادقة لكلّ كمالاته، وملكاته، فهو بمنزلة الذات من الذات، والروح من الروح، وليس في ميدان المباهلة غير عليّ يجسد نفس النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. قال العلامة الحليّ في كتابه (منهاج الكرامة): نقل الجمهور كافة أن (أنفسنا) في آية المباهلة إشارة إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام، فالآية إذن، أدلّ دليل على ثبوت الإمامة لعلي، لأن الله تعالى قد جعله نفس رسول الله، فيبقى المراد المساوي، فكانت للنبيّ صلى الله عليه وآله الولاية العامّة، فكذا لمساويه.
وفي تفسيره (البتيان) قال الشيخ الطوسيّ: استدلّ اصحابنا بآية المباهلة على أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان أفضل الصحابة من وجهين: أحدهما، إن موضوع المباهلة كان ليتميز المحقّ من المبطل، وذلك لا يصحّ إلا بمن هو مأمون الباطن، مقطوعاً على صحّة عقيدته، أفضل الناس عند الله والثاني، إن النبيّ صلى الله عليه وآله جعله مثل نفسه بقوله: (وأنفسنا). هذا، فيما كتب محمد حسين البرجردي في (النص الجليّ في إثبات ولاية عليّ): في خبر المباهلة دلالة على تخصيص أصحاب الكساء بشرف لا يدانيه شرف، وفضيلة لا توازيها فضيلة، وعلى أن الإجابة مقرونة بدعائهم، وفيه دليلٌ على أن علياً عليه السلام كان من نور الرسول، كما تواتر به الخبر في الفريقين، وكان من معدن صفائه، وفيه أيضاً دليلٌ على عصمته عليه السلام، وعلى وجوب طاعته، وكونه إماماً وليّاً على الخلق بعد النبيّ صلى الله عليه وآله.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة