البث المباشر

معركة بدر – ۱

الإثنين 18 مارس 2019 - 11:22 بتوقيت طهران

الحلقة 72

بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله خير الاسماء بسم الله رب الارض والسماء وافضل الصلاة واتم التسليم على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين، السلام عليكم اَحبَّة القرآن ورحمةُ الله وبركاته، اهلاً ومرحبا بكم ايها الافاضل الى هذه المائدة السماوية القرآن الكريم حيث نتزود من القصص المباركة التي اوردها الله عزَّوجل لهداية الانسان الى طريق الخير والفلاح. تعالوا معنا ايُها الافاضل لنستعرض لحضراتكم قصةً من حياة رحمة للعالمين رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) القصة التي تُنبئنا بها الآيات المباركة من سورة الانفال عن معركة بدر وبالتحديد الآيتان ۷ و۸ من السورة نفسها فتابعونا مُتفضلين عبر المحطات التالية:
بعد مُقدّمة قصيرة نُنصت خاشعين الى تلاوة لهاتين الآيتين. ثم نتطرّق الى شرح بسيط لمفرداتهما وعباراتهما. نتوقفُ عند اجابة ضيف اللقاء عن تساؤل حول المقصود من قطع دابر الكافرين؟ ثم نُتابع معاً الجزء الاَّول من حكاية معركة بدر، ونواصل البرنامج بتقديم روايتين بشأن الموضوع. ومسك الختام مع شيء يسير من العبر المأخوذة من هذه المعركة فأهلاً ومرحباً بكم الى فقرات هذا اللقاء.
المقدمة 
آيتا هذه الحلقة تُشيران إلى قصة بدر، وهي أوَّلُ غزوةٍ في الإسلام، وظاهر سياق الآيات أنَّهما نزلتا بعد انقضاء المعركة، فهماً تستعرضان جوانب مهمةً وحساسةً فيها، والهدف من ذكرها هو أن يستلهم المسلمون من هذه الآيات الحقائق التي مرَّت بهم في الماضي القريب، ويجعلوها أمام أعينهم للعبرة والإتّعاظ. نستمع معاً الى تلاوة هاتين الآيتين: 

التلاوة

"وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ{۷} لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ{۸}"

المفردات

والآن وبعد أن استمعنا الى هذه التلاوة العطرة نتوقف عند شرح مُبسّطٍ لمعاني المفردات والعبارات. في الآية الاولى إشارةٌ إلى وعد الله بالنصر في معركة بدر إجمالاً، إذ تقول الآية: "وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ". ولكن لخوف المسلمين من الخسائر واخطار وبلايا الحرب، لم يكونوا راغبين فيها حيث تُشير الآية الى هذا المعنى قائلة "وتودّون أن غير ذات الشوكة تكون لكم" إلا أنّه كما يُلاحظ في الآية الكريمة، أنّ التعبير جاء بذات الشوكة مكان الجيش والنفير، وبغير ذات الشوكة مكان القافلة أو العير. وهذا التعبير يحمل في نفسه معنا لطيفاً لأنَّ الشوكة ترمزُ إلى القدرة وتعني الشدَّة وأصلها مأخوذ من الشوك، ثم استعملت هذه الكلمة اي «الشوكة» في نصول الرماح، ثم أُطلق هذا الاستعمالُ تَوسَّعاً على كل نوع من الأسلحة، ولما كان السلاح يُمثَّل القوّة والقدرة، والشدّة، فقد عُبَّرَ عنه بالشوكة. فبناءً على هذا فإنَّ ذات الشوكة تعني الجماعة المُسلَّحة، وغير ذات الشوكة تعني الجماعة غير المُسَلَّحة، ولو إتَّفق أن يوجد فيها رجالٌ مُسلَّحون فهم معدودون لايُكترث بهم. اذن اصبح معنى الآية هكذا: إنَّ فيكم من يرغب في مواجهة العدّوٍ مواجهة غير مُسلَّحة، وذلك بمصادرة أمواله التجارية، وذلك ابتغاء الراحة أو حُباً منه للمنافع المادّية.
في حين مستمعينا الكرام أن الحرب أثبتت بعد تمامها أنّ الصلاح يكمن في تحطيم قوى العدو العسكرية، لتكون الطريق ممهدةً لإنتصاراتٍ كبيرة في المستقبل، ولهذا فإنَّ الآية تُعَقّبُ بالقول "وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ". «الدابر» بمعنى ذيل الشيء وعقبه، فبناءً على هذا يكون معنى "وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ" هو استئصال جذورهم. وفي آخر الآية يُماطُ اللثام عن الأمر بصورةٍ أجلى، إذ تقول الآية الكريمةُ: " لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ".

*******

زين العابدين: بسم الله الرحمن الرحيم، هذه الاية المباركة الاية السابعة من سورة الانفال بخصوص معركة بدر الكبرى وهي اول معركة، اول انتصار "وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ" ذات الشوكة يعني القوة والجند، كان المؤمنون في بدر يودون ان يلتقون بالعير وليس بالنفير، طائفة العير يعني القافلة وطائفة النفير يعني الجيش"وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ" هنا دابر الكافرين تعبير جميل جداً، كناية عن الاستئصال والفناء بحيث لايبقى بعدهم شيء من آثارهم يعني نقطع دابر الشيء يعني نفني هذا الشيء ولايبقى شيء من آثاره وهذا ما حصل للمشركين يوم بدر لما قتل منهم سبعون واسرسبعون يعني هنا كانت المعركة حاسمة رغم قلة عدد المسلمين وعدتهم يعني كانت المعركة غير متكافئة بين الفريقين ومع ذلك انتصر المسلمون وقتلوا سبعين نفراً من المشركين واسروا سبعين نفراً كذلك، كان نصراً حاسماً هذا طبعاً يعني قطع دابر الكافرين، له مصاديق متعددة يعني مثلاً سقوط اي ظالم اي جائر كما نرى اليوم سقوط الطغاة وتعبير عن قطع دابر الكافرين تعبير جميل يعني قطع دابر الطغاة اليوم يتساقطون وكأنهم لم يحكموا خلال عقود من الزمن يعني تبرئ الناس منهم هذا يعني مصداق من مصاديق قطع دابر الكافرين وطبعاً يبقى القطع الاكبر في زمن ظهور الامام عجل الله تعالى فرجه الشريف يعني هناك محق للكفر هذا المحق، سنة المحق تدريجية الى ان ينتهي الكفر "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ"(سورة الأنبياء۱۰٥) او "وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ"(سورة القصص٥) هناك من جزئي وهناك من كلي، القطع الاكبر لدابر الكافرين في الارض حينما يظهر الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ليقيم العدل والقسط في الارض، "يملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً" فهنا في هذه الاية المباركة، الاية السابعة من سورة الانفال او سورة بدر تبين قطع دابر الكافرين يعني قريش بخيلها وخيلائها جاءت كما قال بعض الصحابة "ان هذه قريش بخيلها وخيلائها ماذلت مذ عزت" مع ذلك انتصر المسلمون وكان قطعاً لدابر الكافرين بقتل سبعين نفراً منهم من صناديهم وفقط امير المؤمنين عليه السلام قتل نصف القوم ومنهم صناديد كبار من اكبر الكافرين والجائرين والظالمين، هؤلاء قتلوا في معركة بدر رغم قلة عدد المسلمين. طبعاً ليس هناك تكرار او تأكيد الافضل ان نقول بالمغايرة الا ان لن نستطيع تفسير الاية تفسير المغايرة يعني تعطي معنى اخر نقول بالتأكيد، دائماً وابداً هذه قاعدة في عالم التفسير التأكيد نضعه في الجيب كما يقولون يعني نحن نفسر الاية ليس تأكيداً وانما تعطي معنى اخر لأن الله حكيم في كتابه ولهذا "لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ" هذا ليس تأكيداً لما قبلها "وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ" "وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ" يعني بيان لمدى تفاوت الارادتين، هناك ارادة الهية ربانية تريد اعلاء كلمة الحق واحقاق الحق وهناك ارادة من قبل الصحابة يريدون ان يأخذوا الغنائم، يريدون معركة سهلة، معركة بسيطة، يريدون طائفة غير ذات الشوكة يعني يريدون معركة سهلة بحيث يغنمون فيها الغنائم ولايتعرضون لمحن وشدة وآلام ولهذا القرآن دقيق جداً يقول "وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ" يعني العير او النفير، العير يعني القافلة والنفير يعني الجيش "وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ" يعني انتم تريدون ان تقابلوا وتوجهوا القافلة لسهولتها وسهولة الغنائم فيها "وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ" يعني الطائفة غير ذات القوة والحدة والشوكة والقوة "وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ" الله يريد شيئاً وانتم تريدون شيئاً اخر هذا بخصوص الاولى يعني انتم تريدون غنائم والله يريد احقاق الحق، هنا بيان للاختلاف بين مراد الله ومرادهم اما الاية الثامنة"لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ" بيان لداعي اختيار ذات الشوكة يعني الله عزوجل اراد للمؤمنين ان يقابلوا الجيش، ان يقابلوا النفير ولايقابلوا العير، لماذا؟ لأن في المعارك الصعبة يحق الحق، الحق لايحق بالمعارك السهلة البسيطة يعني لو فرضنا ان المسلمين انتصروا على القافلة لما استحقوا ان ينزل بهم آية واحدة من القرآن الكريم ولكن حينما كانت المعركة صعبة وكان الاختيار الرباني لهم على ذات الشوكة هذا الاختيار الالهي من اجل تأكيد الحق "لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ" الحق لايحق الا في المعارك الصعبة وفي مواجهة الجيش ومواجهة النفير اذن هناك اختلاف في احقاق الحق، الاول"وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ" يعني بيان الفرق بين ارادة الله عزوجل واحقاق الحق وبين ارادة المؤمنين، بعض المؤمنين كانوا في معركة بدر يريدون الغنائم ومواجهة القافلة اما الثاني بيان لداعي اختيار ذات الشوكة من قبل الله عزوجل، الله اختار لهم ذات الشوكة لتكون المعركة قوية والمعركة حاسمة وبالتالي في المعارك الصعبة يحق الحق اما في المعارك السهلة فلايحق الحق ولايتبين مدى قوة وانتصار المؤمنين على اعداءهم. 
هنا نتساءل ما المقصود من قطع دابر الكافرين حيث نجد انَّ الكُفار كانوا ومازالوا يعيشون الى يومنا هذا. اذن متى تتحقق هذه الارادةُ الربانية؟ والسؤال الآخر هو تُرى هل الآية هذه "لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ" تأكيدا لما ورد في الآية السابقة اي "وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ" كما يبدو لأوّل وهلة؟ أم هو موضوع جديد تتضمنه الآية؟ بعبارة اُخرى ما المقصود من الحق الذي ذكر في البداية وما المقصود من الحق الذي دكر بعده في الآية التالية؟ ويبدو ان للمفسرين آراء نتعرف عليها من خلال الاتصال الهاتفي بخبير هذا اللقاء.

القصة


بدأت معركة بدرٍ حين كان أبو سفيان زعيم طواغيت قريش، عائداً بقافلة ٍتجارية مُهمّةٍ مُؤَّلفةً من أربعين شخصاً، وتحوي على ثروة تجارية تُقدر بخمسين ألف دينار من الشام نحو المدينة. فأمر النّبي (صلى الله عليه وآله) أصحابه أن يتعبأُوا ويتهيأُوا لمواجهة هذه القافلة الكبيرة التي تحمل جُلَّ رأس مال العدوّ معها، وبمصادرة أموال القافلة يتّم إسترجاع ما نهبه المشركون من المسلمين، وكذلك توجيه ضربةٍ اقتصاديةٍ نحو العدو وتعقبها ضربةٌ عسكرية قاصمة. لكن أبا سفيان عرف بذلك عن طريق أتباعه وجواسيسه، كما أنّ القافلة حينما كانت مُتَّجهةً نحو الشام للإتيان بمال التجارة تعرضت لتحركات من هذا القبيل. لهذا فإن أبا سفيان أرسل من يمضي إلى مكة بسرعة ليُخبر رؤوساء المشركين بما سيؤول إليه أمر القافلة. فمضى رسولُ أبي سفيان بحالة مثيرة كما أوصاه أبو سفيان، إذ خرم أنف بعيره وبتر أُذنَيه والدماءُ تسيل على وجه البعير لهيجانه، وقد شقَّ ثوبه وركب بعيره على خلاف ما يركب الناس «إذ كان ظهره إلى رقبة البعير ووجههُ إلى عجزه» ليلفت الناس إليه من كل مكان. فلّما دخل مكة أخذ يصرخ قائلاً: أيّها الناس الأعزة، أدركوا قافلتكم، أدركوا قافلتكم وأسرعوا وتعَّجلوا إليها، وإن كنت لا أعتقد أنّكم ستدركونها في الوقت المناسب، فإنّ محمّداً ورجالاً مارقين من دينكم قد خرجوا من المدينة ليتعرضوا لقافلتكم.
ولّما كان أكثر أهل مكة شركاء في هذه القافلة فقد تعبئوا بسرعةٍ وتحَّركوا نحو القافلة بحوالي۹٥۰ مقاتلاً و۷۰۰ بعير و۱۰۰ فرس، وكان أبو جهل يقود هذا الجيش. ومن جهةٍ أُخرى ولكي يسلم أبو سفيان من تعرُّض النّبي وأصحابه لقافلته، فقد غير مسيره واتَّجه نحو مكة بسرعة. وكان النّبي (صلى الله عليه و آله) قد قارب بدراً في نحو من ثلائمائةٍ وثلاثة عشر رجلا كانوا يُمثلون رجال الإسلام آنئذ «وبدٌر منطقةٌ ما بين مكة والمدينة» وقد بلغه خبرُ تهيؤ أبي جهل ومن معه لمواجته. فتشاور النَّبي (صلى الله عليه وآله) مع أصحابه: هل يلحقون القافلة ويصادرون أموالها ام أنَّ عليهم أن يتهّيأوا لمواجهة جيش العدوّ؟ فقالت طائفة من أصحابه: نقاتل عدوَّنا، وكرهت طائفة أُخرى ذلك وقالت: إنَّما خرجنا لمصادرة أموال القافلة.
إزداد التردّد بين الطائفتين، خاصّةً بعد أن عرف أصحاب النّبي أنّ جيش العدوّ ثلاثة أضعافهم ومعدّاته العسكرية أضعاف ما لديهم، إلا أنّ النّبي بالرغم من كل ذلك قبل بالقول الأوّل «أي قتال العدوّ» فلما التقى الجيشان لم يصدّق العدو أنّ المسلمين قد وردوا الميدان بهذه القلّة، بل ظنّ العدوّ أنّهم مختبئون وأنّهم سيحدقون به عند المواجهة، لذلك فقد أرسل شخصاً ليرصد الأمور فرجع وأخبرهم بأنّ المسلمين ليسوا أكثر ممّا رأوهم.
أمر النّبي أن ينزل أصحابه إلى بئر بدر وفي هذه الأثناء استطاع أبو سفيان أن يفرّ بقافلته من الخطر المحدق به، واتّجه نحو مكّة عن طريق ساحل البحر الأحمر غير المطروق، وأرسل رسولا إلى قريش، يقول لهم: لقد نجت قافلتكم، ولا أظنّ أنّ مواجهة محمّدٍ في هذا الظرف مناسبة، لأنّ له أعداءً يكفونكم أمره، إلا أن أبا جهل لم يرض باقتراح أبي سفيان وأقسم باللات والعزّى أنّه سيواجه محمّداً، بل سيدخل المدينة لتعقيب أصحابه أو سيأسرهم جميعاً ويمضي بهم لمكّة، حتى يبلغ خبر هذا الإنتصار آذان العرب، ولكن كانت لله أرادةٌ أخرى نصرت عباده المؤمنين.

من هدى الائمة _عليه السلام_


جاء في بعض الاحاديث أنَّ النَّبي (صلى الله عليه وآله) قال للمسلمين: «إحدى الطائفتين لكم، إما العير وإما النفير». وكلمة العير تعني القافلة، والنفير تعني الجيش. وفي تفسير البرهان، عن ابن شهرآشوب قال: دعا النبي (صلى الله عليه وآله) في هذه المعركة:"اللهم ان تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد بعد هذا اليوم" فنزل "إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ" فخرج يقول (صلى الله عليه وآله): سيُهزم الجمع ويولَّون الدُّبر، فأيَّده الله بخمسة آلاف من الملائكة مُسوَّمين، وكثرهم في أعين المشركين، وقلَّل المشركين في أعينهم.

دروس وعبر

كان للنَّبي وأصحابه الحقُّ في مثل هذه الحملة أو الهجوم اي معركة بدر، لأنَّه أولا عندما هاجر المسلمون من مكة نحو المدينة استولى أهل مكة على كثير من أموالهم ونزلت بهم خسارة كبيرة. فكان لهم الحق أن يجبروا مثل هذه الخسارة. ومضافاً الى ذلك برهن أهل مكة طيلة الثلاثة عشر عاماً التي أقام النّبي وأصحابه بمكة خلالها أنّهم لايألون جُهداً في إيذاء النّبي وأصحابه، بل أرادوا به الوقيعة والمكيدة، فإن عدوّاً كهذا لن يسكت عن النّبي ودعوته بمجرد هجرته إلى المدينة، ومن المسلم به أنّه سيُعبيء قواه في المستقبل لمواجهة النّبي والإيقاع به وهذه المبادرة كانت ولا تزال في جميع الخطط العسكرية قديمها وحديثها.
كانت واقعة بدر درساً كبيراً للمسلمين للإفادة منه في الحوادث الآتية، ويؤكد لهم أن يتدَّبروا عواقب الأمور، ولايكونوا سطحيين يأخذون بالمصالح الآنية، وبالرغم من أنّ بُعد النَّظر يقترن بالمصاعب عادةً وقصر النظر على العكس من ذلك يقترن بالمنافع المادية والراحة المؤقتة، إلا أنّ النصر في الحالة الأولى يكون شاملا ومتجذراً، أما في الحالة الثانية فهو انتصار سطحي مؤقت.
لم يكن هذا درساً لمسلمي ذلك اليوم فحسب، بل ينبغي لمسلمي اليوم أن يستلهموا من ذلك التعليم السماوي، فعليهم ألا يغضُّوا أبصارهم عن المبادئ الأساسية بسبب المشاكل والأتعاب ويستبدلوها بمناهج غير أساسية قليلة الأتعاب. واخيراً وليس آخراً فإنَّ ارادة الله فوق الجميع وقد وعد عزَّوجل أن يغلب الحق الباطل ولوكره المجرمون.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة