البث المباشر

قصة نشأة موسى في بيت فرعون وقتله للقبطي

السبت 16 مارس 2019 - 18:51 بتوقيت طهران

الحلقة 22

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا
والصلاة والسلام علي رسوله وحبيبه محمد وآله الطيبين الطاهرين.
يسعدنا ان نلتقي بكم في هذا الملتقي القرآني الذي نمضي عبره دقائق لنستنير بهدي القصص القرآنية؛ وفي هذا اللقاء سنتعرف علي جانب من حكاية نبي الله موسى (عليه السلام) وهو نشأته في بيت فرعون والتي تحدثت عنها الآيات ۱٤ حتي ۱۷ من سورة القصص. 
بعد مقدمه عن الحكاية ننصت معاًَ الي تلاوة هذه الآيات المباركه، ثم نقف عند معاني المفردات والعبارات القرآنية التي وردت في الحكاية القرآنية، نستمع الي الحوار الذي اجراه الزميل السيد مصطفى رجاء بشأن بعض الاسئلة المثارة حول هذه القصة، لننتقل بعد ذلك الي محطة الحكاية ونستمع تفاصيلها. 
ونستمر في تقديم البرنامج بفقرة من هدي الائمة (عليه السلام) ورواية عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في تفسير الآيات ثم ننهى البرنامج بالدروس العملية المستفادة منها.

*******

في هذه الآيات نواجه المرحلة الثالثة من قصّة موسى (عليه السلام) وما جرى له مع فرعون، وفيها مسائل تتعلق ببلوغه، وبعض الأحداث التي شاهدها وهو في مصر قبل أن يتوجه إلى «مَدْيَنَ» ثمّ سبب هجرته إلى مَدْيَنَ.
تقول الآية في البداية «وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ». 
كلمة «أَشُدَّ» مشتقّة من مادة «الشدّة» وهي القوّة. 
وكلمة «اسْتَوَى» مشتقة من «الاستواء» ومعناها كمال الخلقة واعتدالها.
والمقصود من بلوغ الأشد هو أن يصل الإنسان الكمال من حيث القوى الجسمانية، وغالباً ما يكون في السنة الثامنة عشرة من العمر.. أمّا الإستواء فهو الاستقرار والاعتدال في أمر الحياة، وغالباً ما يحصل ذلك بعد الكمال الجسماني.
والفرق بين «الحكم» و«العلم» هو أنّ الحكم يراد منه العقل والفهم والقدرة على القضاء الصحيح، والعلم يراد به العرفان الذي لا يصحبه الجهل.
أمّا التعبير «كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ» فيدل بصورة جليّة على أن موسى (عليه السلام) كان جديراً بهذه المنزلة، نظراً لتقواه وطهارته وأعماله الصالحة، إذ جازاه الله سبحانه «بالعلم والحكم» وواضح أنّ المراد بالحكم والعلم هنا ليس النبوّة والوحي وما إليهما.. لأنّ موسى (عليه السلام) يومئذ لم يبعث بعد، وبقي مدّة بعد ذلك حتى بعث نبيّاً.
بل المقصود والمراد من الحكم والعلم هما المعرفة والنظرة الثاقبة والقدرة على القضاء الصحيح وما شابه ذلك، وقد منح الله سبحانه هذه الأُمور لموسى (عليه السلام) لطهارته وصدقه وأعماله الصالحة كما ذكرنا آنفاً.
وعلى كل حال فإن موسى «دَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا». 
الاحتمال القوي أنّها عاصمة مصر وكما يقول بعض المفسّرين فإنّ موسى (عليه السلام) على أثر المشاجرات بينه وبين فرعون، ومخالفاته له ولسلطته التي كانت تشتدّ يوماً بعد يوم حتى بلغت أوجها، حُكم عليه بالنفي، او الابعاد عن العاصمة.. لكنّه برغم ذلك فقد سنحت له فرصة خاصّة، والناس غافلون عنه أن يعود إلى المدينة ويدخلها.
ويحتمل أيضاً، أنّ المقصود دخوله المدينة من جهة قصر فرعون.. لأنّ القصور يومئذ كانت تشاد على أطراف المدينة ليعرف الداخل إليها والخارج منها.
والمقصود من جملة «عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا» هو الزمن الذي يستريح الناس فيه من أعمالهم، ولا تـُراقب المدينة في ذلك الحين بدقـّة، ولكن أي حين وأي زمن هو؟!
وهناك حديث شريف عن النّبي (صلى الله عليه وآله) في هذا الشأن يقول: «تنفـّلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين». 
وقد ورد في ذيل هذا الحديث الشريف هذه العبارة: «وساعة الغفلة ما بين المغرب والعشاء». 
وعلى كل حال، موسى دخل المدينة، وهنالك واجه مشادّة ونزاعاً، فاقترب من منطقة النزاع «فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ». 
والتعبير بـ «شيعته» يدل على أن موسى قبل أن يبعث كان له أتباع وأنصار وشيعة من بَنِي إِسْرَائِيلَ، وربّما كان قد اختارهم لمواجهة فرعون وحكومته كنواة اساسية.
فلمّا بصر الإسرائيلي بموسى استصرخه «فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ». 
فجاءه موسى (عليه السلام) لاستنصاره وتخليصه من عدوّه الظالم، الذي يقال عنه أنّه كان طباخاً في قصر فرعون، وكان يريد من الإسرائيلي أن يحمل معه الحطب إلى القصر، فضرب موسى هذا العدو بقبضة يده القوية على صدره، فهوى إلى الأرض ميتاً في الحال تقول الآية: «فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ».
«وكز» مآخوذ من «الوكز» على زنة «رمز» ومعناه الضرب بقبضة اليد، وهناك معان اُخرى لا تناسب المقام.
وممّا لا شك فيه، فإنّ موسى لم يقصد أن يقتل الفرعوني، ويتـّضح ذلك من خلال الآيات التالية أيضاً ولا يعني ذلك أن الفراعنة لم يكونوا يستحقون القتل، ولكن لاحتمال وقوع المشاكل والتبعات المستقبلية على موسى وجماعته.
لذلك فإنّ موسى (عليه السلام) أسف على هذا الأمر «قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ».
وبتعيبر آخر: فإنّ موسى (عليه السلام) كان يريد أن يبعد الفرعوني عن الرجل الإسرائيلي، وإن كان الفرعونيون يستحقون أكثر من ذلك، لكن ظروف ذلك الوقت لم تكن تساعد على مثل هذا العمل، وكما سنرى فإن ذلك الأمر دعا موسى (عليه السلام) إلى أن يخرج من مصر إلى أرض مدين وحرمه من البقاء في مصر.
ثمّ يتحدث القرآن عن موسى (عليه السلام) فيقول: «قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ». 
وسنتعرف على حقيقة الظلم الذي تتحدث عنها الاية، والمراد من الغفران في اللقاء الذي اجري مع خبير هذا البرنامج. 
اذن فانّ موسى (عليه السلام) حين نجا بلطف الله من هذا المأزق «قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ» والمقصود أَنْعَمْتَ عَلَيَّ من عفوك وانقاذي من يد الاعداء وجميع ما أنعمت علي منذ بداية حياتي لحدّ الآن «فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ» بمعنى: لن اكون معيناً للظالمين بل سأنصر المؤمنين المظلومين، ويريد موسى (عليه السلام) أن يقول: (إنّه لا يكون بعد هذا مع فرعون وجماعته أبداً.. بل سيكون إلى جانب الإسرائيليين المضطهدين..).

*******

اسئلة الخبير

اذ نقف بازاء حكاية نبي الله موسى التي جاءت في سورة القصص وهي تتناول المقطع الذي يحكي نشأة موسى في بيت فرعون وقضية قتله (عليه السلام) للقبطي وحان موعدنا الآن لننقل الميكروفون الى الزميل السيد عبد السلام زين العابدين واللقاء القرآني التالي:
المحاور: نستضيف في هذه المحطة من برنامج القصص الحق فضيلة السيد عبد السلام زين العابدين خبير البرنامج واستاذ العلوم القرآنية من مدينة قم المقدسة، فضيلة السيد في تتمة هذه القصة، قصة النبي موسى (عليه السلام) تقول الاية: «فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ» ومن ثم يقول في تتمة الاية «قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» ألم يكن عمل موسى هذا مخالفاً للعصمة اي لعصمة الانبياء؟
السيد عبد السلام زين العابدين:بسم الله الرحمن الرحيم قطعاً هذا لم يكن مخالفاً لأن موسى (عليه السلام) لم يكن يعلم بأن هذا سيؤدي الى القتل ولهذا هو حينما وكزه لم يرد قتله وان كان هذا يستحق القتل يعني كان هذا القبطي كان يستحق القتل لأن الصراع لم يكن مع ذلك الاسرائيلي، كان الصراع على شيء مثلاً قضايا خاصة وانما كان هذا رجل امن يبدو استخبارات يعني فكان يضيق على بَنِي إِسْرَائِيلَ بأعتبارهم كانوا يعيشون الاستضعاف تحت ظل الطاغية فرعون ولهذا كان يستحق القتل ولكن موسى (عليه السلام) قال «إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي»، ظَلَمْتُ نَفْسِي يعني اوقعت نفسي كما يقول العلامة الطباطبائي بهذا المعنى وكل المفسرين تقريباً يقول يعني اوقعت نفسي بما لا ينبغي ان تقع فيه بحيث عملية تدرج لم يكن يريد ان تصل الى مرحلة القتل وان موسى (عليه السلام) سيتضح امره يعني كان يعيش التقية في عصر فرعون، كان موسى (عليه السلام) لا يزال يعيش في قصر فرعون يعني بين حاشية فرعون، لم يكن الطاغية يعرف دين موسى او ما هو الذي عليه موسى ولكن حينما صارت قضية القتل كأنه تحولت المرحلة من المرحلة السرية ومن مرحلة التقية الى مرحلة المواجهة العلنية وهذا لم يكن يريده موسى (عليه السلام) هنا قال ظَلَمْتُ نَفْسِي يعني اوردتها مورد المشقة كما يقول العلامة الطباطبائي، نص الطباطبائي رائع «رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي» يقول:«اعتراف منه عند ربه ظلمه نفسه حيث اوردها مورد الخطر والقاها في التهلكة» ولهذا في قوله: «هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ» طبعاً هذا من عمل الشيطان يشير الى القتل يعني هذا القتل بعضهم قال هذا النزاع بين القبطي والاسرائيلي هذا النزاع من عمل الشيطان، بعضهم يقول وهو اقرب الى السياق هذا القتل من عمل الشيطان، اقرأ نص العلامة الطباطبائي في هذا المقطع «هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ» يقول تنبه موسى (عليه السلام) انه اخطأ فيما فعله من الوكز الذي اورده مورد التهلكة وفعله ذاك وان لم يكن معصية لوقوعه خطأً وكون دفاعه عن الاسرائيلي دفعاً لكافر ظالم لكن الشيطان كما يوقع وسوسته الانسان في الظلم والمعصية كذلك يوقعه في اي مخالفة للصواب يقع فيها في الكلفة والمشقة كما اوقع آدم وزوجه يعني الشيطان اوقع آدم وزوجه في المشقة لأنه الشجرة حينما اكلا منها طبعاً آدم (عليه السلام) يعني نزل الى الارض، نزل نبياً لكنه مشقة بينما كان مرتاحاً في الجنة يعني كتشبيه اذن عملية هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ يعني هذا القتل لم يكن مقصوداً واوقعني في محنة وفي شدة فعلي ان اغادر مصر لأن انكشفت اموري فلم اريد ان تكون هذه المرحلة بهذا الشكل ولهذا تصاعدت الاحداث بعد ذلك لأن موسى عرف بأنه هو القاتل فلم يعد له مكاناً في مصر وكان هذا بخطته بحسب ما كان يرسم للمراحل ينبغي ان لا تنطوي المراحل بهذه الصورة لكن الله اراد شيئاً وموسى اراد شيئاً لهذا كانت ارادة الله عزوجل ان ذهب موسى الى مدين والتقى ببنت شعيب وتزوج هناك ثم رجع«ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى، وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي» يعني موسى (عليه السلام) كان بعين الله «لِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي» يعني يقول احدهم انت عيني يعني برعايتي بتسديدي يعني بمراقبتي ولهذا موسى (عليه السلام) كان يخطط شيئاً والله عزوجل كان يريد شيئاً آخر.
المحاور: نعم فضيلة السيد طيب ما المقصود من طلب موسى (عليه السلام) الغفران من الله تبارك وتعالى ان لم يكن عمله مخالفاً لله؟
السيد عبد السلام زين العابدين: احسنتم بارك الله فيك، الغفران والاستغفار ليس فقط من الذنب، لكل انسان بحسبه يعني هناك استغفار الانبياء من توهم التقصير واستغفار الاولياء من ترك بعض الامور المستحبة مثلاً، استغفار العامة من الذنب يعني حتى الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) كان يستغفر ويأمره القرآن بالاستغفار فهذا الاستغفار ليس كل مغفرة من الذنب بحسب الانسان، انظر الان الانسان المؤمن المتقي حينما يقول اسْتَغْفِرِ اللَّهِ يمكن ضيع وقته يعني استغفار الخاصة من ضياع الوقت عندنا في الروايات بينما انسان غير مؤمن حينما يقول اسْتَغْفِرِ اللَّهِ يمكن زاني، يمكن سارق، يمكن اخذ الربا لكن اذا انسان مرجع كبير متقي حينما يقول يومياً اسْتَغْفِرِ اللَّهِ هل معنى ذلك مثلاً اسْتَغْفِرِ اللَّهِ من الزنا او من ... لا اسْتَغْفِرِ اللَّهِ ربما من ضياع الوقت او بعضهم مؤمن عادي يقول اسْتَغْفِرِ اللَّهِ يمكن من نظرة محرمة يعني رأى نظرة محرمة ربما اجنبية رمقها بشهوة فيقولاسْتَغْفِرِ اللَّهِ اذن كلمة اسْتَغْفِرِ اللَّهِ امر بها حتى الانبياء، انظر يعني نوح (عليه السلام) آخر عمره وبعد تسعمئة وخمسين سنة«فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا" آخر عمره يقول: «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا» ما معنى رَبِّ اغْفِرْ لِي؟ يعني هنا توهم التقصير او ربما كما يعبر عنه بترك الاولى يعني ربما كان موسى يخطط انه من الاولى ان لا يقتل هذا الانسان حتى لا تصل المرحلة الى مرحلة المواجهة وهو يرى بحسب خطته وبحسب نظرته ان المواجهة لن تتم بعده. 

*******

قصة ولادة النبي موسي (عليه السلام)

أتمت أم موسى رضاعته وأسلمته لبيت فرعون. كان موضع حب الجميع. كان لا يراه أحد إلا أحبه. وها هو ذا في أعظم قصور الدنيا يتربى بحفظ الله تعالى وعنايته. بدأت تربية موسى في بيت فرعون. وكان هذا البيت يضم أعظم المربين والمدرسين في ذلك الوقت. كانت مصر أيامها أعظم دولة في الأرض. وكان فرعون أقوى ملك في الأرض، ومن الطبيعي أن يضم قصره أعظم المدربين والمثقفين والمربين في الأرض. وهكذا شاءت حكمة الله تعالى أن يتربى موسى أعظم تربية وأن يتعهده أعظم المدرسين، وأن يتم هذا كله في بيت عدوه الذي سيصطدم به فيما بعد تنفيذاً لمشيئة الخالق. وكبر موسى في بيت فرعون. كان موسى يعلم أنه ليس ابناً لفرعون، إنما هو واحد من بَنِي إِسْرَائِيلَ. وكان يرى كيف يضطهد رجال فرعون وأتباعه بَنِي إِسْرَائِيلَ.. وكبر موسى وبلغ أشده..«وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا» وراح يتمشى فيها.
اجل عندما كان النبي موسى (عليه السلام) يمشي في المدينة وجد رجلاً من اتباع فرعون وهو يقتتل مع رجل من بَنِي إِسْرَائِيلَ، واستغاث به الرجل الضعيف فتدخل موسى وأزاح بيده الرجل الظالم فقتله.
كان موسى قوياً جداً، ولم يكن يقصد قتل الظالم، إنما أراد إزاحته فقط، لكن ضربته هذه قتلته. ففوجئ موسى به وقد مات وقال لنفسه: «هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ». 
ودعا موسى ربه: «قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي». 
وغفر الله تعالى له: «إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ».
هكذا أصبح النبي موسى «فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ». كان هذا حال موسى، حال إنسان مطارد، فهو خائف، يتوقع الشر في كل خطوة، وهو مترقب، يلتفت لأهوى الحركات وأخفاها. 

*******

من هدي الائمة (عليه السلام)

نقرأ في حديث عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في تفسير الآيات المتقدمة: «قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ» يعنى الاقتتال الذي وقع بين الرجل لا ما فعله موسى (عليه السلام) من قتله «إِنَّهُ» يعنى الشيطان «عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ» ـ وأمّا المراد من جملة ـ «رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي» يعنى ان موسى يريد أن يقول وضعت نفسي غير موضعها بدخول هذه المدينة «فَاغْفِرْ لِي» أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني. 

*******

دروس وعبر

فيما يلي اهم الدروس المستفادة من الآيات المتقدمة: 
۱- ان البلوغ الجسمي والعقلي هما الشرطان الاساسيان في تحمل المسؤوليات وهذا ما يشير اليه قوله تعالي: «وَلَمَّا بَلَغَ».
۲- يشير قوله تعالى: «وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ» الي ان جزاء الاعمال لا ينحصر فقط في الآخرة حيث جزى الله موسى (عليه السلام) بإيتائه الحكم والعلم لقاء احسانه.
۳- تشير عبارة: مِن شيعته: ان موسي (عليه السلام) كان له اتباع حتي قبل ان يبعث نبياً وقد كان يعد حامياً وداعماً للمظلومين رغم انه ترعرع في قصر فرعون. 
٤- من شكر النعم الالهية لمن يحظى بالقدرات الجسمية هو ان لا يكون معاوناً للظالمين كما يشير الى هذا المعني قوله: «بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ».

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة