البث المباشر

قصة اصحاب الرَّسِّ

السبت 16 مارس 2019 - 17:05 بتوقيت طهران

الحلقة 10

 

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا، فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا، وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا، وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا، وَكُلا ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا، وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي رسوله وحبيبه محمد وآله الطيبين الطاهرين.
اهلاً بكم الي برنامج "القصص الحق" وفي هذا اللقاء سنتعرف علي حكاية "أَصْحَابَ الرَّسِّ" الذين ذكر اسمهم في الآية ۳۸ من سورة الفرقان.
بعد مقدمة عن الحكاية ننصت معاً الي تلاوة الآيات المتحدثة عن هذه القصة، ثم نقف عند معاني المفردات والعبارات القرانية التي وردت فيها.
نستمع الي الحوار الذي اجري مع خبير هذا اللقاء سماحة السيد عبد السلام زين العابدين استاذ العلوم القرانية، ننتقل بعد ذلك الي حكاية "أَصْحَابَ الرَّسِّ".
ونستمر في تقديم البرنامج بفقرة من هدي الائمة (عليهم السلام) ورواية عن الامام الرضا (عليه السلام) عن جده علي (عليه السلام)، لننهي البرنامج بالدروس المستفادة من قصة "أَصْحَابَ الرَّسِّ".

*******

يشير القرآن المجيد في هذه الآيات إلى تاريخ الأُمم الماضية ومصيرهم المشؤوم مؤكّداً ستّ أمم بخاصّة (الفراعنة، وَقَوْمَ نُوحٍ، وقوم عاد، وثَمُودَ، وأَصْحَابَ الرَّسِّ، وقَوْمِ لُوطٍ) وذلك لمواساة النّبي (صلى الله عليه وآله) من جهة، ولتهديد المشركين المعاندين، من جهة أُخرى ويجسد دروس العبرة من مصير هذه الأقوام بشكل مختصر وبليغ تماماً.
لنفتح ابواب مسامع النفوس لترسو عنه الآيات المباركة من سورة "الفرقان".

*******

من هدي الآيات

يقول الله سبحانه وتعالي أوّلا: «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا» فقد القيت على عاتقيهما المسؤولية الثقيلة في جهاد الفراعنة، ويجب عليهما مواصلة هذا العمل الثوري بمساعدة أحدهما الآخر حتى يثمر 
«فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا» فإنّهم قد كذبوا دلائل الله وآياته التي في الآفاق وفي الأنفس وفي كل عالم الوجود، وأصروا على طريق الشرك وعبادة الأصنام من جهة ومن جهة أخرى أعرضوا عن تعاليم الانبياء السابقين وكذبوهم.
ولكن بالرغم من جميع الجهود والمساعي التي بذلها موسى وهارون (عليهما السلام)، وبالرغم من رؤية تلك المعجزات العظيمة والبينات المتنوعة، أصروا أيضاً على طريق الكفر والإِنكار، لذا «فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا» كلمة «تدمير» من مادة «دمار» بمعنى الإهلاك بأُسلوب يثير العجب، حيث كان هلاك قَوْمِ فِرْعَوْنَ في أمواج النيل المتلاطمة بتلك الكيفية المعروفة من عجائب التاريخ حقاً«وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا».
الملفت للإنتباه أنّه تعالى يقول: إنّ أُولئك كَذَّبُوا الرُّسُلَ (لا رسولاً واحداً فقط) ذلك أنه لا فرق بين أنبياء الله ورسله في أصل الدعوة، ويُعَدّ تكذيباً واحد منهم تكذيب لجميعهم، فضلاً عن أنّهم كانوا مخالفين لدعوة جميع أنبياء الله ومنكرين لجميع الأديان.
«وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا».
قوله: «وَعَادًا» الي آخر الاية معطوف على «قَوْمَ نُوحٍ» والمعنى: ودَمَّرْنَا أو وأهلكنا «عَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ» و«قوم ثَمُودَ» قوم نبي الله «صالح» الذي بعث في منطقة وادي القرى (بين المدينة والشام)، أمّا "أَصْحَابَ الرَّسِّ" فالرَّسِّ هي البئر التى لم تطو، ذكروا أنهم كانوا قوماً بعد ثَمُودَ نازلين على بئر أرسل الله إليهم رسولاً فكذبو فأهلكهم الله، وقيل هو اسم نهر كانوا على شاطئه.
«قرون» جمع «قرن» وهي في الأصل بمعنى الجماعة الذين يعيشون معاً في زمان واحد، ثمّ أطلقت على الزمان الطويل (أربعين أو مائة سنة) (وكلاّ ضربنا له الأمثال) إن ضرب الامثال بمعنى التذكير والموعظة والانذار، اي اننا بينّا لهم الأحكام الإِلهية وحقائق الدين. أنذرناهم، كررنا عليهم مصائر وقصص الماضين، لكن حين لم ينفع أيُّ من ذلك اهلكناهم ودَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا: «وَكُلا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا» والتتبير بمعني التفتيت.
يشير القرآن المجيد إلى خرائب مدن قَوْمِ لُوطٍ التي تقع على بداية طريق الحجازيين إلى الشام، وإلى الأثر الحي الناطق عن المصير الأليم لأولئك الملوثين والمشركين، فيقول تعالى: «وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا».
نعم، لقد كانوا يرون مشهد الخرائب هذه، لكنّهم لم يأخذوا منها العبرة، ذلك لأنّهم «بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا».
إنّهم يعدون الموت نهاية هذه الحياة، وإذا كان لهم اعتقاد بحياة ما بعد الموت فهو اعتقاد ضعيف وبلا أساس، لا يطبع أثراً في ارواحهم ولا ينعكس في مناهج حياتهم.

*******

اسئلة الخبير

حان موعدنا لننتقل الى الزميل السيد مصطفى رجاء، واللقاء الذي اجراه مع فضيلة السيد فهد الغاروف استاذ في التكفير والعلوم القرآنية من سوريا:
المحاورة: الاستاذ فهد من هم أَصْحَابَ الرَّسِّ وما سبب اختلاف الاقوال فيهم؟
السيد فهد الغاروف: الحقيقة اختلف في أَصْحَابَ الرَّسِّ، قيل انهم اهل قرية كانت في اليمامة، بالنسبة الى اليمامة مدينة عظمى كانت في شرق الحجاز ويقال لها الرس ويقال انهم هم بقية عَادٌ وَثَمُودُ وقيل ايضاً انهم وأَصْحَابُ الأَيْكَةِ قومان وارسل اليهما شعيب وان لم يذكر بأن سيدنا شعيب ارسل اليهم والرس في اللغة الاثر القليل الموجود في الشيء يعني تقولين سمعت رساً من خبر اي قليلاً منه وانت تعلمين ان أَصْحَابَ الرَّسِّ ذكروا في القرآن مرتين آية هنا وفي سورة قاف «كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ» في سورة قاف. 
الخلاف الذي وقع في أَصْحَابَ الرَّسِّ وقع في الرس نفسه، ما هو وأين هو؟ وهل هو مكان كما في قوله «كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ» ام هو اسم حتى اختلف فيه انه حيوان كما سموا اصحاب الفيل «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ» او قد يكون سمة او صفة لقوم غلب فيهم كما في قوله سبحانه وتعالى «وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ» على كل حال ليس في التعرف على أَصْحَابَ الرَّسِّ والكشف عن موطنهم وزمنهم ورسلهم ما يزيد في اثر وحجم العبرة والعظم من مالكهم، جماعة من الجماعات التي انشغلت عن الحق وتأبت عن الهدى ووقفت عن آيات الله ورسل الله موقف اللجاج والعناد، وسبب الاختلاف فيهم الذين اختلفوا نظروا الى الشيء من حيث اللغة وقالوا في اللغة الرس الاثر القليل الموجود في الشيء ثم بعد ذلك الذين اختلفوا فيهم هم اهل جغرافيا، أين هم يعني؟ أين مكانهم؟ او بما انهم ذكروا مع عَادٌ وَثَمُودُ، مرة قدموا على ثمود ومرة اخروا على ثمود فهل هم وثمود قوماً واحداً وارسل اليهم شعيب ام المنطقة كانوا بعيدين عن ذلك ام هم كانوا في شرق الحجاز. 
المحاورة: طيب الاستاذ فهد ما فائدة تذكير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهؤلاء الاقوام في اكثر من مرة في القرآن الكريم؟ 
السيد فهد الغاروف: انت تعرفين ان الناس يتداولون الانباء ويرون الاخبار ويتناقلون الاخبار على تعدد الاشخاص واختلاف الالسنة ثم لا يكون شيئاً من ذلك التعدد وهذا الاختلاف حائلاً بينهم وبين ان يفيدوا منها وينتفعوا بها ويخلصوا الى مضامينها، القصص القرآني سماوي المطلع لكنه بشري الصورة، انساني المنازع والعواطف يتحدث عن الناس الى الناس والناس لابد لها من التذكير مرة بعد مرة يعني يتحدث من الناس الى الناس يأخذ من الحياة الى الحياة، يقرأه الناس ويسمعونه فكأنما يقرأون اطواء نفوسهم ويسمعون ضمائرهم فيقعوا منها مواقع مختلفة بين ديان وغير ديان وشفال وفعال وهذه كل الامور القرآن اكثر من ذكرها للعبرة مرة واكثر مرة خلف مرة خلف مرة، والله اعلم يعني شأن القرآن في القصص القرآني او شأن التكرار في القصص القرآني هو من اجل توطين العزم في نفوس الانبياء او في نفوس متبعي الانبياء كما يخاطب الجند بلسان القائد، هذا يعني عملية تخليص، عملية غربلة وتصفية لتلك الامم، غاية القصص القرآني ان تنقي، تنقية الحدث من الشوائب وتخليصه من الغثاء والزبد ليصفو المورد ويسوغ المذاق للواردين فكلما ذكر أَصْحَابَ الرَّسِّ او ذكرت ثمود او ذكرت عاد او ذكر هؤلاء القوم الانسان عندما يقرأ هذه القصص يعني يبتعد عن الامور التي ادت الى هلاك هؤلاء الناس ثم بعد ذلك يقتنع بما امر الله سبحانه وتعالى وان الله سبحانه وتعالى رفع عن هذه الامة بفضل النبي عذاب الاستئصال كما فعل في الامم الماضية فقال عزوجل: «فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ».
لم تكن القصص تاريخاً للحياة كلها واحداثها انما هو عرض لبعض المواقف من شأنها ان تحدث في النفس اثراً بعد اثر وتقيم في الضمير الوازع وتفتح على العقل والقلب مواقع ماثلة للعبرة والعظة، القصص القرآني لا يمسك بالاحداث في الحياة كلها وانما يمسك بالاحداث و الوقائع ما يجده مجلياً عن عبرة وكاشفاً عن الغفلة فتنتفع بها الدعوة الاسلامية في مقام الدعوة الى الله والتعرف عليه.

*******

قصة "أَصْحَابَ الرَّسِّ"

كانت لأَصْحَابَ الرَّسِّ اثنتا عشرة قرية على شاطيء نهر يقال له الرَّسِّ من بلاد المشرق، وبها العين الصنوبرة وقد غرسوا في كل قرية منها حبة من طلع تلك الصنوبرة وأجروا إليها نهراً من العين التي عند الصنوبرة، فنبتت الحبة وصارت شجرة عظيمة وحرموا ماء العين والأنهار، فلا يشربون منها ولا يسقون منها أنعامهم، ومن فعل ذلك قتلوه، ويقولون هي حياة آلهتنا فلا ينبغي لأحد أن ينقص من حياتنا ويشربون هم وأنعامهم من نهر الرَّسِّ الذي عليه قراهم، وقد جعلوا في كل شهر من السنة في كل قرية عيداً يجتمع إليه أهلها فيضربون على الشجرة التي بها كلة من حرير فيها من أنواع الصور ثم يأتون بشاة وبقر فيذبحونها قرباناً للشجرة، ويشعلون فيها النيران بالحطب، فإذا سطع دخان تلك الذبائح في الهواء وحال بينهم وبين النظر إلى السماء خَرُّوا سُجَّدًايبكون ويتضرعون إليها أن ترضى عنهم، فكان الشيطان يجيء فيحرك أغصانها ويصيح من ساقها صياح الصبي ويقول لهم لقد رضيت عنكم عبادي فطيبوا نفساً وقروا عيناً.
فكان القوم يرفعون رؤوسهم عند ذلك ويشربون الخمر ويضربون بالمعازف فيكونون على ذلك يومهم وليلتهم ثم ينصرفون حتى إذا كان عيد قريتهم العظمى إجتمع إليها صغيرهم وكبيرهم فضربوا عند الصنوبرة والعين سرادقاً من ديباج عليه من أنواع الصور وجعلوا له اثني عشر باباً كل باب لأهل قرية منهم ويسجدون للصنوبرة خارجاً من السرادق ويقربون لها الذبائح أضعاف ما قربوا للشجرة التي في قراهم.
فيجيء إبليس عند ذلك فيحرك الصنوبرة تحريكاً شديداً ويتكلم من جوفها كلاماً جهورياً ويعدهم ويمنيهم بأكثر مما وعدتهم ومنتهم الشياطين كلها فيحركون رؤوسهم من السجود وبهم من الفرح والنشاط ما لا يغيقون ولا يتكلمون من الشرب والعزف فيكونون على ذلك اثني عشر يوماً بلياليها بعدد أعيادهم سائر السنة ثم ينصرفون. فلما طال كفرهم بالله عز وجل وعبادتهم غيره، بعث الله نبياً من بني إسرائيل من ولد يهودا بن يعقوب، فلبث فيهم زماناً طويلا يدعوهم إلى عبادة الله عز وجل ومعرفة ربوبيته، فلا يتبعونه.
فلما رأى شدة تماديهم في الغي وحضر عيد قريتهم العظمى، قال: يا رب ان عبادك أبوا إلا تكذيبي وغدوا يعبدون شجرة لا تضر ولا تنفع، فأيبس شجرهم اجمع وأرهم قدرتك وسلطانك.
فاجمع القوم علي قتله، فاتخذوا أنابيب طوالا ونزحوا ما فيها من الماء، ثم حفروا في قرارها بئراً ضيقة المدخل عميقة وأرسلوا فيها نبيهم، وألقموا فاها صخرة عظيمة، ثم أخرجوا الأنابيب من الماء وقالوا: نرجوا الآن أن ترضى عنا آلهتنا إذا رأت إنا قد قتلنا من يقع فيها ويصد عن عبادتها ودفناه تحت كبيرها يتشفى منه فيعود لنا نورها ونضرتها كما كان. 
فبقوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم عليه السلام وهو يقول: سيدي قد ترى ضيق مكاني وشدة كربي، فارحم ضعف ركني، وقلة حيلتي، وعجل بقبض روحي ولا تؤخر إجابة دعوتي، حتى مات.
فقال الله جل جلاله لجبرئيل عليه السلام: أيظن عبادي هؤلاء الذين غرهم حلمي وأمنوا مكري وعبدوا غيري وقتلوا رسولي أن يقوموا لغضبي أو يخرجوا من سلطاني كيف وأنا المنتقم ممن عصاني ولم يخش عقابي، وإني حلفت بعزتي لأجعلنهم نكالاً وعبرة للعالمين.
فلم يرعهم وهم في عيدهم ذلك إلا بريح عاصف شديد الحمرة، فتحيروا فيها وذعروا منها وتضام بعضهم إلى بعض، ثم صارت الأرض من تحتهم حجر كبريت يتوقد وأظلتهم سحابة سوداء، فألقت عليهم كالقبة جمراً يلتهب، فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص بالنار. 

*******

من هدي الائمة (عليهم السلام)

ورد عن أبي الصلت الهروي عن الامام الرضا عن أمير المؤمنين (عليهما السلام) حديث طويل يذكر فيه قصة أَصْحَابَ الرَّسِّ، وكيف انهم كفروا وعبدوا سوي الله (عزوجل) قال (عليه السلام): ولما طال منهم الكفر بالله وعبادة الشجرة بعث الله إليهم رسولاً من بني إسرائيل من ولد يهودا فدعاهم إلى عباده الله وترك الشرك برهه فلم يؤمنوا فدعا على الشجرة فيبست فلما رأوا ذلك ساءهم فقال بعضهم: إن هذا الرجل سحر آلهتنا. 
وقال آخرون: إن آلهتنا غضبت علينا بذلك لما رأت هذا الرجل يدعونا إلى الكفر بها فتركناه وشأنه من غير أن نغضب عليه لآلهتنا فاجتمعت آراؤهم على قتله فحفروا بئراً عميقاً وألقوه فيها وشدوا رأسها فلم يزالوا عليها يسمعون أنينه حتى مات فاتبعهم الله بعذاب شديد أهلكهم عن آخرهم.
وفي نهج البلاغة قال علي (عليه السلام): أين أصحاب مدائن الرَّسِّ الذين قتلوا النبيين وأطفأوا سنن المرسلين وأحيوا سنن الجبارين.

*******

دروس وعبر

ست فئات في الآيات المذكورة، ذكرت أسماؤهم: قَوْمِ فِرْعَوْنَ قَوْمَ نُوحٍ المتعصبون، قوم عاد المتجبرون، ثَمُودَ، أَصْحَابَ الرَّسِّ، وقَوْمِ لُوطٍ، حيث كان كل منهم أسير نوع من الإنحراف الفكري والأخلاقي أدّى بهم إلى الهلاك والشقاء.
الفراعنة كانوا ظالمين جائرين ومستعمرين واستثماريين وأنانيين.
قَوْمَ نُوحٍ كما هو معلوم كانوا معاندين ومتكبرين ومغرورين.
قوم عاد وقوم ثَمُودَ كانوا يتكلون على قدراتهم الذاتية.
وكان أَصْحَابَ الرَّسِّ في دوامة الفساد والشذوذ الجنسي وخاصّة نسائهم، وكان قَوْمِ لُوطٍ غارقين في وحل من الفحشاء، وشذوذ الرجال بخاصّة، والجميع منحرفون عن جادة التوحيد، حيرى في الضلالات.
وهنا يريد القرآن أن يُنذر مشركي عصر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجميع الناس على مدى التاريخ: ليكن لكم من القدرات والإستطاعة والإمكانات كل شيء ومهماً كان لكم من اموال وثروات وحياة مرفـّهة، فإن التلوث بالشرك والظلم او الفساد سيستأصل أعماركم، وإنّ نفس أسباب تفوقكم تلك ستكون أسباب هلاككم.
قَوْمِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَ نُوحٍ، أُهلكوا بالماء الذي هو أساس الحياة، قوم عاد بالعاصفة والرياح التي هي أيضاً في ظروف خاصّة أساس الحياة، قوم ثَمُودَ بالسحاب الحامل للصواعق، وقَوْمِ لُوطٍ بمطر من الحجارة نزل بعد الصاعقة، أو انفجار بركان على قول بعضهم، وأَصْحَابَ الرَّسِّ طبقاً لذيل تلك الرواية أعلاه، أُبيدوا بنار تطلع من الأرض، وبشعلة مهلكة انتشرت من السحاب، ليؤوب هذا الإنسان المغرور إلى نفسه، فيتمسك بطريق الله والعدالة والتقوى.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة