البث المباشر

الأخلاق التي يضمن بها المؤمن الجنة

الأحد 20 أغسطس 2023 - 16:59 بتوقيت طهران
الأخلاق التي يضمن بها المؤمن الجنة

يروي أبو حمزة الثَّمالي عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (ع) أنّه قال:

"كان رسول الله (ص) يقول في آخر خطبته: طوبى لمن طاب خلُقه"، أي كان خلقه الطيِّب كلّه، بحيث يتنفّس النَّاس الطّيب والطّيبة من أخلاقه.

"وطهرت سجيَّته"، أي كانت طبيعته فيما يبني عليه نفس الطّهر، فلا قذارة في كلِّ ما ترتكز عليه طبيعته وسجيَّته.

"وصلحت سريرته". والسَّريرة هي السرّ، أي تصلح ما تسرّه في نفسك، وذلك بأن لا تحمل في نفسك للنَّاس إلَّا كلَّ صلاح وكلّ خير،

"وحسنت علانيته"، بأن يكون ظاهرك عندما تتعامل مع النَّاس، وعندما تتحرّك معهم وتتعايش معهم، حسناً، تماماً كما هي سريرتك.

"وأنفق الفضل من ماله"، لأنَّ ما يفضل من مالك، جعل الله تعالى فيه حقَّاً لغيرك {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[الذَّاريات: 19]،

"وأمسك الفضل من قوله"، وأما فضول القول، فهو الذي لا ينفعك ولا ينفع النَّاس، بل ربّما يضرّك.

ومحلّ الشَّاهد هو هذه الكلمة: "وأنصف الناس من نفسه" (1)،

ولعلّ الكلمة الأخيرة هي نتاج الكلمات السَّابقة، فإذا كان الإنسان طيّب الخلق، طاهر السريرة، صالح العلانية، يعطي من ماله، ويمسك عن النَّاس الفضول، فمن الطبيعي أن تكون روحيَّته مع الناس روحيَّة الإنسان الَّذي لا يظلم الناس عندما يكون لهم حقّ عليه، سواء كان حقاً في الكلمة أو في الموقع أو في الموقف.

وكلمة أخرى، فلقد جاء أعرابي إلى النبيّ (ص) وهو يهمّ بالسَّير إلى بعض غزواته، فأخذ بغرز (بركاب) راحلته.

ومن هنا نعرف كيف كان الناس يتعاملون مع رسول الله (ص)، من خلال ما انفتح عليهم بكلِّ بساطة وكلّ عفويَّة، فلا يتحدّثون معه بالرسميّات، ولا يتكلّفون الكلمة أو الحركة معه... فلاحظوا كيف تحدَّث هذا مع النبيّ، وكيف تحدّث معه النبيّ (ص) في نهاية المطاف.

"فقال: يا رسول الله، علّمني عملاً أدخل به الجنَّة. فقال (ص): ما أحببت أن يأتيه النَّاس إليك فأْته إليهم"، فماذا تنتظر، وماذا تحبّ من الناس في التعامل معك في كلِّ علاقتهم بك، فافعله معهم، "وما كرهت أن يأتيه النَّاس إليك فلا تأته إليهم، خلِّ سبيل الرَّاحلة"(2) .

فلاحظوا كيف هي العفويَّة المنطلقة من هذا الرجل في خطابه للنبيّ (ص)، وكيف هي العفويَّة في حديث النبيّ (ص) معه.

وقيمة هذا الحديث، أنّه يقول لهذا الرجل، إنَّ هذا العمل وهذه الروحيَّة وهذا السلوك الإنساني مع الآخرين، يمثّل أحد الدّروب التي تسلك بك إلى الجنَّة، ونحن نعرف أنَّ جائزة الجنَّة كبيرة، فعلينا أن نتحمّل كلّ الحساسيات المضادَّة التي تمنعنا من أن ننفتح على الآخرين، لنفكِّر فيهم كما نفكِّر في أنفسنا.
 

* من كتاب "النَّدوة"، ج3.

السيد محمد حسين فضل الله

 

------------------------------

(1) بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 72، ص 30.

(2) الكافي، الشّيخ الكليني، ج2، ص 146.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة