البث المباشر

الميرزا عبد الهادي الشيرازي الحسيني

الأربعاء 27 فبراير 2019 - 10:08 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- مع الصادقين: الحلقة 567

ومن الصادقين الذين صدق الله بما عاهده عليه فقيه اهل البيت وخادمهم الوفي العالم العامل الورع التقي الميرزا عبد الهادي الشيرازي الحسيني قدس الله روحه الزكية.
الميرزا عبد الهادي الشيرازي هو من اكبر حسنات هذا العصر وممن يشار اليهم بالبنان وهو من احد فقهاء الطائفة الامامية ومفخرة من مفاخرها وعلم بارز من اعلامها ومراجعها وموضع ثقة الجميع في دهره حتى قيل فيه انذاك "فلم يك يصلح الا لها ولم تك تصلح الا له".
هذا العالم الجليل عاصرته في بدايات حياتي واجمل وصفي له بأنه كتلة الورع والتقوى والاخلاق، قرأت في منزله، في ديوانه العام، في مجلسه الاسبوعي صباح الجمعة كمقدمة في بداية امتهاني المنبر مع الخطيب الراحل الشيخ عبد الوهاب الكاشي فكنت اشاهد المرحوم الميرزا عبد الهادي الشيرازي عن قرب كما كنت احضر بحثه حينما يصحبني والدي وكنت اتشبع برؤية وجهه المبارك، انه فرصة نادرة ومعجزة من معجزات الدهر يعني هو رقم غريب في كمالاته، ذهن وقاد، فكر صائب، ادراك تام للعرفيات، تواضع للقريب والبعيد والصغير والكبير ونوع من التقوى وخشية الله سبحانه وتعالى.
الملاحظة المهمة التي اود ان يستمع اليها بدقة الاخوة والاخوات وبالخصوص طلاب الحوزة العلمية ورائدي هذه المهنة المباركة ان هذا المرجع الكبير الميرزا عبد الهادي الشيرازي في عهده دأب بعض المراجع، الاساتذة الكبار ان يبدأوا دروسهم بموعظة صغيرة وينهوا دروسهم وبحوثهم بنصيحة او نكتة اخلاقية يعني تربوية، المرحوم الميرزا عبد الهادي الشيرازي ما كان يقوم بهذا وقد الح عليه اكثر من واحد من زملاءه ومن تلامذته المتقدمين فلن يحصلوا على جواب وما هو عذره لم يعرف احد وكان كأنه مصر على ان لايعظ الطلبة لاقبل البحث ولابعد البحث الى ان في يوم من الايام صارحه الشيخ عباس القوجاني وهو من كبار افاضل الحوزة العلمية في النجف الاشرف، سأله بالفارسية وانا حاضر، قال له لقد طلب منك الكثير واشكل عليك الكثير بالنسبة الى هذه الحالة والطلاب كلهم بحاجة الى ان يسمعوا منك النصائح وكلامك مؤثر في القلوب وفي الاعماق وانت لا تستجيب لهذا الطلب وكأنك تتعامل بأصرار وتمتنع بأصرار فكان جوابه والذي هو الان شبه مفاجأة او معجزة، كان جوابه اني ادرك هذا المعنى واثره لكن استحي من نفسي لأني الى الان مقتنع بأني على ما هو عندي انا بحاجة الى من يعظني وينصحني لذلك لاارى نفسي مؤهلاً بأن انصح غيري، هذه في الواقع من ارقى الكمالات، هذه من اعلى درجات تهذيب النفس.
الميرزا عبد الهادي الشيرازي رحمه الله هو من المتقدمين من تلامذة الفذ الميرزا الشيرازي اعلا الله مقامه وكذلك من ابرز تلاميذ الملا كاظم الاخوند الخراساني صاحب الكفاية والى اخرين من اساتذة وفلاسفة الاسلام.
المرحوم الميرزا عبد الهادي الشيرازي له بحوث قيمة في الفقه والاصول ولاتزال تدرس وتعتبر مصادر مهمة للباحثين والمدرسين وايام تدريسه في النجف الاشرف تعتبر هي ايام ازدهار الحوزة العلمية، كان في البداية رحمه الله يدرس في بيته ولما ضاق المكان انتقل بتدريسه الى مسجد الشيخ مرتضى الانصاري مسجد الترك في منطقة الحويش، اكثر من اربعمئة مجتهداً كانوا يحضرون درسه.
المرحوم الميرزا عبد الهادي الشيرازي هذا العنصر العجيب الغريب في كمالاته وفي تهذيب نفسه لم يبصر والده، توفي والده في نفس السنة التي ولد فيها فنشأ يتيماً وواصل جهد وواكب على دراسة فقه اهل البيت بسهر وعناء وانا ادلي بشهادتي دنيا واخرة كنت اسمعه بعد ان فقد بصره لأن ذهب الى ايران لمعالجة عينيه من شدة المطالعة وكثرة السهر في المطالعة والكتابة والعبادة والتهجد، اصيب بصره بداء عضال فسافر الى ايران لكن الطبيب اخفق في عمله وفقد السيد بصره فقفل راجعاً الى النجف الاشرف كان يشكر الله، كان رحمه الله يعتبر فقدانه لبصره نعمة من نعم الله عليه لأن لاينظر الى بعض المناظر التي قد تحمله تكليفاً شرعياً او احراجاً شرعياً.
لقد اتجهت الى هذا العالم الكبير المرجعية بعد وفاة المرحوم البروجردي اوائل الستينات فقبلها كارهاً لها واوكد واقول كارهاً لها لأنه كان ممن يكره الرفعة والسمعة واعتقد تماماً وبقطع ان الذي عظمه في اعين الناس هو صغر الدنيا في عينيه.
كان الميرزا عبد الهادي الشيرازي رحمه الله كما ادركته عن حس ومن قرب قليل الكلام وهذا من دلائل تكامل العقل، لايتكلم الا بقدر ما يكون جواباً شافياً للسؤال وسبحان الله اقول بشهادتي للعصر وللاخرة ان كرهه للمرجعية لربما كان دخيلاً في دنو اجله فقد توفي رحمه الله بعد تقلده المرجعية بأشهر معدودة مما البس التلاميذ والحوزة العلمية في النجف الاشرف والعالم الاسلامي ثوب الحداد والحزن ولقد شاهدته بعيني مراراً وتكراراً حينما يستلم الاخماس والحقوق الشرعية كانت يداه ترتجف ويرتعد كل بدنه خوفاً من المسؤولية اضف الى ذلك كان رحمه الله فقيهاً اصولياً محدثاً يتمتع بروح الدعابة وروح الاخلاق العالية والروح الادبية العالية فكنا انا وامثالي في بداية حياتنا المنبرية حينما نقرأ الشعر كان يستعذبه ويستأنس به، بالاضافة الى كل ما ذكرت كان اديباً راقياً له قصيدة احفظها منذ خمسين عاماً في رثاء ابي طالب عم النبي (سلام الله عليه) وحفظت وقرأت له قطعة شعرية موشحة في ميلاد ابي عبد الله الحسين وان شأت قل في رثاء الحسين ومن جملتها:

ظهر النور المبين الزاهر

فبدا الغيب وزال الساتر

ولد السبط الزكي الطاهر

من بحفظ الدين قدماً نهضا

فهو لولا شخصه لم ينصر

لم اصرح بأسمه حيث

الهنا كلما ثار به عاد عنا

فأسمه والحزن قدماً قرنا

وهو للقلب يثير المضضا

بلظى الاحزان ذات السعر

فأستمع يا صاح ذكراه فقد

ضاق صدري وبه القلب اتقد

ولذكر الطف صبري قد نفذ

وكأن القلب في جمر الغظى

لحسين السبط خير البشر

لست انساه وحيداً بالطفوف

مفرداً مستضعفاً بين الالوف

ضامئاً يسقي العدا كأس الحتوف

آيساً يرقب محتوم القضا

ينذر القوم بأقوى النذر

ما افاد الوعظ بالقوم اللئام

وغدت ترمي حسيناً بالسهام

فأنثنى السبط لتوديع الخيام

فأتت تسرع بنت المرتضى

والنسا من حولها بالاثر

وكان رضوان الله تعالى عليه رأيته يصلح لبعض كبار الخطباء النقاط الادبية او نقاط الضعف في اداءهم القصائد كان رحمه الله ذو يد طويلة وباع كبير في بناء الحوزة العلمية وتثقيفها واثراءها.
اخيراً توفي رحمه الله في شهر صفر عام 1382 هجرية ونقل جثمانه من الكوفة الى النجف الاشرف محمولاً على الاكتاف ودفن في مقبرة الاسرة بباب الطوسي للصحن الحيدري بجوار امير المؤمنين، أسأل الله له واسع الرحمة والرضوان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة