البث المباشر

الأدب العربي والتغريب الثقافي

الخميس 31 يناير 2019 - 21:12 بتوقيت طهران

الحلقة 197

من ضمن الدراسات التي انفعلت في الحملة التغريبية وحركة الغزو الفكري في العصر الحديث ما يعرف بأسم دراسات الادب المقارن، وبسبب تأثر هذه الدراسات بمناهج النقد الغربية جاءت غير مستوعبة ولا اصيلة لأنها تجاهلت مواطن الاختلاف الجذري بين الادب العربي والآداب الاخرى وركزت على نقاط اللقاء والتماثل مع هذه الاداب.
ان الادب العربي انما ينتظر من يدرسه في مواطن قوته وحيويته وتميزه ويدل على ذاتيته الاصيلة من خلال التكوين الخاص بهذا الادب الذي صنعه القرآن والاسلام والذي كان بعقيدة التوحيد اقوى الاثر في تميزه عن سائر الاداب العالمية في الشرق والغرب ومما لا شك فيه ان اغلب الاداب العالمية الغربية تكاد تكون من اصل واحد، قوامه اللغة الاتينية والفلسفة اليونانية وعقائد الحضارة الرومانية العتيقة في اعلاء الجنس الابيض على سائر الاجناس البشرية، في حين لا ترتبط اللغة العربية باللغة اليونانية بأي رباط قديم وكذلك في العقائد والفلسفات.
ولكن ماذا حصل في العصر الحديث؟ في ظل سيطرة النفوذ الاستعماري الغربي وجدت الاداب الغربية فرصة لان تفرض نفوذها على الادب العربي وذلك من خلال الدعاة الذين كسبهم التغريب ومنحهم من النفوذ ما مكنهم من فرض هذه السمات الادبية الغريبة على الادب العربي وخاصة ترجمات الادب اليوناني والاساطير الاغريقية وهو ما رفضه الذوق الاسلامي والعربي ابان نهضتهم، وعندما كانت مقاليد الترجمة في ايديهم القادرة على القبول والرفض، ومع هذا النصر في فرض نفوذ الاداب اليونانية الاغريقية والغربية الحديثة على الادب العربي المعاصر فأن الادب العربي قد كشف عن جوهره الصلب وذاتيته العميقة فأبعد ما لا يتفق وطابعه او مزاجه، ورفضه رفضاً واضحاً وما يزال هذا الرفض يقوى ويشتد ما ازدادت شخصيته تحرراً وازداد فهماً لطبيعته وتعمقاً لجوهر فكره المستمد من القرآن الكريم في الاصل، اما ما يحاول ان يصل الى غير الادب المقارن من تحقيق العالمية للادب العربي فأن هذه العالمية لا تتحقق بترجمة ادب هو ذيل تابع للاداب الاوروبية وانما يكون ذلك ادب له طابع يتميز عن الطوابع الاخرى في شكله ومضمونه وجوهره.
وثمة طرف مظلل ينبغي التنبه له هو ما يردده بعض الباحثين من ان الاداب العالمية حين يتم تجاوبها اي انها لم تلبث ان تتوحد جميعاً في اجناسها الادبية واصولها الفنية والانسانية بحيث لا يبقى من حدود سوى اللغة وما يمكن ان تفرضه البيئة، هذا القول كما هو بين مبالغ فيه وهو منافي لطبائع الاشياء والذين يقولونه يجهلون التحديات التي تواجه الفكر الاسلامي والادب العربي من خلال حركة التغريب والتبشير ومن وراءهما النفوذ الاجنبي الذي يستهدف اذابة اداب الشعوب الاسلامية كلها في الادب الغربي وتخليصها من مقوماتها وتجريدها من قيمها، وان اي محاولة لخلق عالمية للادب في ظل الظروف التي يعيشها العالم الاسلامي فأنها ستكون على حساب الادب العربي واداب الشعوب المسلمة، ومن الواضح انه لا يكون ادب قادراً على مقابلة ادب الا اذا كانا على قدر واحد من حرية الارادة واستقلالية الحركة والمساواة، فهل يستطيع الادب العربي ان يقول انه اليوم على هذا القدر من الحرية والاستقلال بالنسبة الى الاداب الاوروبية حتى يمكن ان يتحرك بقوة؟
ان الدعوة الى عالمية الادب في ظل هذه المرحلة انما تستهدف ذوبان الادب العربي في الاداب الغربية والقضاء على مقوماتها وقيمة المستمدة من القرآن الكريم والتوحيد، فلا يلبث ان يكون نسخة ليست لها طبيعتها الاصيلة ولا تكون ايضاً جزءاً من الاداب الغربية، ستكون عندئذ كائناً هزيلاً لا ام له ولا اب.
وغير هذا وذاك فأن الاداب الغربية تفيض بمشاعر الاستعلاء المستمد من الاوربية صاحبة الحضارة ومن الجنس الابيض والآرية التي وصفت في مئات المواضع من الاداب الاوروبية بأنها ميراث سماوي لا ترقى اليه الامم الاخرى وان الانسان الابيض قد اعطي بحكمة القدر السيطرة والسيادة على العالم كله.
وتكشف الاداب الغريبة عن دوافع الانتقاص من الغيبيات والايمان بالله تعالى وكل ما يتصل بالوحي والسماء ولقد قطعت الاداب الغربية مراحل طويلة متصلة بالدعوة الى تأليه الانسان وتأليه العقل ووصف العقل بالجبروت مما يختلف مع الادب العربي اختلافاً جذرياً لا سبيل معه الى المهادنة واللقاء.
وهذه الاداب الغربية قد كشفت عن تحللها من القيم الاخلاقية والانسانية التي جاءت بها الاديان بل انها قد هاجمت الاديان وكان لمذاهب النيكافيلية والوجودية والماركسية والفرودية والبروماجية اثرها في تشكيل مناهج التربية والاقتصاد والسياسة، وكان لذلك كله اثره في الادب وله ظلاله الواضحة على الفنون الادبية المختلفة.
من يتفحص في الموضوع يجد ان هناك فارقاً كبيراً وخلافاً واضحاً، فقد نشأت مفاهيم في الاداب الغربية مستمدة من صور المجتمع في مرحلة تمزقه وانحلاله ومن فلسفات فرويد وساتر واحزابهما تهزأ بكل ما لهذه العلاقات من كرامة وقداسة في الادب العربي بل وصل دور كاين الى القول ان رابطة الزواج والاسرة ليست رابطة طبيعية في المجتمعات والنفوس، وهناك عشرات من القصص الاوروبية الشهيرة اذا ما رجعت لم نجد فيها اصالة الانسان المسلم او طبائع الشعوب المسلمة خاصة في مفاهيم العلاقة بين الزوجة وصديق الاسرة وبين تقبل الزوج اللعلاقات الحسية بين زوجته والغير وذلك الصراع بين الزوجة العشيقة وعلاقة المرأة بأكثر من رجل.
ان الاداب العربية تعلو فيها قيم العفة والشرف والعرض والزواج الشرعي والحب العفيف وهي قيم لا يكاد يكون لها محل في الاداب الاوروبية بل انها تهاجم هجوماً عنيفاً ويسخر منها سخرية لاذعة ولا شك ان الاستعلاء في مذاهب ماركس وفرويد وسارتر وكله من اليهود اثره الواضح في الاداب الغربية.
اللقاء بين الادب العربي والاداب الغربية عسير وشاق وغير متقبل، الا بشرط واحد مرفوض وهو ان يذيب الادب العربي نفسه في هذه السمات الغريبة عليه التي يتسم بها الادب الغربي وهذا الشرط يرفضه الادب العربي رفضاً حاسماً ويكافحه مكافحة كبرى في سبيل التحرر من سيطرته ونفوذه.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة