وقد صرح الرئيس الأميركي جو بايدن للصحفيين هذا الأسبوع بأن "الحلفاء الأفغان" الذين تعاونوا مع القوات الأميركية في أفغانستان مترجمين أو سائقين أو في مهام أخرى، سيتم نقلهم لأماكن أخرى من أجل سلامتهم "ولن يتم التخلي عنهم"، مما قد يعني إجلاء عشرات الآلاف خاصة وأن تهديد عودة طالبان لتصدر المشهد مجددا في أفغانستان يلوح في الأفق.
ويؤكد كاتب المقال آدم تايلور أن الإعلان عن هذه الخطوة يعيد لأذهان المتتبعين لتاريخ الحروب الأميركية في الخارج ذكريات سنوات خلت في كل من فيتنام والعراق.
ويضيف أنه خلال الأيام الفوضوية الأخيرة لحرب فيتنام، اضطرت الولايات المتحدة بعد إعلان القوات الشيوعية لفيتنام الشمالية النصر إلى إجلاء الآلاف من الفيتناميين الجنوبيين. كما منحت السلطات الأميركية خلال السنوات الأخيرة عددا محدودا من التأشيرات للمترجمين الفوريين وغيرهم من المتعاونين مع الجيش الأميركي في العراق.
ويشير الكاتب إلى انتقاد مدافعين عمن تركوا وحيدين يواجهون مصيرهم في بلدانهم تلك الجهود، معتبرين أنها إجراءات "بطيئة" و"غير كافية" في ظل ضرورة ملحة، ومن هؤلاء الأدميرال المتقاعد جيمس جورج ستافريديس، الذي استعاد -في مقال له بموقع بلومبيرغ (Bloomberg) الأسبوع الماضي- ذكريات تصفية حلفاء لواشنطن في حرب فيتنام، مؤكدا أن "هذا السيناريو القاتم لا يجب أن يعيد نفسه".
وقد أشارت تقديرات جماعات من المتطوعين إلى أن ما لا يقل عن ألف مترجم محلي عملوا مع القوات الأميركية في أفغانستان والعراق لقوا حتفهم، في حين ينتظر العديد ممن تبقى منهم الحصول على تأشيرات من السلطات الأميركية.
فيتنام وسقوط سايغون
بعد قرار الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون سحب قوات بلاده من جانب واحد من فيتنام عام 1973 ونجاح القوات الفيتنامية الشمالية في الدخول إلى سايغون بعدها بعامين، تم إجلاء حوالي 7 آلاف شخص من الأميركيين والفيتناميين الجنوبيين باستخدام المروحيات خلال عملية عرفت باسم "الرياح المتواترة" (Operation Frequent Wind)، مما يجعلها أكبر عملية إجلاء باستخدام هذا النوع من الطائرات في التاريخ.
واستطاع كثير آخرون أن يتمكنوا بمفردهم من الخروج من البلاد، وخلال عام 1975 وحده استقدمت الولايات المتحدة في المجموع أكثر من 100 ألف شخص إلى جزيرة غوام في المحيط الهادي لمعالجتهم قبل نقلهم للولايات المتحدة، وقد أشار بعض المشرعين إلى أن هذه الجزيرة يمكنها أن تلعب دورا مماثلا لمن تم أو سيتم إجلاؤهم من أفغانستان.
ويؤكد الكاتب أن هذا الأمر شكّل فقط الجزء الظاهر من جبل جليد ما أسمته لجنة الإنقاذ الدولية "أكبر مشروع لإعادة توطين اللاجئين في التاريخ الأميركي"، حيث وصلت موجات أخرى من اللاجئين الفيتناميين للولايات المتحدة خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
وعلى الرغم من الأعداد الكبيرة من الفيتناميين الجنوبيين الذين غادروا البلاد بعد سيطرة الشيوعيين، فإن كثيرين تركوا هناك فتمت إما تصفيتهم وإما إرسالهم إلى "معسكرات لإعادة التأهيل".
الهروب من العراق
وتقول مقالة واشنطن بوست إنه في أعقاب حرب الخليج (الفارسي) عام 1991، قامت الولايات المتحدة وشركاؤها في التحالف بجهود للدفاع عن الأكراد العراقيين الذين وقفوا إلى جانب القوات الأميركية والدولية.
وقد تم فرض "منطقة حظر طيران" على شمالي العراق مما ساعد على إنشاء منطقة واقعة تحت السيطرة الكردية تحولت فيما بعد إلى إقليم كردستان العراق الذي يتمتع حاليا بحكم ذاتي.
لكن بعد تجدد التهديدات من قوات صدام عام 1996، أجلى الجيش الأميركي موظفيه الأكراد المحليين، وأخبر الموظفين السابقين وأسرهم وكذلك أعضاء أحزاب المعارضة المدعومة من وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" (CIA) وموظفي المنظمات غير الربحية الأميركية أنه بإمكانهم التقدم بطلب لجوء، حيث وصل منهم بالفعل حوالي 7 آلاف شخص إلى أميركا في غضون عام.
وبعد الغزو الأميركي وإسقاط حكم صدام في 2003، بقيت القوات الأميركية في العراق حتى عام 2011 قبل أن تنسحب وتعود مجددا بعد 3 سنوات بسبب تصاعد نفوذ تنظيم داعش.
وخلال تلك السنوات، قتل العديد من العراقيين الذين عملوا مع الأميركيين في وقت يخشى فيه البعض بشكل متزايد من أن يتم استهدافهم حاليا من قبل جماعات مسلحة.
وقد خصصت السلطات الأميركية "تأشيرة هجرة خاصة" منذ عام 2008 للعراقيين الذين عملوا مع الولايات المتحدة، مما يوفر لهم "نظريا" مسارا سريعا للانتقال إلى أميركا، وتم إنشاء نظام هجرة مماثل للأفغان في العام الذي بعده.
لكن لائحة الانتظار في العراق لا تزال عريضة حيث ينتظر حوالي 100 ألف شخص أن يحين دورهم، وفي الوقت الذي تستعد فيه واشنطن لتكثيف إجلاء حلفائها والمتعاونين معها من أفغانستان، يبقى برنامج العراق متوقفا مؤقتا على خلفية تحقيق بمزاعم تزوير في التأشيرات.
المصدر : واشنطن بوست+الجزيرة