البث المباشر

رسالة الامام الهادي (ع) في القضاء والقدر

الأحد 13 أغسطس 2006 - 00:00 بتوقيت طهران

قال ابن شعبة الحراني: وروى عن الامام الراشد الصابر ابي الحسن علي بن محمد (عليهما السلام) في طوال هذه المعاني رسالته (عليه السلام) في الرد على اهل الجبر والتفويض واثبات العدل والمنزلة بين المنزلتين: من علي بن محمد، سلام عليكم وعلي من اتبع الهدى ورحمة الله وبركاته، فانه ورد علي كتابكم وفهمت ما ذكرتم من اختلافكم في دينكم وخوضكم في القدر ومقالة من يقول منكم بالجبر ومن يقول بالتفويض وتفرقكم في ذلك وتقاطعكم وما ظهر من العداوة بينكم، ثم سألتموني عنه وبيانه لكم وفهمت ذلك كله. اعلموا رحمكم الله انا نظرنا في الآثار وكثرة ما جات به الأخبار فوجدناها عند جميع من ينتحل الاسلام ممن يعقل عن الله جل وعز لا تخلو من معنيين: اما حق فيتبع واما باطل فيجتنب. وقد اجتمعت الامة‌ قاطبة لا اختلاف بينهم ان القرآن حق لا ريب فيه عند جميع اهل الفرق، وفي حال اجتماعهم مقرون بتصديق الكتاب وتحقيقه مصيبون مهتدون، وذلك يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تجمع امتي على ضلالة، فأجبر ان جميع ما اجتمعت عليه الامه كلها حق هذا اذا لم يخالف بعضها بعضاً. القرآن حق لا اختلاف بينهم في تنزيله وتصديقه، فاذا شهد القرآن بتصديق خبر وتحقيقه وانكر الخبر طائفة من الامة، لزمهم الاقرار به ضرورة حين اجتمعت في الأصل على تصديق الكتاب، فان هي جحدت وانكرت لزمها الخروج من الملة. فأول خبر يعرف تحقيقه من الكتاب وتصديقه والتماس شهادته عليه خبر ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووجد بموافقة الكتاب وتصديقه بحيث لا تخالفه أقاويلهم، حيث قال: اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي - أهل بيتي- لن تضلوا ما تمسكتم بهما وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. فلما وجدنا شواهد هذا الحديث في كتاب الله نصاً، مثل قوله جل وعز: «انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون / ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون»(1). وروت العامة في ذلك اخباراً لأمير المؤمنين (عليه السلام) انه تصدق بخاتمه وهو راكع فشكر الله ذلك له أنزل الآية فيه. فوجدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أتى بقوله: «من كنت مولاه فعلي مولاه» وبقوله: «انت مني بمنزلة هارون من موسى، الا انه لا نبي بعدي»، ووجدناه يقول: «علي يقضي ديني وينجز موعدي وهو خليفتي عليكم من بعدي». فالخبر الأول الذي منه هذه الأخبار خبر صحيح مجمع عليه لا اختلاف فيه عندهم، وهو ايضاً موافق للكتاب، فلما شهد الكتاب بتصديق الخبر وهذه الشواهد الآخر لزم على الامة الا قرار بها ضرورة اذ كانت هذه الأخبار شواهدها من القرآن ناطقة ووافقت القرآن والقرآن وافقها. ثم وردت حقائق الأخبار من رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الصادقين (عليهم السلام) ونقلها قوم ثقات معروفون، فصار الاقتداء بهذه الأخبار فرضاً واجباً على كل مؤمن ومؤمنة، لا يتعداه أهل العناد. وذلك ان أقاويل آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) متصلة بقول الله وذلك مثل قوله في محكم كتابه: «ان الذين يؤذون الله ورسول لعنهم الله في الدنيا والاخرة واعد لهم عذاباً مهيناً»(2) ووجدنا نظير هذه الآية، قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من أذى علياً فقد اذاني ومن اذاني فقد اذى الله ومن اذى الله يوشك أن ينتقم منه). وكذلك قوله (صلى الله عليه وآله): «من احب علياً فقد احبني من احبني فقد احب الله». ومثل قوله (صلى الله عليه وآله) في بني وليعة: «لابعثن اليهم رجلاً كنفسي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله»، قم يا علي فسر اليهم وقوله (صلى الله عليه وآله) يوم خيبر: «لأبعثن اليهم غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كراراً غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله عليه». فقضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالفتح قبل التوجيه فاستشرف لكلامه أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما كان من الغد دعا علياً (عليه السلام) فبعثه اليهم فاصطفاه بهذه المنقبة، وسماه كراراً غير فرار، فسماه محباً لله ولرسوله، فأخبر ان الله ورسوله يحبانه. وانما قدمنا هذا الشرح والبيان دليلاً على ما اردنا وقوة لما نحن مبينوه من امر الجبر والتفويض والمنزلة بين المنزلتين وبالله العون والقوة وعليه نتوكل في جميع امورنا فانا نبدأ من ذلك بقول الصادق (عليه السلام): «لا جبر ولا تفويض ولكن منزلة بين المنزلتين، وهي صحة الخلقة وتخلية السرب والمهلة في الوقت، والزاد في مثل الراحلة والسبب المهيج للفاعل على فعله». فهذه خمسة اشياء جمع به الصادق (عليه السلام) جوامع الفضل، فاذا نقض العبد منها خلة كان العمل عنه مطروحاً بحسبه. فأخبر الصادق (عليه السلام) بأصل ما يجب على الناس من طلب معرفته ونطق الكتاب بتصديقه فشهد بذلك محكمات آيات رسوله لأن الرسول (صلى الله عليه وآله)، وآله (عليهم السلام) لايعدو شيء من قوله وأقاويلهم حدود القرآن، فاذا وردت حقائق الأخبار والتمست شواهدها من التنزيل فوجد لها موافقاً وعليها دليلاً، كان الاقتداء بها فرضاً لا يتعداه الا اهل العناء كما ذكرنا في اول الكتاب. ولما التمسنا تحقيق ما قاله الصادق (عليه السلام) من المنزلة بين المنزلتين وانكاره الجبر والتفويض، وجدنا الكتاب قد شهد له وصدق مقالته في هذا، وخبر عنه ايضاً موافق لهذا: ان الصادق (عليه السلام) سئل هل اجبر الله العباد على المعاصي؟ فقال الصادق (عليه السلام): هو اعدل من ذلك. فقيل له: فهل فوض اليهم؟ فقال: هو اعز واقهر لهم من ذلك. وروى عنه انه قال: الناس في القدر على ثلاثة اوجه، رجل يزعم ان الامر مفوض اليه فقد وهن الله في سلطانه فهو هالك. ورجل يزعم ان الله جل وعز اجبر العباد على المعاصي وكلفهم ما لا يطيقون، فقد ظلم الله في حكمه فهو هالك ورجل يزعم ان الله كلف العباد ما يطيقون ولم يكلفهم ما لا يطيقون، فاذا احسن حمد الله واذا اساء استغفر الله فهذا مسلم بالغ، فاخبر (عليه السلام) ان من تقلد الجبر والتفويض ودان بهما فهو على خلاف الحق. فقد شرحت الجبر الذي من دان به يلزمه الخطأ، وأن الذي يتقلد التفويض يلزمه الباطل، فصارت المنزلة بين المنزلتين بينهما. ثم قال (عليه السلام): واضرب لكل باب من هذه الأبواب مثلاُ يقرب المعنى للطالب ويسهل له البحث عن شرحه، تشهد به محكمات آيات الكتاب وتحقق تصديقه عند ذوي الألباب وبالله التوفيق والعصمة. فاما الجبر الذي يلزم من دان به الخطأ فهو قول من زعم ان الله جل وعز اجبر العباد على المعاصي وعاقبهم عليها، ومن قاله: بهذا القول فقد ظلم الله في حكمه وكذبه ورد قوله: «ولا يظلم ربك احداً» وقوله «ذلك بما قدمت يداك وان الله ليس بظلام للعبيد»(3) مع آي كثيرة في ذكر هذا. فمن زعم انه مجبر على المعاصي فقد احال بذنبه على‌ الله وقد ظلمه في عقوبته. ومن ظلم الله فقد كذب كتابه ومن كذب كتابه فقد لزمه الكفر باجتماع الأمة، ومثل ذلك مثل رجل ملك عبداً مملوكاً لا يملك نفسه ولا يملك عرضاً من عرض الدنيا ويعلم مولاه ذلك منه فأمر على علم منه بالمصير الى السوق لحاجة يأتيه بها ولم يملكه ثمن ما يأتيه به من حاجته، وعلم المالك ان على الحاجة رقيباً لا يطمع احد في اخذها منه الا بما يرضى به من الثمن، وقد وصف مالك هذا العبد نفسه بالعدل والنصفة واظهار الحكمة ونفي الجور واوعد عبده ان لم يأته بحاجته ان يعاقبه على علم منه بالرقيب الذي على حاجته انه سيمنعه، وعلم ان المملوك لا يملك ثمنها ولم يملكه ذلك، فلما صار العبد الى السوق وجاء ليأخذ حاجته التي بعثه المولى لها، وجد عليها مانعاً الا بشراء وليس يملك العبد ثمنها، فانصرف الى مولاه خائباً بغير قضاء حاجته فاغتاظ مولاه من ذلك وعاقبه عليه، أليس يجب في عدله وحكمه ان لا يعاقبه وهو يعلم ان عبده لا يملك عرضاً من عروض الدنيا ولم يملكه ثمن حاجته، فان عاقبه ظالماً متعدياً عليه مبطلاً لما وصف من عدله وحكمته ونصفته، وان لم يعاقبه كذب نفسه في وعيده اياه حين اوعده بالكذب والظلم اللذين ينفيان العدل والحكمة تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، فمن دان بالجبر او بما يدعو الى الجبر فقد ظلم الله ونسبه الى الجور والعدوان. اذا اوجب على من اجبره العقوبة، ومن زعم ان الله يدفع عن اهل المعاصي العذاب، فقد كذب الله في وعيده حيث يقول: «بلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته فأولئك اصحاب النار هم فيها خالدون»(4). وقوله: «ان الذين يأكلون اموال اليتامى ظلماً انما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً»(5). وقوله: «ان الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب ان الله كان عزيزاً حكيماً».(6) مع آي كثيرة في هذا الفن ممن كذب وعيد الله ويلزمه في تكذبيه آية من كتاب الله الكفر وهو ممن قال الله: «أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحيوة الدنيا ويوم القيامة يردون الى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون»(7) بل تقول: ان الله جل وعز جازى العباد على أعمالهم ويعاقبهم على أفعالهم بالاستطاعة التي ملكهم اياها، فأمرهم ونهاهم بذلك ونطق كتابه: «من جاء بالحسنة فله عشر امثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها وهم لا يظلمون» (8) وقال جل ذكره: «يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو ان بينها وبينه امداً بعيداً ويحذركم الله نفسه» (9) وقال: «اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم» (10) فهذه آيات محكمات تنفي الجبر ومن دان ومثلها في القرآن كثير، اختصرنا ذلك لئلا يطول الكتاب وبالله التوفيق. واما التفويض الذي ابطله الصادق (عليه السلام) واخطأ من دان به وتقلده فهو قول القائل: ان الله جل ذكره فوض الى العباد اختبار امره ونهيه واهملهم. وفي هذا كلام دقيق لمن يذهب الى تحريره ودقته. والى هذا ذهبت الائمة المهتدية من عترة الرسول (صلى الله عليه وآله) فانهم قالوا: لو فوض اليهم على جهة الاهمال لكان لازماً له رضي ما اختاره واستوجبوا منه الثواب ولم يكن عليهم فيما جنوه العقاب اذا كان الاهمال واقعاً. تنصرف هذه المقالة ‌على معنيين: اما ان يكون العباد تظاهروا عليه فالزموه قبول اختبارهم بآرائهم ضرورة ‌كره ذلك ام احب فقد لزمه الوهن، أو يكون جل وعز عجز عن تعبدهم بالأمر والنهي على‌ ارادته كرهوا أو احبوا، ففوض امره ونهيه واجراهما على محبتهم اذا عجز عن تعبدهم بارادته، فجعل الاختبار اليهم في الكفر والايمان ومثل ذلك مثل رجل ملك عبداً ابتاعه ليخدمه ويعرف له فضل ولايته ويقف عنده امره ونهيه وادعى مالك العبد انه قاهر عزيز حكيم فأمر عبده ونهاه ووعده على اتباع امره عظيم الثواب واوعده على معصيته اليم العقاب، فخالف العبد ارادة مالكه ولم يقف عند امره نهيه، فأي امر امره او اي نهي نها عنه لم يأته على ارادة المولى‌ بل كان العبد يتبع ارادة نفسه اتباع هواه ولا يطيق المولى‌ ان يرده الى اتباع امره ونهيه والوقوف على ارادته، ففوض اختياره امره ونهيه اليه ورضي منه بكل ما فعله على ارادة العبد لا على ارادة المالك وبعثه في بعض حوائجه وسمى له الحاجة فخالف على مولاه وقصد لارادة نفسه واتبع هواه، فلما رجع الى مولاه نظر الى ما اتاه به فاذا هو خلاف ما امره به، فقال له: لم اتيتني بخلاف ما امرتك؟ فقال العبد: اتكلت على تفويضك الامر الي فاتبعت هواي وارداتي، لأن المفوض اليه غير محظور عليه، فاستحال التفويض او ليس يجب على هذا السبب اما ان يكون المالك للعبد قادراً يأمر عبده باتباع امره ونهيه على ارادته لا على ارادة العبد ويملكه من الطاقة بقدر ما يأمره به وينهاه عنه، فاذا امره بامر ونهاه عن نهي عرفه الثواب والعقاب عليهما. وحذره ورغبه بصفة ثوابه وعقابه ليعرف العبد قدرة مولاه بما ملكه من الطاقة لأمره ونهيه وترغيبه وترهيبه، فيكون عدله وانصافه شاملاً له وحجته واضحة عليه للاعذار والانذار، فاذا اتبع العبد امر مولاه جازاه واذا لم يزدجر عن نهيه عاقبه، أو يكون عاجزاً غير قادر، ففوض امره اليه أحسن أم أساء، أطاع أم عصى، عاجز عن عقوبته ورده الى‌ اتباع امره. وفي اثبات العجز نفي القدرة والتأله وابطال الأمر والنهي والثواب والعقاب ومخالفة الكتاب. اذا يقول: «ولا يرضى لعباده الكفر وان تشكروا يرضه لكم»(11) وقوله عزوجل: «اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون»(12) وقوله: «وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون / ما اريد منهم من رزق وما اريد ان يطعمون».(13) وقوله: «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً» «اطيعوا الله واطيعوا الرسول ولا تولوا عنه وانتم تسمعون».(14) فمن زعم ان الله تعالى فوض امره ونهيه الى عباده فقد اثبت عليه العجز وأوجب عليه قبول كل ما عملوا من خير وشر وأبطل أمر الله ونهيه ووعده ووعيده، لعله ما زعم ان الله فوضها اليه لأن المفوض اليه بمشيئته، فان شاء الكفر والايمان كان غير مردود عليه ولا محظور، فمن دان بالتفويض على هذا المعنى: فقد ابطل جميع ما ذكرنا من وعده ووعيده وامره ونهيه وهو من أهل هذه الآية: «أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحيوة الدنيا ويوم القيامة يردون الى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون».(15) تعالى الله عما يدين به اهل التفويض علواً كبيراً لكن نقول: ان الله جل وعز خلق الخلق بقدرته وملكهم استطاعة تعبدهم بها، فأمرهم ونهاهم بما اراد، فقبل منهم اتباع امره ورضي بذلك لهم ونهاهم عن معصيته وذم من عصاه وعاقبه عليها ولله الخيرة في الامر والنهي يختار ما يريد ويأمر به وينهى عما يكره ويعاقب عليه بالاستطاعة التي ملكها عباده لاتباع امره واجتناب معاصيه، لأنه ظاهر العدل والنصفة ‌والحكمة البالغة، بالغ الحجة بالاعذار والانذار واليه الصفوة يصطفى من عباده من يشاء لتبليغ رسالته واحتجاجه على عباده: اصطفى محمداً (صلى الله عليه وآله) وبعثه برسالاته الى خلقه، فقال من قال من كفار قومه حسداً واستكباراً: «لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم» (16) يعني بذلك امية بن أبي الصلت وأبا مسعود الثقفي، فأبطل الله اختيارهم ولم يجز لهم آراءهم حيث يقول: «أهم يقسمون رحمت ربك ‌نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحيوة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمت ربك خير مما يجمعون» (17). ولذلك اختار من الامور ما احب ونهى عما كره، فمن أطاعه أثابه، ومن عصاه عاقبه، ولو فوض اختيار امره الى عباده لأجاز لقريش اختيار أمية بن ابي الصلت وأبي مسعود الثقفي، اذ كانا عندهم أفضل من محمد (صلى الله عليه وآله). فلما أدب المؤمنين بقوله: «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امراً ان يكون لهم الخيرة من أمرهم».(18) فلم يجز لهم الاختيار بأهوائهم ولا يقبل منهم الا اتباع امره واجتناب نهيه على يدي من اصطفاه، فمن اطاعه رشد ومن عصاه ضل وغوى ولزمته الحجة بما ملكه من الاستطاعه لاتباع امره واجتناب نهيه، فمن أجل ذلك حرمه ثوابه وأنزل به عقابه. وهذا القول بين القولين ليس بجبر ولا تفويض وبذلك أخبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه، عباية بن ربعي الأسدي حين سأله عن الاستطاعة التي بها يقوم ويقعد ويفعل، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) سألت تملكها من دون الله أو مع الله، فسكت عباية، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) قل يا عباية، قال: وما اقول؟ قال (عليه السلام): ان قلت: انك تملكها مع الله قتلتك وان قلت: تملكها دون الله قتلتك. قال عباية: فما اقول يا امير المؤمنين؟ قال (عليه السلام): تقول انك تملكها بالله الذي يملكها من دونك، فان يملكها اياك كان ذلك من عطائه، وان يسلبكها كان ذلك من بلائه، هو المالك لما ملكك والقادر على ما عليه اقدرك، اما سمعت الناس يسألون الحول والقوة حين يقولون: لا حول ولا قوة‌ الا بالله. قال: عباية وما تأويلها يا أمير المؤمنين؟ قال (عليه السلام): «لا حول عن معاصي الله الا بعصمة الله، ولا قوة لنا على طاعة الله الا بعون الله». قال: فوثب عباية فقبل يديه ورجليه. روى عن أمير المؤمنين (عليه السلام): حين اتاه نجدة يسأله عن معرفة الله، قال: يا أمير المؤمنين بما عرفت ربك؟ قال: (عليه السلام) بالتمييز الذي خولني، والعقل الذي دلني. قال: أفمجبول انت عليه؟ قال: لو كنت مجبولاً ما كنت محموداً على احسان ولا مذموماً على اسائة وكان المحسن اولى باللائمة من المسيء فعلمت ان الله قائم باق ومادونه حدث حائل زائل وليس القديم الباقي كالحدث الزائل. قال نجدة: أجدك أصبحت حكيماً يا أمير المؤمنين. قال: أصبحت مخيراً، فان اتيت السيئة بمكان الحسنة فأنا المعاقب عليها. وروى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انه قال الرجل سأله بعد انصرافه من الشام، فقال: يا امير المؤمنين اخبرنا عن خروجنا الى الشام بقضاء وقدر؟ قال: نعم يا شيخ، ما علوتم تلعة ولا هبطتم وادياً الا بقضاء وقدر من الله. فقال الشيخ: عند الله احتسب عنائي يا أمير المؤمنين؟ فقال (عليه السلام): مه يا شيخ، فاالله قد عظم اجركم في مسيركم، وانتم سائرون، وفي مقامكم وانتم مقيمون، وفي انصرافكم وانتم منصرفون، ولم تكونوا في شيء من اموركم مكرهين، ولا اليه مضطرين، لعلك ظننت انه قضاء حتم وقدر لازم، لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب ولسقط الوعد والوعيد، ولما الزمت الأشياء‌ اهلها على الحقائق ذلك مقالة عبدة الاوثان واولياء‌ الشيطان، ان الله جل وعز امر تخيراً ونهى تحذيراً ولم يطع مكرهاً ولم يعص مغلوباً ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار،(19) فقام الشيخ فقبل رأس أمير المؤمنين (عليه السلام) وأنشأ يقول:
أنت الامام الذي نرجو بطاعته
يوم النجاة من الرحمن غفراناً
أوضحت من ديننا ما كان ملتبساً
جزاك ربك عنا فيه رضواناً
فليس معذرة في فعل فاحشة
قد كنت راكبها ظلماً وعصياناً
فقد دل أمير المؤمنين (عليه السلام) على موافقه الكتاب ونفي الجبر والتفويض اللذين يلزمان من دان بهما تقلدهما الباطل والكفر وتكذيب الكتاب، ونعوذ بالله من الضلالة والكفر ولسنا ندين بجبر ولا تفويض لكنا نقول بمنزلة بين المنزلتين وهو الامتحان والاختبار بالاستطاعة التي ملكنا الله وتعبدنا بها على ما شهد به الكتاب ودان بها لائمة الأبرار من آل الرسول (صلوات الله عليهم). ومثل الاختبار بالاستطاعة مثل رجل ملك عبداً وملك مالاً كثيراً احب ان يختبر عبده على علم منه بما يؤول اليه، فملكه من ماله بعض ما احب ووقفه على امور عرفها العبد فأمره ان يصرف ذلك المال فيها، ونهاه عن اسباب لم يحبها وتقدم اليه ان يجتنبها ولا ينفق من ماله فيها، والمال يتصرف في اي الوجهين، فصرف المال احدهما في اتباع امر المولى ورضاه، والآخر صرفه في اتباع نهيه وسخطه، واسكنه دار اختبار، اعلمه انه غير دائم له السكنى في الدار وان له داراً غيرها وهو مخرجه اليها فيها ثواب وعقاب دائمان، فان انفد العبد المال الذي ملكه مولاه في الوجه الذي امره به جعل له ذلك الثواب الدائم في تلك الدار التي اعلمه انه مخرجه اليها، وان انفق المال في الوجه الذي نهاه ‌عن انفاقه فيه، جعل له ذلك العقاب الدائم في دار الخلود. وقد حد المولى‌ في ذلك حداً معروفاً وهو المسكن الذي اسكنه في الدار الاولى، فاذا بلغ الحد استبدل المولى بالمال وبالعبد على انه لم يزل مالكاً للمال والعبد في الاوقات كلها الا انه وعد ان لا يسلبه ذلك المال ما كان في تلك الدار الاولى الى‌ ان يستتم سكناه فيها، فوفى له لأن من صفات المولى العدل والوفاء والنصفة والحكمة‌ اوليس يجب ان كان ذلك العبد صرف ذلك المال في الوجه المأمور به ان يفي له بما وعده من الثواب وتفضل عليه بأن استعمله في دار فانية واثابه على طاعته فيها نعيماً دائماً في دار باقية دائمة. وان صرف العبد المال الذي ملكه مولاه ايام سكناه تلك الدار الاولى في الوجه المنهي عنه وخالف امر مولاه كذلك تجب عليه العقوبة الدائمة التي حذره اياها، غير ظالم له لما تقدم اليه واعلمه وعرفه واوجب له الوفاء بوعده ووعيده، بذلك يوصف القادر القاهر. واما المولى فهو الله جل وعز واما العبد فهو ابن آدم المخلوق والمال قدرة الله الواسعة ومحنته اظهاره الحكمة والقدرة والدار الفانية هي الدنيا. وبعض المال الذي ملك مولاه هو الاستطاعة التي ملك ابن آدم والامور التي أمر الله بصرف المال اليها هو استطاعته لاتباع الأنبياء والاقرار بما اوردوه عن الله جل وعز واجتناب الأسباب التي نهى عنها هي طرق ابليس. واما وعده فالنعيم الدائم وهي الجنة. واما الدار الفانية فهي الدنيا، واما الدار الاخرى فهي الدار الباقية وهي الآخرة. والقول بين الجبر التفويض هو الاختبار والامتحان والبلوى بالاستطاعة التي ملك العبد. وشرحها في الخمسة الأمثال التي ذكرها الصادق (عليه السلام)، أنها جمعت جوامع الفضل وأنها مفسرها بشواهد من القران والبيان ان شاء الله.
*******
تفسير صحة الخلق
أما قول الصادق (عليه السلام)، فان معناه كمال الخلق للانسان وكمال الحواس وثبات العقل والتمييز واطلاق اللسان بالنطق، وذلك قول الله: «ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً»(20) فقد أخبر عزوجل عن تفضيله بني آدم على سائر خلقه من البهائم السباع ودواب البحر والطير وكل ذي حركة تدركه حواس بني آدم بتمييز العقل والنطق وذلك قوله: «لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم». وقوله: «يا ايها الانسان ما غرك بربك الكريم / الذي خلقك فسواك فعدلك / في اي صورة ‌ما شاء ركبك».(21) وفي آيات كثيرة، فأول نعمة الله على الانسان صحة عقله وتفضيله على كثير من خلقه بكمال العقل وتمييز البيان. وذلك ان كل ذي حركة‌ على بسيط الارض هو قائم بنفسه بحواسه مستكمل في ذاته، ففضل بني آدم بالنطق الذي ليس في غيره من الخلق المدرك بالحواس، فمن اجل النطق ملك ابن آدم غيره من الخلق حتى صار آمراً ناهياً وغيره مسخر له كما قال الله: «كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم» (22) وقال: «وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حيلة تلبسونها».(23) وقال: «والانعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون / ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون / وتحمل اثقالكم الى بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الانفس».(24) فمن اجل ذلك دعا الله الانسان الى اتباع امره الى طاعته بتفضيله اياه باستواء الخلق وكمال النطق والمعرفة بعد ان ملكهم استطاعة ما كان تعبدهم به بقوله: «فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا واطيعوا». وقوله: «لا يكلف الله نفساً الا وسعها».(25) وقوله: «لا يكلف الله نفساً الا ما آتاها».(26) وفي آيات كثيرة فاذا سلب من العبد حاسة من حواسه رفع العمل عنه بحاسته كقوله «ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج» (27) فقد رفع عن كل من كان بهذه الصفة الجهاد وجميع الأعمال التي لا يقوم بها، وكذلك أوجب على ذي اليسار الحج والزكاة لما ملكه من استطاعة ذلك ولم يوجب على الفقير الزكاة والحج ، قوله: «ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلاً» (28) وقوله في الظهار: «والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة».(29) الى‌ قوله: «فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكيناً». كل ذلك دليل على ان الله تبارك وتعالى لم يكلف عباده الا ما ملكهم استطاعته بقوة العمل به ونهاهم عن مثل ذلك فهذه صحة الخلقة. وأما قوله: تخلية السرب فهو الذي ليس له عليه رقيب يخطر عليه ويمنعه العمل بما امره الله به وذلك قوله فيمن استضعف وخطر عليه العمل فلم يجد حيلة ولا يهتدي سبيلاً كما قال الله تعالى: «الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً» (30) فأخبر ان المستضعف لم يخل سر به وليس عليه من القول شيء اذا كان مطمئن القلب بالايمان. وأما المهلة في الوقت فهو العمر الذي يتمتع الانسان من حد ما تجب عليه المعرفة الى أجل الوقت وذلك من وقت تمييز وبلوغ الحلم الى ان يأتيه اجله. فمن مات على طلب الحق ولم يدرك كماله فهو على خير. وذلك قوله: «من يخرج من بيته مهاجراً الى الله ورسوله».(31) الآية. وان كان لم يعمل بكمال شرايعه لعلة ما لم يمهله في الوقت الى استتمام امره. وقد حظر على البالغ ما لم يحظر على الطفل اذا لم يبلغ الحلم في قوله: «وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن» (32) الآية. فلم يجعل عليهن حرجاً في ابداء الزينة للطفل وكذلك لا تجري عليه الأحكام. واما قوله: الزاد. فمعناه الجدة والبلغة التي يستعين بها العبد على ما امره الله به، وذلك قوله: «ما على المحسنين من سبيل» (33) الآية. ألا ترى انه قبل عذر من لم يجد ما ينفق والزام الحجة كل من امكنته البلغة والراحلة للحج والجهاد واشباه ذلك. وكذلك قبل عذر الفقراء واوجب لهم حقهم في مال الأغنياء بقوله: «للفقراء الذين احصروا في سبيل الله» (34) الآية. فأمر بأعفائهم ولم يكلفهم الا عداد لما يستطيعون ولا يملكون. واما قوله في السبب المهيج فهو النية التي هي داعية الانسان الى جميع الافعال وحاستا القلب. فمن فعل فعلاً وكان بدين لم يعقد قبله على ذلك لم يقبل الله منه عملاً الا بصدق النية ولذلك اخبر عن المنافقين بقوله: «يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله اعلم بما يكتمون» (35) ثم انزل على نبيه (صلى الله عليه وآله) توبيخاً للمؤمنين «يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون» (36) الآية. فاذا قال الرجل قولاً واعتقد في قوله دعته النية الى تصديق القول بأظهار الفعل. واذا لم يعتقد القول لم تتبين حقيقته. وقد اجاز الله صدق النية وان كان الفعل غير موافق لها لعلة مانع يمنع اظهار الفعل في قوله «الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان» (37) وقوله: «لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم»(38) فدل القرآن وأخبار الرسول (صلى الله عليه وآله) ان القلب مالك لجميع الحواس يصحح افعالها ولا يبطل ما يصحح القلب شيء. فهذا شرح جميع الخمسة الأمثال التي ذكرها الصادق (عليه السلام) انها تجمع المنزلة بين المنزلتين وهما الجبر والتفويض. فاذا اجتمع في الانسان كمال هذه الخمسة الأمثال وجب عليه العمل كمالاً لما امر الله عزوجل به ورسوله، واذا نقض العبد منها خلة كان العمل عنها مطروحاً بحسب ذلك. فأما شواهد القرآن على الاختبار والبلوى بالاستطاعة التي تجمع القول بين القولين فكثيرة. ومن ذلك قوله: «ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو اخباركم»(39). وقال: «سنستدرجهم من حيث لا يعلمون» (40). وقال: «أحسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون» (41). وقال في الفتن التي معناها الاختبار: «ولقد فتنا سليمان» (42) الآية. وقال في قصة موسى (عليه السلام): «فانا قد فتنا قومك من بعدك واضلهم السـامـري» (43) وقول موسى: «ان هـي الا فتنتك» (44) أي اختبارك. فهذه الآيات يقاس بعضها ببعض ويشهد بعضها لبعض. واما آيات البلوى بمعنى الاختبار قوله: «ليبلوكم في ما اتاكم» (45) وقوله: «ثم صرفكم عنهم ليبتليكم» (46) وقوله: «انا بلوناهم كما بلونا اصحاب الجنة» (47) وقوله: «خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم احسن عملاً» (48) وقوله: «واذا ابتلى ابراهيم ربه بكلمات» (49). وقوله: «ولو يشاء ‌الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض» (50) وكل ما في القرآن من بلوى هذه الآيات التي شرح أولها فهى اختبار، وامثالها في القرآن كثيرة، فهي اثبات الاختبار البلوى، ان الله جل وعز لم يخلق الخلق عبثاً ولا اهملهم سدى، ولا اظهر حكمته لعباً، وبذلك اخبر في قوله: «أفحسبتم انما خلقناكم عبثاً». فان قال قائل: فلم يعلم الله ما يكون من العباد حتى اختبرهم؟ قلنا: بلى قد علم ما يكون منهم قبل كونه، وذلك قوله: «ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه» (51) وانما اختبرهم ليعلمهم عدله ولا يعذبهم الا بحجة بعد الفعل وقد اخبر بقوله: «ولو انا اهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا ارسلت الينا رسولاً» (52) وقوله: «وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً» (53) وقوله: «رسلاً مبشرين ومنذرين» (54). فالاختبار من الله بالاستطاعة التي ملكها عبده وهو القول بين الجبر والتفويض وبهذا نطق القرآن وجرت الأخبار عن الأئمة من آل الرسول. فان قالوا: ما الحجة في قول الله: «يضل من يشاء ويهدي من يشاء» وما أشبهها؟ قيل مجاز هذه الآيات كلها على معنيين: اما احدهما فاخبار عن قدرته اي انه قادر على هداية من يشاء وضلال من يشاء واذا أجبرهم بقدرته على احدهما لم يجب ثواب ولا عليهم عقاب على نحو ما شرحنا في الكتاب. والمعنى الآخر الهداية منه تـعريفـه كقـوله: «واما ثمود فهديناهم» (55) اي عرفناهم «فاستحبوا العمى على الهدى» (56). فلو أجبرهم على‌ الهدى لم يقدروا ان يضلوا، وليس كلما وردت آية مشتبهة كانت الآية حجة على محكم الآيات اللواتي امرنا بالأخذ بها،‌ من ذلك قوله: «منه آيات محكمات هن ام الكتاب وآخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تاويله»(57) الآية. وقال: فبشر عبادي «الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه»(58) اي احكمه واشرحه «اولئك الذين هداهم الله واولئك هم اولوا الألباب»(59). وفقنا الله واياكم الى القول والعمل لما يحب ويرضى وجنبنا واياكم معاصيه بمنه وفضله، والحمد لله كثيراً كما هو اهله وصلى الله على محمد وآله الطيبين وحسبنا الله ونعم الوكيل.(60)
*******
وقفة قصيرة
يظهر من بداية رسالة الامام الهادي (عليه السلام) انها كانت رداً على رسالة وردت عليه، ولم يعرف من الذي ارسله حسب نقل الحراني في تحف العقول. ولكن الطبرسي ذكر ان هذه الرسالة كانت جواباً لأهل اهواز فقال: مما اجاب به ابوالحسن على بن محمد العسكري في رسالته الى اهل الأهواز حين سألوه عن الجبر والتفويض.(61) ويظهر ايضاً من رسالته (عليه السلام) انه قد علا فيهم الخلاف اثر هذه العقيدة الفاسدة بحيث سبب الفرقة والعداوة بينهم. فكتب (عليه السلام) رسالته المفصلة اليهم وبين لهم بكل وضوح مسئلة الجبر والتفويض، مستدلاً بالآيات والروايات والأمثلة والشواهد على ذلك واليك بعض الاشارات: الأولى: أكد الامام (عليه السلام) في رسالته على محورين اساسيين في الامة الاسلامية ‌وهو القرآن الكريم والعترة الطاهرة بأنهما المرجع والملجأ عند اختلاف المسلمين. الثانية:النقطة الثالثة: روى ‌ايضاً تسع روايات عن النبي منها: لا تجتمع امتى على ضلالة،(62) اني مخلف فيكم الثقلين(63) من كنت مولاه(64) انت مني بمنزلة هارون من موسى (65)، علي يقضى ديني(66)، من آذى علياً فقد آذاني،(67) من احب علياً فقد احبني(68)، لابعثن اليهم رجلاً كنفسي،(69) لابعثن اليهم غداً رجلاً يحب الله...(70). والرابعة: روى عن امير المؤمنين ما سئله عباية بن ربعي حين سأله عن الاستطاعة، وحين اتى نجدة يسأله عن معرفته، وحين قال لرجل سأله بعد انصرافه من الشام. الخامسة: هكذا روى عن الصادق: لا جبر ولا تفويض، وما سئل عنه: هل اجبر الله العباد على المعاصي، الناس في القدر على ثلاثة اوجه. السادسة: انه من طالع هذه الرسالة وتأمل فيها ادرك حلاوة الجواب على رغم صعوبة السوال حيث ان الامام جمع لهم في هذا الكتاب الأيات القرآنية وكلام النبي واهل البيت العصمة، ومزجه ببعض الامثلة والشواهد لنفي الجبر والتفويض واثبات الامر بين الامرين. واضاف بعض الشبهات واجاب عنها. فلا بأس بمراجعة هذه الرسالة الشريفة لرسوخ العقيدة الصحيحة فينا في ظل مدرسة اهل البيت (عليهم السلام). المصدر:
*******
(1) سورة المائدة، الاية 55. (2) سورة الاحزاب، الاية 57. (3) سورة الاحزاب، الاية 57. (4) سورة البقرة، الاية81. (5) سورة النساء، الاية 10. (6) سورة النساء ، الاية 56. (7) سورة البقرة ، الآية 85. (8) سورة الانعام، الآية 160. (9) سورة آل عمران، الآية 30. (10) سورة غافر، الآية 17 (11) سورة الزمر، الآية 7. (12) سورة البقرة، الآية 102. (13) سورة الذاريات، الآية 56. (14) سورة‌ النساء، الآية 36. (15) سورة البقرة، الآية 85. (16) سورة الزخرف، الآية 31. (17) سورة الزخرف، الآية 32. (18) سورة الاحزاب، الآية 36. (19) سورة ص، الآية 27. (20) سورة الاسراء، الاية 70. (21) سورة الانفطار، الآية 6. (22) سورة الحج، الآية 37. (23) سورة النحل، الآية 14. (24) سورة النحل، الآية 5. (25) سورة التغابن، الآية 16. (26) سورة الطلاق، الآية 7. (27) سورة ‌النور، الآية 61. (28) سورة آل عمران،‌ الآية 97. (29) سورة المجادلة، الآية 3. (30) سورة النساء، الآية 98. (31) سورة النساء، الآية 100. (32) سورة النور، الآية 31. (33) سورة التوبة، الآية 91. (34) سورة البقرة، الآية 273. (35) سورة آل عمران، الآية 167. (36) سورة الصف، الآية 2. (37) سورة النحل، الآية 106. (38) سورة‌ البقرة، الآية 225. (39) سورة محمد، الآية 31. (40) سورة القلم، الآية 44. (41) سورة العنكبوت، الآية 2. (42) سورة ص، الآية 34. (43) سورة طه، الآية 85. (44) سورة الاعراف، الآية 155. (45) سورة الانعام، الآية 165. (46) سورة آل عمران، الآية 152. (47) سورة القلم، الآية 17. (48) سورة الملك، الآية 2. (49) سورة البقرة، الآية 124. (50) سورة محمد، الآية 4. (51) سورة الانعام، الآية 28. (52) سورة طه، الآية 134. (53) سورة الاسراء، الآية 15.7 (54) سورة النساء، الآية 165. (55) سورة فصلت، الآية 17. (56) سورة فصلت، الآية 17. (57) سورة آل عمران، الآية 7. (58) سورة الزمر، الآية 18. (59) سورة الزمر، الآية 18. (60) تحف العقول، ص 481. (61) الاحتجاج، ج 2، ص 251. (62) الصراط المستقيم، ج2، ص 113، بحار الانوار، ج 39، ص3. (63) الفضائل الخمسة عن الصحاح الستة، ج2، ص 52، عن صحيح مسلم، والترمذي وابن الأثير الجزري والنيسابوري واحمد وابي نعيم والخطيب البغدادي والمتقي الهندي وابن حجر والهيثمي وغيرهم. (64) الأربعون حديثاً من الأربعين، ص 141، عن ابن الجوزي واحمد والبغوي. (65) امالي الطوسي، ص 47، بحار الانوار، ج3، ص254. (66) الفضائل الخمسة، ج3، ص59. (67) المستدرك على الصحيحين، ج3، ص122. (68) الأربعون حديثاً من الاربعين، ص23. (69) بحار الأنوار، ج5، ص69. (70) الفضائل الخمسة عن الصحاح الستة، ج 2، ص 198، عن البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة والهيثمي والنيسابوري والمتقي الهندي والاصبهاني والنسائي. المصدر: حياة الامام الهادي (عليه السلام)، المؤلف: الشيخ محمد جواد الطبسي
*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة