"محسن فخري زاده" هو عالم الفيزياء النووية الذي شغل مناصب في وزارات ايرانية متعددة ضمن اختصاصه النادر في العالم وآخرها أستاذ الفيزياء بجامعة "الإمام الحسين" في طهران ، ورئيس منظمة البحث والتطوير في وزارة الدفاع الإيرانية ، وبالمناسبة هذه المنظمة هي ليست عسكرية مئة بالمئة بل مدنية ترعاها وزارة الدفاع.
كان للعالم النووي محسن فخري زاده البصمات الواضحة على برنامج ايران النووي السلمي وتعليم وتربية العديد من الطلبة والعلماء ، وشىارك في مكافحة جائحة كورونا وله انجازات عظيمة في هذا المجال ، هي محل فخر الانسانية التي انجبت هكذا شخصية علمية تعد الخامسة في ايران من بين 500 شخصية علمية في العالم.
ومن هنا فإن اغتيال العالم النووي "فخري زاده" خسارة كبير للبشرية جمعاء وليس فقط لإيران ، فهذه الجريمة نفذتها قوى دولية تتبنى الارهاب كاستراتيجية لتركيع الشعوب التواقة للحرية والانعتاق من التبعية.
لحد الآن لم تتبنى اي جهة بشكل علني مسؤوليتها عن تنفيذ جريمة اغتيال العالم النووي "فخري زاده" ، لكن الواضح ان من يقف وراءها اراد ان يحقق اغراض محددة منها توجيه ضربة للمسيرة العلمية التي شهدتها ايران بعد انتصار الثورة الاسلامية وتأسيس الجمهورية الاسلامية التي وضع دعائمها الامام الخميني ـ رحمة الله عليه ـ والذي جعل التقدم العلمي في كافة المجالات واحدا منها.
شهدت الجمهورية الاسلامية خلال اربع عقود من عمرها نهضة علمية يشهد لها المتابعون والمهتمون بهذا الامر ، وهذا مما اغاض اعداءها وعلى رأسهم امريكا ، فباتوا يخططون لوضع العصي في عجلة التقدم العلمي الذي شهدته ايران بعد انتصار ثورتها الاسلامية المباركة.
وهكذا شاهد العالم المؤامرات التي حيكت ضد ايران الاسلامية واستخدم العدو كل الاساليب ضاربا عرض الحائط جميع القوانين والاعراف الدولية ، وكان احد هذه الاساليب الدنيئة هو اللجوء الى اغتيال الشخصيات السياسية والعلمية سواء داخل ايران او خارجها ، وكان آخرها الجريمة النكراء التي استهدفت العالم النووي "محسن فخري زاده".
ولا يمكننا ان ننكر ان فقدان شخصية علمية بهذا الوزن لا تعد خسارة لإيران ، بل هي خسارة للعالم اجمع...! ولكن نقطع جازمين بأن هذه الجريمة لا توقف عجلة التقدم العلمي في ايران لأن الشواهد التاريخية اثبتت ذلك ، فلم يكن الفقيد "فخري زادة" هو الاول في قافلة الشهداء العلمية ، فقد قدمت ايران الاسلامية في هذا الطريق العديد من الشهداء الذين رووا بدماءهم شجرة التقدم العلمي التي اصبحت ببركة هذه الدماء اصلب عودا.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا كيف تعامل الايرانيون مع هذا الحدث الذي يعتبر صدمة كبيرة لكل انسان حر وشريف يحترم انسانيته ؟ واجيب على هذا السؤال من خلال مشاهداتي واترك الجانب الرسمي واركز على المستوى الشعبي كما رأيته... فالغالبية العظمى من المواطنين الايرانيين تعاملوا مع القضية كما لو كان الفقيد احد ابناء اسرته ، واستذكروا كل الجرائم التي ارتكبها الاستكبار العالمي ضد الشعب الايراني ، ووجهوا اصابع الإتهام الى الولايات المتحدة الامريكية وربيبتها الكيان الصهيوني واصحاب مشاريع التطبيع مع هذا الكيان.
كذلك وظف الشارع الايراني هذا الحادث للتعريف باعداء الشعب الايراني ، وكذلك لحث الجيل المعاصر من الشباب على مواصلة المسيرة العلمية ليتحول دم الشهيد العالم النووي "محسن فخري زادة" الى محفز نحو طلب العلم والتأكيد على ان العدو شرس ولا يرحم ولا يمتلك ادنى مقومات الانسانية.
وانقل هذا المشهد : اثناء نشرة الاخبار والمذيع يتحدث عن الفقيد العالم النووي "فخري زاده"... الأم تخاطب طفليها وهم في المرحلة الابتدائية تحثهم عل بذل المزيد والسعي اكثر في دراستهم حيث تخاطبهما بهذه العبارة "يجب عليكم ان تحلوا محل الشهيد محسن فخري زاده".
فهكذا شعب يحترم العلم والعلماء ويوظف الخسارة للوصول الى تحقيق الاهداف السامية ، فهو قادر على تحطيم كل المخططات الاستكبارية على صخرة صموده بوجة الطغاة والمتغطرسين مهما كانت التضحيات.
ويمكن الجزم وبشكل قاطع ان دماء الشهيد العالم النووي "محسن فخري زاده" ولدت قناعة تامة لدى شعوب المنطقة وبالخصوص الشعب الايراني بأن لا أمن ولا استقرار ولا تقدم علمي مازالت على قيد الحياة هذه الدويلة اللقيطة ، والتي تمثل الغدة السرطانية الغريبة على جسم المنطقة ، فلا بد من التعجيل باجتثاثها كما نبهنا الى هذه الحقيقة مفجر الثورة الاسلامية الامام الخميني رحمة الله عليه.
رحل الشهيد العالم النووي المرحوم "محسن فخري زاده" ليعيش في قلوب ابناء الشعب الايراني وفي قلوب محبي العلم والعلماء في هذا العالم ، ويكون حافزا لمواصلة تحقيق المنجزات العلمية التي تخدم الشعوب المستضعفة وحافزا للصمود بوجه المستكبرين القتلة.
عبدالله الساعدي