البث المباشر

الخطبة ۱٦۳: في الخالق جل جلاله

الإثنين 5 نوفمبر 2018 - 09:38 بتوقيت طهران

الْحَمْدُ لِلَّهِ خَالِقِ اَلْعِبَادِ، وسَاطِحِ اَلْمِهَادِ، ومُسِيلِ اَلْوِهَادِ، ومُخْصِبِ اَلنِّجَادِ، لَيْسَ لِأَوَّلِيَّتِهِ اِبْتِدَاءٌ، ولاَ لِأَزَلِيَّتِهِ اِنْقِضَاءٌ، هُوَ اَلْأَوَّلُ لَمْ يَزَلْ، واَلْبَاقِي بِلاَ أَجَلٍ، خَرَّتْ لَهُ اَلْجِبَاهُ، ووَحَّدَتْهُ اَلشِّفَاهُ،

حَدَّ اَلْأَشْيَاءَ عِنْدَ خَلْقِهِ لَهَا إِبَانَةً لَهُ مِنْ شَبَهِهَا، لاَ تُقَدِّرُهُ اَلْأَوْهَامُ بِالْحُدُودِ واَلْحَرَكَاتِ، ولاَ بِالْجَوَارِحِ واَلْأَدَوَاتِ، لاَ يُقَالُ لَهُ مَتَى، ولاَ يُضْرَبُ لَهُ أَمَدٌ بِحَتَّى، اَلظَّاهِرُ لاَ يُقَالُ مِمَّا، واَلْبَاطِنُ لاَ يُقَالُ فِيمَا، لاَ شَبَحٌ فَيُتَقَصَّى، ولاَ مَحْجُوبٌ فَيُحْوَى، لَمْ يَقْرُبْ مِنَ اَلْأَشْيَاءِ بِالْتِصَاقٍ، ولَمْ يَبْعُدْ عَنْهَا بِافْتِرَاقٍ، ولاَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ شُخُوصُ لَحْظَةٍ، ولاَ كُرُورُ لَفْظَةٍ، ولاَ اِزْدِلاَفُ رَبْوَةٍ، ولاَ اِنْبِسَاطُ خُطْوَةٍ، فِي لَيْلٍ دَاجٍ، ولاَ غَسَقٍ سَاجٍ، يَتَفَيَّأُ عَلَيْهِ اَلْقَمَرُ اَلْمُنِيرُ، وتَعْقُبُهُ اَلشَّمْسُ ذَاتُ اَلنُّورِ فِي اَلْأُفُولِ واَلْكُرُورِ، وتَقَلُّبِ اَلْأَزْمِنَةِ واَلدُّهُورِ، مِنْ إِقْبَالِ لَيْلٍ مُقْبِلٍ، وإِدْبَارِ نَهَارٍ مُدْبِرٍ، قَبْلَ كُلِّ غَايَةٍ ومُدَّةِ، وكُلِّ إِحْصَاءٍ وعِدَّةٍ، تَعَالَى عَمَّا يَنْحَلُهُ اَلْمُحَدِّدُونَ مِنْ صِفَاتِ اَلْأَقْدَارِ، ونِهَايَاتِ اَلْأَقْطَارِ، وتَأَثُّلِ اَلْمَسَاكِنِ، وتَمَكُّنِ اَلْأَمَاكِنِ، فَالْحَدُّ لِخَلْقِهِ مَضْرُوبٌ، وإِلَى غَيْرِهِ مَنْسُوبٌ.
 

ابتداء المخلوقين:
لَمْ يَخْلُقِ اَلْأَشْيَاءَ مِنْ أُصُولٍ أَزَلِيَّةٍ، ولاَ مِنْ أَوَائِلَ أَبَدِيَّةٍ، بَلْ خَلَقَ مَا خَلَقَ فَأَقَامَ حَدَّهُ، وصَوَّرَ ما صَوَّرَ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ، لَيْسَ لِشَيْ‏ءٍ مِنْهُ اِمْتِنَاعٌ، ولاَ لَهُ بِطَاعَةِ شَيْ‏ءٍ اِنْتِفَاعٌ، عِلْمُهُ بِالْأَمْوَاتِ اَلْمَاضِينَ، كَعِلْمِهِ بِالْأَحْيَاءِ اَلْبَاقِينَ، وعِلْمُهُ بِمَا فِي السَّمَاوَاتِ الْعُلَى، كَعِلْمِهِ بِمَا فِي اَلْأَرَضِينَ السُّفْلَى.
 

ومنها:
أَيُّهَا اَلْمَخْلُوقُ اَلسَّوِيُّ، واَلْمُنْشَأُ اَلْمَرْعِيُّ، فِي ظُلُمَاتِ اَلْأَرْحَامِ، ومُضَاعَفَاتِ اَلْأَسْتَارِ، بُدِئْتَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ، ووُضِعْتَ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ، إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ وأَجَلٍ مَقْسُومٍ، تَمُورُ فِي بَطْنِ أُمِّكَ جَنِيناً لاَ تُحِيرُ دُعَاءً، ولاَ تَسْمَعُ نِدَاءً، ثُمَّ أُخْرِجْتَ مِنْ مَقَرِّكَ إِلَى دَارٍ لَمْ تَشْهَدْهَا، ولَمْ تَعْرِفْ سُبُلَ مَنَافِعِهَا، فَمَنْ هَدَاكَ لاِجْتِرَارِ اَلْغِذَاءِ مِنْ ثَدْيِ أُمِّكَ، وعَرَّفَكَ عِنْدَ اَلْحَاجَةِ مَوَاضِعَ طَلَبِكَ وإِرَادَتِكَ، هَيْهَاتَ إِنَّ مَنْ يَعْجِزُ عَنْ صِفَاتِ ذِي اَلْهَيْئَةِ واَلْأَدَوَاتِ، فَهُوَ عَنْ صِفَاتِ خَالِقِهِ أَعْجَزُ، ومِنْ تَنَاوُلِهِ بِحُدُودِ اَلْمَخْلُوقِينَ أَبْعَدُ.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة