الخطبة ۹۰: من خطبة الامام علي عليه السلام المعروف بالاشباح وهي من جلائل خطبه سلام الله عليه، ومنها في صفة الملائكة (۱)
ثُمَّ خَلَقَ سُبْحَانَهُ لِإِسْكَانِ سَمَاوَاتِهِ، وعِمَارَةِ اَلصَّفِيحِ اَلْأَعْلَى مِنْ مَلَكُوتِهِ، خَلْقاً بَدِيعاً مِنْ مَلاَئِكَتِهِ، ومَلَأَ بِهِمْ فُرُوجَ فِجَاجِهَا، وحَشَا بِهِمْ فُتُوقَ أَجْوَائِهَا، وبَيْنَ فَجَوَاتِ تِلْكَ اَلْفُرُوجِ زَجَلُ اَلْمُسَبِّحِينَ مِنْهُمْ فِي حَظَائِرِ اَلْقـُدُسِ، وسُتُرَاتِ اَلْحُجُبِ، وسُرَادِقَاتِ اَلْمَجْدِ، ووَرَاءَ ذَلِكَ اَلرَّجِيجِ اَلَّذِي تَسْتَكُّ مِنْهُ اَلْأَسْمَاعُ، سُبُحَاتُ نُورٍ تَرْدَعُ اَلْأَبْصَارَ عَنْ بُلُوغِهَا، فَتَقِفُ خَاسِئَةً عَلَى حُدُودِهَا، أَنْشَأَهُمْ عَلَى صُوَرٍ مُخْتَلِفَاتٍ، وأَقْدَارٍ مُتَفَاوِتَاتٍ، أُولِي أَجْنِحَةٍ، تُسَبِّحُ جَلاَلَ عِزَّتِهِ، لاَ يَنْتَحِلُونَ مَا ظَهَرَ فِي اَلْخَلْقِ مِنْ صُنْعِهِ، ولاَ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَخْلُقُونَ شَيْئاً مَعَهُ مِمَّا اِنْفَرَدَ بِهِ، بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ، لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ، جَعَلَهُمُ اللهُ فِيمَا هُنَالِكَ أَهْلَ اَلْأَمَانَةِ عَلَى وَحْيِهِ، وحَمَّلَهُمْ إِلَى اَلْمُرْسَلِينَ وَدَائِعَ أَمْرِهِ ونَهْيِهِ، وعَصَمَهُمْ مِنْ رَيْبِ اَلشُّبُهَاتِ، فَمَا مِنْهُمْ زَائِغٌ عَنْ سَبِيلِ مَرْضَاتِهِ، وأَمَدَّهُمْ بِفَوَائِدِ اَلْمَعُونَةِ، وأَشْعَرَ قُلُوبَهُمْ تَوَاضُعَ إِخْبَاتِ اَلسَّكِينَةِ، وفَتَحَ لَهُمْ أَبْوَاباً ذُلُلاً إِلَى تَمَاجِيدِهِ، ونَصَبَ لَهُمْ مَنَاراً وَاضِحَةً عَلَى أَعْلاَمِ تَوْحِيدِهِ، لَمْ تُثْقِلْهُمْ مُوصِرَاتُ اَلْآثَامِ، ولَمْ تَرْتَحِلْهُمْ عُقَبُ اَللَّيَالِي واَلْأَيَّامِ، ولَمْ تَرْمِ اَلشُّكُوكُ بِنَوَازِعِهَا عَزِيمَةَ إِيمَانِهِمْ، ولَمْ تَعْتَرِكِ اَلظُّنُونُ عَلَى مَعَاقِدِ يَقِينِهِمْ، ولاَ قَدَحَتْ قَادِحَةُ اَلْإِحَنِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، ولاَ سَلَبَتْهُمُ اَلْحَيْرَةُ مَا لاَقَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِضَمَائِرِهِمْ، وسَكَنَ مِنْ عَظَمَتِهِ وهَيْبَةِ جَلاَلَتِهِ فِي أَثْنَاءِ صُدُورِهِمْ، ولَمْ تَطْمَعْ فِيهِمُ اَلْوَسَاوِسُ فَتَقْتَرِعَ بِرَيْنِهَا عَلَى فِكْرِهِمْ، مِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي خَلْقِ اَلْغَمَامِ اَلدُّلَّحِ، وفِي عِظَمِ اَلْجِبَالِ اَلشُّمَّخِ، وفِي قَتُرَةِ اَلظَّلاَمِ اَلْأَيْهَمِ، ومِنْهُمْ مَنْ قَدْ خَرَقَتْ أَقْدَامُهُمْ تُخُومَ اَلْأَرْضِ اَلسُّفْلَى، فَهِيَ كَرَايَاتٍ بِيضٍ، قَدْ نَفَذَتْ فِي مَخَارِقِ اَلْهَوَاءِ، وتَحْتَهَا رِيحٌ هَفَّافَةٌ تَحْبِسُهَا عَلَى حَيْثُ اِنْتَهَتْ مِنَ اَلْحُدُودِ اَلْمُتَنَاهِيَةِ.