اليوم اعترف توماس كامبل المتحدّث باسم وزارة الدفاع الأمريكيّة “البنتاغون” أنُه تمّ تشخيص 64 إصابة في الدماغ لجُنود أمريكيين كانوا في القاعدة، وجرى علاجهم في مُستشفيات ميدانيّة وعاد 39 منهم إلى الخدمة، بينما لم يَذكُر مصير أو نوعيّة وخُطورة إصابة 25 آخَرين، الأمر الذي يعني أنّهم ما زالوا يتلقّون العِلاج، وربّما جرى نقلهم إلى مُستشفيات في القواعد الأمريكيّة في ألمانيا، أو حتّى في أمريكا.
أن يَكذِب ترامب فهذا ليس جديدًا، وأن يُصدِّق هذه الأكاذيب بعض حُلفائه في إمبراطوريّات النّفاق الإعلاميّة العربيّة للتّقليل من أهميّة الرّد الانتقامي الإيراني فهذا أيضًا ليس جديدًا أيضًا، ولكنّ الجديد، بل المُؤكَّد في رأينا، أنّ القواعد الأمريكيّة الـ18 الموجودة على أرض العِراق، وربّما في أماكنٍ أخرى في مِنطقة الخليج الفارسي والشرق الأوسط، باتت رهائن تحت رحمة الحرس الثوري، وحُلفائه في الحشد الشعبي ، وفصائل حليفة أخرى، ويُمكن قصفها بالصّواريخ، في أيّ وقت، فمَن لا يتردّد في قضف .. قاعدة “عين الأسد” لا يتورّع عن قصف هذه القواعد، فالصّواريخ الدّقيقة جاهزةٌ لتدميرها بفعاليّة عالية، وصور الدّمار التي نقلتها عدسات قناة “سي إن إن” من قلب القاعدة (عين الأسد) تُؤكِّد هذه الحقيقة.
الكَذِب الأمريكيّ تأكّد مرّةً أخرى في أفغانستان عندما نجحت قوّات طالبان في إسقاط طائرة تجسّس مُتقدّمة جدًّا من طِراز “بومباردية أيّ 11” في مِنطقة غزنة شرق البِلاد، ومقتل جميع من كانوا على مَتنِها، ففي البداية نفى المتحدّث باسم البنتاغون سُقوط، أو إسقاط الطّائرة، ولكنّه عاد وتراجع بعد أن سرّبت حركة طالبان “فيديو” للطّائرة والنّيران تَشتعِل فيها، ولكنّه لم يَقُل لنا حتّى الآن كم عدد الجُنود الذين قُتِلوا، ورُتبهم العسكريّة، ويُعتَقد أنّ من بين هؤلاء ضُبّاطًا برُتَبٍ عالية.
هذه الأكاذيب هي التي دفعت الكونغرس يوم أمس إلى التّصويت بأغلبيّةٍ كبيرةٍ على قرارٍ يَحُد من صلاحيّات الرئيس ترامب في إعلان الحرب على إيران قبل الرّجوع إليه وأخذ مُوافقته، فالمُشرّعون الأمريكيّون باتوا يخشون من تهوّره، وجرّ البِلاد إلى حربِ استنزافٍ طويلةِ الأمد، تُودِي بحياة العشرات، وربّما المِئات من الجُنود والمُتعاونين والمُواطنين الأمريكيين في المِنطَقة والعالم.
مارك إسبر، وزير الدفاع الأمريكيّ قال أمس إنّ واشنطن تنتظر مُوافقة الحُكومة العِراقيّة لنشر منظومات صواريخ “الباتريوت” لحِماية القواعد الأمريكيّة، ونجزم بأنّ هذا الانتظار سيطول لعدّة أسباب، أبرزها أنّ حُكومة السيّد عادل عبد المهدي المُستقيلة لا تملك الصلاحيّة للمُوافقة على هذا الطّلب أوّلًا، ولأنّ رئيس الوزراء الجديد الذي ما زال مجهول الهُويّة بسبب الخِلافات بين الكُتل الحزبيّة الكُبرى على شخصيّة توافقيّة ثانيًا، ولأنّ هُناك قرارًا من البرلمان العِراقي بالأغلبيّة يُطالب بطرد جميع القواعد الأمريكيّة من العِراق لا يستطيع أيّ رئيس وزراء تجاوزه، أو عدم تنفيذه ثالثًا.
لا نستبعد أن يكون إسقاط طائرة التجسّس الأمريكيّة في أفغانستان الأحد الماضي، تمّ بصاروخٍ أو هُجومٍ “سايبيري” بتكنولوجيا إيرانيّة، جاء في إطار الخطّة الثأريّة الإيرانيّة لمقتل سليماني وزميله أبو مهدي المهندس ورفاقهما في هُجوم الطّائرة الأمريكيّة المُسيّرة قُرب مطار بغداد وبأمرٍ من الرئيس ترامب، فالعُلاقات بين إيران وحركة طالبان قويّة واستراتيجيّة في الوقتِ نفسه، ولا نستبعد أن يُؤدّي هذا التّعاون بين الجانبين إلى أعمالٍ انتقاميّة أخرى أكثر خُطورة، خاصّةً إذا علمنا أنّ حُكومة عمران خان الباكستانيّة حليفة الطالبان، أيضًا تُؤيّد هذا التّعاون، الأمر الذي دفع إدارة ترامب إلى وقف مِلياريّ دولار من المُساعدات سَنويًّا إليها بحُجّة عدم جديّتها في مُحاربة “الإرهاب” الطّالباني في أفغانستان.
الانتقام لاغتيال سليماني لم يبدأ بعد بالزّخم المُتوقّع، وما زال في مرحلة التّسخين، فالأذرع العسكريّة الحليفة لطِهران في اليمن ولبنان والعِراق وقطاع غزّة لم تَدخُل إلى الحلبة بعد، وقصف قاعدة “عين الأسد” كان مُجرّد صفعة قد تتلوها “لكَمات” مِثلَما أوحى السيّد علي خامنئي، المُرشد الأعلى الإيراني.
كذبة ترامب المُتعلّقة بضحايا الهجمات الصاروخيّة على “عين الأسد” قد تكون “بيضاء” بالمُقارنة بِما قد يتلوها من أكاذيب “سوداء” في المُستقبل المنظور، خاصّةً بعد أن اتّسعت دائرة أعداء أمريكا وكارِهيها بعد الكشف عن “صفقة القرن”، وبيع القضيّة الفِلسطينيّة لدولة الاحتِلال الإسرائيليّ بتَواطؤٍ عربيّ.. والأيّام بيننا.
بقلم: عبد الباري عطوان
المصدر: رأي اليوم