إستفاق الشارع الرياضي الايراني والاسيوي على قرار صادم ومثير للجدل الجمعة الفائتة، تحرم بموجبه أندية "برسبوليس" و"استقلال" و"شهرخودرو" و"سباهان" من إستضافة الفرق الاسيوية على ملاعبها وبين جماهيرها سالبا بذلك حق الاستضافة المشروع لكل اعضاء الاتحاد الاسيوي والاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" بدعوى افتقار الأمن وعدم سلامة الاجواء الايرانية والتوترات في المنطقة وذلك في أعقاب حادثة اسقاط الطائرة الاوكرانية في 8 يناير/كانون الثاني 2020، نتيجة خطأ بشري فردي تحملته ايران بكل مسؤولية.
الأدهى والأمر من الحادث ذاته، هو محاولة التشفي وتصفية الحسابات السياسية، على حساب واقعة انسانية بحتة، حيث إن وفجأة ودون سابق إنذار أضحت الاجواء الايرانية التي تمر بها الطائرات المدنية منذ عقود، غير آمنة ولا يعتد بسلامتها وكأنه الحادث الاول والاخير على مدى تاريخ صناعة الطائرات والرحلات الجوية التي لطالما شهدت كوارث عدة لا تعد ولا تحصى وبالتأكيد راح ضحياتها الالاف من البشر.
لطالما شكى العالم من التسييس بكافة مناحى الحياة اجتماعيا واقتصاديا ورياضيا حتى طال العلاقات الدولية. لكن الاكثر وقعا على النفس عندما يطال الرياضة بوصفها ظاهرة جميلة تقرب شعوب الارض، ولتكون جسرا يقرب الأناس بعيدا عن العرق والدين والاثنية والطائفية والمناطقية، ونجحت بذلك الى حد بعيد، لكن دهاليز السياسة والابواب المغلقة والمحسوبيات لم تدعها وشأنها مع الاسف، والامثلة هنا كثيرة لا مجال لذكرها لغزارتها.
لكن إلى ماذا أستند قرار الاسيوي بحرمان ايران من حق الاستضافة؟ ما المرجعية القانونية والدولية التي بنى عليه تقريره الصادم؟
كيف أستنتج واطلق حكما بعدم سلامة الاجواء والامن في ايران بالوقت الذي لم تصدر الجهات المعنية كمنظمة الطيران المدني الدولي "ايكاو" اي بيان بذلك؟
أو حتى لم تحذر السفارات الاجنبية في طهران رعايا بهذا الشأن؟
أليس من الاولى اذا كانت هذه السلامة غير متوفرة أن تسحب الامم المتحدة بعثاتها من ايران؟
أم هناك ثمة مآرب أخرى وراء هذا القرار؟
وهل مخاطبة بعض الاعضاء الاتحاد والمطالبة باللعب على أرض محايدة كافية لاصدار مثل هذا القرار المصيري دون غطاء قانوني دولي ليكون مسوغا ومقنعا؟
فاذا افترضنا جدلا أن الحادث يستدعي هذه الحرمان... لماذا لم يحظر الفيفا الاطراف الدولية المتهمة باسقاط الطائرة الماليزية في يوليو/تموز 2014 بالاجواء الاوكرانية وأودى بحياة 298 شخصا؟
لاجدال أن سلامة الطيران لا تحدد من قبل اتحاد كرة قدم، بل ثمة جهات معنية ورسمية مثل "الايكاو" و"أياتا" والامم المتحدة، من جهة ثانية وبحسب وكالة رويترز فان شركات طيران خليجية لاتزال تستخدم الاجواء الايرانية بعد الحادث منها القطرية والاماراتية والكويتية، فهل يعقل أن تمتنعان قطر والامارات عن اللعب في ايران ولا تُحظران شركاتهما من التحليق فوقها؟
وعلى الصعيد السياسي ألم يزر أمير قطر الشيخ تميم آل ثاني طهران بعد الحادث؟
ألم يصل وزير خارجية عمان يوسف بن علوي سالما غانما الى طهران اليوم 21 يناير/كانون الثاني؟
هذا الأمن في الجو ولكن قد يتساءل البعض ماذا عن الأمن على الارض؟
الامران سيان، فايران من آمن الدول بشهادة العديد من المختصين، وحافظت على هذا الوضع في خضم موجة أرهابية عاتية شهدتها المنطقة إبان الازمات في العراق وسوريا، اما التوترات مع الجانب الاميركي فانها ليست الاولى بل تمتد لاكثر من 40 عاما "فما بدا مما حدا" يستذكرها الاسيوي الان؟
ياسادة.. الاتحاد الايراني لكرة القدم تأسس عام 1946 وهو الاقدم في المنطقة، واستضاف عدة استحقاقات كروية دون مشاكل كما أن ايران استضافت دورة الالعاب الاسيوية عام 1974 وكأس أمم آسيا لكرة القدم بنسختي 1968 و1976، وحتى الامس القريب كانت تستقبل أندية آسيا بدوري الابطال برحابة، ناهيك عن الاستحقاقات الرياضية الاخرى بشتى المجالات في اللعبات الفردية والجماعية ولم تسجل حتى حالة واحدة تعكر صفو اجواء هذه البطولات.
إذا اين الخطر الذي ارتآه الاتحاد ولم نره نحن؟
الجواب متروك للاخوة في الاتحاد الذي بات مدعوا حقا لاعادة النظر في قراره وتعديل البوصلة وتحييد الرياضة عن اللوبيات والمحسوبيات ذات المصالح السياسية الضيقة، والتي غالبا ما يقف وراءها اصحاب أجندات، وذلك لتنقية كرة القدم من أي شائبة او شبهة تقوض مهنية الاتحاد أولا قبل كل شيء فهذا هو الخطر الحقيقي الذي ينسف الرياضية وليس مجرد حادث مع الاقرار بفداحته. أما الاندية الايرانية فقد أعلنت مبدأها لا للارض المحايدة مهما كلف الامر.