لماذا لم يلجأ السيد إلى استراتيجية هدم المعبد على مترفيها رغم أنهم استنفذوا الفرص التي منحت لهم ورغم أنهم كما وصفهم ربنا عز وجل (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ)؟!.
صدق الفتى سعد في لحظة زهو كارثية ما قاله فيلتمان وربما اعتقد أنه مستثنى من الإقصاء وأن الاستكبار العالمي أو حكومة العالم تراه رجلها في لبنان خاصة وأنه نفذ خلال الفترة الماضية أغلب ما طلب منه ولذا فقد أقدم على استقالته التكتيكية متصورا أنه يضمن العودة أقوى من قبل وأنه باق ويتمدد أو أن مستقبل تياره مضمون ومؤكد!!.
يحكي لنا القرآن قصة الجدار الذي كان يوشك أن ينهار (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ....).
ليس فقط يوشك أن ينهار فالجدار ذاته يريد أن ينقض ويتخلص من الحياة وسط أمة يهيمن عليها مترفوها وهم لا يعرفون لضعفائهم حقا ولا يقدمون لضيفانهم طعاما ولا قرىً.
انتابت نبي الله موسى عليه السلام الدهشة عن سر بناء الجداروتقديم معروف لجماعة أخلاقها فظة ورديئة لدرجة امتناعها عن القيام بواجب الضيافة لمن يستحقها فجاءه التفسير (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا).
إنها سياسة منع انهيار الجدار حماية لكنزتعود ملكيته لغلامين يتيمين في المدينة كان أبوهما صالحا رغم التدني العام لمستوى الأخلاق في تلك المدينة!!.
أليس هذا هو مستوى الأخلاق في أغلب مجتمعاتنا (الإسلامية)؟!.
هو كذلك وربما أسوأ.
الجدار هو بنياننا وكياننا الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي يحتم الواجب الأخلاقي بذل أقصى الجهد لمنع انهياره ولئلا نجد أنفسنا بحاجة إلى إعادة بنائه من نقطة الصفر (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا).
مجتمعاتنا رغم كل سوءاتها وخطاياها لم تعدم الآباء الصالحين وبها هؤلاء اليتامى الذين يحتاجون للوقت كي يكبروا ويشتد عودهم وأن ويستخرجوا كنوز الأمة المخبئة المهددة بالضياع إذا انهار البناء كليا.
لا يجوز شرعا ولا عقلا هدم البنى السياسية والاقتصادية والأخلاقية قبل إيجاد البديل ودعك من المبشرين بالخراب على طريقة (سيكون خرابا سيكون خرابا... هذي الأمة لا بد لها أن تتلقى درسا في التخريب)، مهما كانت روعة الأبيات أو ثوريتها فالثورة ليست مجرد هدم ناتج عن الغضب والانفعال بل لا بد أن تكون أيضا ثورة وخطط للبناء قائمة على العقل والوعي