وصلى الله على سيد رسله محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم - أيها الأكارم- ورحمة الله وبركاته واهلا بكم في برنامجكم هذا آملين أن تقضوا معه وقتاً طيباً مفيداً.
مستمعينا الاعزاء: لقد عرف عن آية الله العظمى المرعشي النجفي (رضوان الله تعالى) اهتمامه الكبير بجمع الكتب الاسلامية النافعة وخاصة النادرة منها منذ شبابه وذلك كي يستفيد منها الجميع، وكان (رحمه الله) يتحدث بأحاديث شيقة حول تقديره للكتاب وكيفية حصوله على بعض الكتب القيمة، ومنها انه قال في احد المجالس:
خرجت ذات يوم من المدرسة التي كنت اسكنها في النجف الأشرف - حينما كنت طالباً- متوجهاً الى السوق المتصل بباب الصحن العلوي الشريف واذا بامرأة جالسة تبيع بيض الدجاج فجئت إليها لشراء البيض واذا بكتاب بان منه قليل من تحت عباءتها فسألتها عنه فقالت: هو كتاب أبيعه، فاخذته منها واذا هو كتاب رياض العلماء للعلامة الميرزا عبد الله افندي وكانت نسخته فريدة، فقلت لها: بكم تبيعيه قالت: خمس روبيات فقلت لها يمكنني شراؤه بمئة روبية ولا أملك غيرها فوافقت ويضيف المرحوم آية الله العظمي المرعشي النجفي قائلاً: في هذا الحين حضر رجل دلال للكتب يشتري الكتب القديمة لمكتبة لندن ويسلمها للحاكم الانجليزي في النجف الأشرف، فتناول الكتاب من يدي بالقوة وقال للمرأة: انا اشتريه بأكثر وأخذ يزايدني على الكتاب، وحينئذ حولت وجهي الى جهة الحرم الشريف وخاطبت امير المؤمنين علي (عليه السلام)- قلت في نفسي: سيدي انت لا ترضى ان يخرج الكتاب من يدي وانا اريد ان اخدمكم به، واذا بالمرأة تقول لذلك الدلال: لا ابيعك الكتاب فانه لهذا السيد.
ويستمر المرحوم المرعشي النجفي (أعلى الله مقامه) في حديثه الشيق قائلاً: قلت للمرأة : قومي معي لأعطيك المبلغ فجاءت معي الى المدرسة وكان عندي عشرون روبية نقوداً وملابس منها جديد ومنها عتيق وساعة، أخذتها الى السوق واعطيتها لدلال للملابس فأخذ ينادي بها حتى باعها والمرأة معي وبين تارة واخرى تقول لي: يا سيد لقد اخرتني، وذلك الرجل كان يعطي النقود فوراً، فكنت حيناً لا اجيبها وحيناً آخر اقول لها: الآن الآن اصبري قليلاً، ولم تف النقود وقيمة الملابس والساعة بحسابها.
ورجعت مع المرأة الى المدرسة - ومازال الكلام للمرحوم المرعشي النجفي: فصرت اقترض من زملائي الطلبة خمس روبيات وعشر روبيات الى ان سددت المبلغ فذهبت المرأة وانا فرح مستبشر بشراء هذا الكتاب العظيم.
ونبقى - مستمعينا الاعزاء- مع المرحوم آيه الله المرعشي النجفي وحديثه حول قصته مع كتاب رياض العلماء للعلامة الميرزا عبد الله افندي (رحمه الله) النادر الوجود حيث قال: فما مضت الا ساعة جاء ذلك الدلال ومعه الشرطة وهجموا على المدرسة واخذوني معهم الى الحاكم الانجليزي وهو يتهمني بسرقة الكتاب، فأخذ يتكلم بلغته ويزمجر واظنه كان يسب ويشتم فأمر بسجني فسجنت تلك الليلة، وانا اتوسل الى ربي بحفظ الكتاب الذي اخفيته وفي اليوم الثاني بعث المرجع الأعلى -في ذلك الوقت- الحاج ميرزا فتح الله المشهور بشيخ الشريعة، والميرزا مهدي ابن الآخوند صاحب الكفاية جماعة الى الحاكم، وانتهت المباحثات الى اخراجي من السجن بشرط تسليم الكتاب الى الحاكم بعد شهر.
ويضيف رحمه الله قائلاً: أتيت الى المدرسة وجمعت زملائي الطلبة قائلاً لهم: ان هذا أهم عمل وخدمة للشريعة الاسلامية وهو ان تنسخوا الكتاب فوراً وهو جزءان الثاني والثالث من القطع الكبير من عشرة أجزاء، فأخذ الطلبة ينسخون ويقابلون وقبل المدة تم نسخ الكتاب والحمدلله، ولكني كلما فكرت في كيفية تسليمه الى الحاكم لم اتمكن فذهبت الى شيخ الشريعة وقلت له: انت مرجع المسلمين اليوم وهذا الكتاب الذي لا يوجد مثله في عالم المسلمين ويريد الانجليزي اخذه، فلما رأى المرجع الكتاب قام وجلس ثم قام وجلس - تقديراً واحتراماً لمؤلف الكتاب- وقال: هذا هو الكتاب؟ قلت: نعم ، فكبر الله وهلل واخذه مني ليبقى عنده حتى تنتهي المدة، ولكن قبل انتهائها قتل الحاكم الانجليزي بهجوم شعبي يتقدمه الحاج نجم البقال (رحمه الله) وبقي الكتاب عند الشيخ وبعده انتقل الى ورثته، وأما النسخة التي عندي فقد استنسخ منها اثنتي عشرة نسخة، ونسختنا اليوم في مكتبتنا العامة - في قم المقدسة- وأما تاريخ هذه القصة فبين عام 1340 و 1341 هجري قمري، وهكذا فان لنا قصصاً غريبة في تحصيل الكتب.
ومسك الختام - أيها الأعزاء-: جاء رجل الى الصحابي الجليل سلمان الفارسي (رضوان الله تعالى) قائلاً: يا عبد الله اوصني قال: لا تغضب. قال: لا اقدر، قال سلمان: فان غضبت فأمسك لسانك ويدك.
وحج احد الفقراء الى بيت الله الحرام ماشياً فتمزق حذاؤه والهبت حرارة الصحراء قدميه، فتابع سفره ساخطاً على سوء حظه الذي حرمه من مال يساعده على ركوب مطية حتى اذا وصل الى مكة رأى على احد ابوابها سائلاً مقطوع الساقين، فبكى واستغفر.
وفي الختام - أيها الأخوة .. أيتها الأخوات- نسأله تعالى أن يوفقكم وايانا لما يحب ويرضى انه سميع مجيب وشكراً لكم على حسن المتابعة.
وحتى اللقاء القادم نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.