والصلاة والسلام على محمد المصطفى وعلى آل بيته الطبين الطاهرين.
السلام عليكم مستمعينا الافاضل ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم في برنامجكم هذا آملين أن تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
مستمعينا الاعزاء نقل الحاج سليمان خان القاجار الذي كان حاكماً لمدينة سبزوار الايرانية أن احد أمراء أصفهان السابقين حكى له القصة التالية: فرت احدى الجواري التابعة لي من القصر والتجأت الى بيت العالم الرباني السيد محمد باقر الشفتي (رضوان الله تعالى) وبعد ايام أرسلها السيد الينا وبيدها رسالة يقول فيها:
لأجلي تجاوز عن هذه الجارية ان كانت مذنبة وأرجو أن تنصحوا حراسكم وخدمكم أن لا يؤذوها.
يقول الأمير المذكور: سألت الجارية ماذا رأيت في بيت السيد الشفتي هذه المدة؟
فقالت: لقد كان يقوم في منتصف الليل في ساحة المنزل باكياً ومصلياً واحياناً كان يضرب على رأسه حين البكاء والمناجاة، وفي الصباح يلبس عمامته ويضع عباءته على كتفه فتراه انساناً سوياً.
مستمعينا الكرام: ان الذي يتذكر مصيره في القبر ويتصور امامه حفرته التي سيرقد فيها يوماً ما شاء ام ابى ويتأمل في سفرته الطويلة الى الآخرة حيث يتم فيها الحساب والكتاب والثواب والعقاب، يوم ينشر الله وتعالى صحائف اعمال العباد (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره / ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره).
ان مثل هذا الانسان الذي يستحضر امام نفسه سفرة الآخرة من القبر الى الحشر ثم الجزاء فانه يصوغ نواياه وعمله في الدنيا وفق ما يرضي الله تعالى بدقة ومراقبة ورصد ومحاسبة، لذلك اتخذ العلماء الصالحون أسلوب تذكر الموت وما بعده وسيلة لترويض أنفسهم وتعميق التقوى في قلوبهم عملاً بقول الامام علي (عليه السلام): «أكثروا ذكر الموت فإنه هادم اللذات».
ومن هؤلاء العلماء المتقين كان المرجع الديني الورع المرحوم السيد ميرزا مهدي الشيرازي (أعلى الله مقامه) فقد حفر لنفسه قبراً في ساحة منزله، وكان كفنه على سجادة صلاته دائماً. فعندما كان يقوم بعد منتصف الليل ليؤدي صلاة الليل، يلبس الكفن أولاً فينزل داخل القبر ويحدث نفسه قائلاً: يا ميرزا مهدي اعتبر نفسك الآن ميتاً وهذه حفرتك التي يدفنونك فيها شئت ام ابيت، قل لي من يفيدك هنا غير عملك الصالح؟ فلم لا تستزيد منه ولماذا تغفل عن مصيرك هذا، ولم لا تمهد لرقدتك هذه....
ويبقى (رحمه الله) يردد ذلك ويكرره ويبكي ثم يتلو الآية الشريفة: «حتى اذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون / لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا انها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون».
ثم يوبخ نفسه قائلاً: اسكت انك لا تستحق العودة الى الحياة فقد ضيعت الفرص التي منحها الله لك. ولكنه يعود ويتوسل ويتعهد ان يعمل صالحاً فيقول لنفسه:
«قم واخرج لقد سمحنا لك هذه المرة بالعودة واياك ان تعود الى حفرتك وانت خالي اليدين من الباقيات الصالحات».
وهكذا يقوم خارجاً من القبر مؤتزراً كفنه وهو يشكر الله تعالى على منحه فرصة الحياة ونعمة العودة لاكتساب الحسنات.
مستمعينا الاكارم: تحت عنوان - في مدرسة الأتقياء- كتب احد العلماء قائلاً: عالمان كبيران هما المرحوم الملا عبد الله التستري والمرحوم المقدس الأردبيلي (أعلى الله مقامهما) جمعهما مجلس كان يحضره جمع من الناس، فتقدم الملا عبد الله بسؤال الى المقدس الأردبيلي فرد عليه قائلاً: سأجيبك فيما بعد، ولما انتهى المجلس أخذ بيد الملا التستري ومشى معه صوب الصحراء - في أطراف القرية- فشرح له جواب سؤاله فاقتنع به التستري بعد نقاش خفيف.
ولكنه عاد وقال: لماذا لم تجبني في المجلس بحضور الجمع؟
فقال المقدس الأردبيلي: لو كنا نناقش الموضوع هناك لكنت انا وانت معرضين لهوى النفس لأن كل واحد منا كان يريد الانتصار لرأيه وكنت اخشى أن يغلب علينا العجب فيحاول كل منا التفوق لذاته فيتحكم فينا حينئذ الرياء وحب الظهور ونكون بذلك أقرب الى المعصية منا الى الطاعة والقربة الى الله عزوجل، واما في الصحراء حيث لا احد معنا سوى الله تعالى فلا مجال للشيطان ولا أرضية للرياء ووسوسة النفس.
ونختم البرنامج - مستمعينا الاعزاء- بما يلي: في احد سني الحج ضاع من آية العظمى السيد عبد الأعلى السبزواري (رضوان الله تعالى) بعض متاعه وجواز سفره وما كان يحمل من مال ونقود، وكان ملفوفاً في قطعة قماش، فذهب الى بيت الله الحرام مباشرة، وقام يصلي صلاة الجثوة وهي صلاة جعفر الطيار (عليه السلام) وتوسل الى الله تعالى طالباً منه الحل لهذه المشكلة وبينما هو كذلك واذا به يفاجأ بشاب نوراني الوجه أقبل اليه يناديه باسمه السيد عبد الأعلى، هذا ما تبحث عنه؟! فأعطاه القماش الملفوف وفيه تلك المحتويات كلها، وعندما انتبه السيد من دهشته لم ير أثراً لذلك الشخص.
وختاماً - أيها الأفاضل- نشكركم على حسن المتابعة وجميل الاصفاء. وحتى اللقاء القادم نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.