وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ـ ايها الاكارم ـ ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا آملين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً ...
مستمعينا الاعزاء ـ لقد كان من آيات المولى سبحانه وتعالى التي تجلت في وليه المقدس العباس بن علي بن ابي طالب(ع) ان جمعت فيه الكثير من صفات جده وابيه من باس وشجاعة وإباء ونجدة وسؤدد وكم وماثة في الخلق وعطف على الضعيف، اضافة الى البهجة في المنظر ووضاءة في المحيا من ثغر باسم ووجه طلق يطفح عليه نور الايمان ورواء الجمال، كما كانت تعبق من اعراقه فوائح المجد متأرجة من طيب العنصر ولما تطابق فيه الجمال الصوري والمعنوي قيل له قمر بني هاشم.
وكان من معالي اخلاق ابي الفضل العباس(ع) الوفاء الشديد لامام زمانه اخيه الحسين(ع) ولدينه ولمبادئه حيث ضحى بنفسه الطاهرة دفاعاً عن الحق والى ذلك يشير شارح ميمية ابي فراس:
بذلت أيا عباس نفساً نفيسة
لنصر حسين عز بالنصر من مثل
ابيت التذاذ الماء قبل التذاذه
فحسن فعال المرء فرع عن الاصل
فأنت اخو السبطين في يوم مفخر
وفي يوم بذل الماء انت ابو الفضل
لقد بلغ العباس(ع) اسمى منزلة بوفائه وتضحيته حيث خاطبه الامام الصادق(ع) في الزيارة المخصوصة به التي رواها ابو حمزة الثمالي قال: "السلام عليك ايها العبد الصالح" وكما تعلم ـ مستمعي الكريم ـ فان صفة العبودية لله تعالى هي من ارقى مراتب الانسان الكامل المطيع لله ولرسوله(ص)، ولولا ان هذه الصفة اسمى الصفات التي يتصف بها العبد لما خص الله تعالى انبياءه بها فقال سبحانه: «وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله» (البقرة، 23). وقال تعالى: «سبحان الذي اسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى» (الاسراء، 1). وقال عز شأنه: «واذكر عبدنا داود ذا الايد انه اوَّاب» (سورة ص، 17).
مستمعينا الافاضل ـ لقد ورثت سيدتنا العقيلة زينب(ع) خلق التضحية والايثار والصبر من اسرتها العظيمة منذ نعومة اظفهارها، روي ان ضيفاً دخل على أمير المؤمنين علي(ع) ولم يكن في البيت أي طعام فقال علي(ع) لفاطمة الزهراء(ع) الا يوجد لدينا بعض الطعام؟ فقالت(ع): لا يوجد لدينا طعام الا قرص خبز واحد ادخرته لابنتي زينب، فسمعت زينب(ع) بذلك ـ وكان عمرها آنذاك لا يتجاوز الخمس سنوات فقالت لوالدتها: امَّاه اعط نصيبي من الخبز للضيف، وساصبر.
أجل ـ مستمعي العزيز ـ ان التقوى وطهارة النفس من الكمالات والقيم العالية التي ركز عليها القرآن الكريم، وقد وصلت السيدة زينب(ع) طبقاً لبعض الشواهد الى درجة رفيعة من درجات التقوى وكانت في جميع ابعاد حياتها الشريفة تدور في دائرة التقوى الالهية، وطهارة نفسها كانت تكمن في زهدها وسخائها وصبرها ورباطة جأشها عند المصائب والبلايا وقد بلغت(ع) من الفضل والتقوى وطاعة الله تعالى وطاعة رسوله والائمة(ع) مبلغاً عظيماً فلما كان يوم عاشوراء وفي الساعة التي جلس فيها الملعون شمر على صدر الحسين(ع) وهو يجود بنفسه، في تلك الساعة العصيبة التي يكاد ان يفقد فيها الانسان صوابه حينما يرى الامام الحسين(ع) اخته وهي مقبلة عليه امرها ان ترجع الى خيمتها وان ترعى اهله وعياله، فامتثلت لامره طائعة فرجعت وهي تنظر اليه كي لا ينقطع بصرها عن رؤية وجهه الشريف، وعلى هذا سميت(ع) بالصديقة الصغرى وعلى هذا الاساس اعطاها الامام الحسين(ع) النيابة الخاصة لفترة من الزمان وهذه المرتبة العظيمة لا تليق الا بمن كانت لها نفس طاهرة ووقفت على دائرة العصمة، ونيابة الحسين(ع) الخاصة التي وكلها الى اخته(ع) ظهرت حينا اوكل الامام السجاد(ع) الامور في الظاهر ولمدة من الزمان لعمته زينب(ع) وذلك حفاظاً على روحه الشريفة، فكانت هي الواسطة المباشرة بين الامام الحسين والناس وكانت بذلك تحمل ثقل اسرار الامامة والوصاية.
وفي ختام البرنامج نشير بصورة موجزة الى صورة رائعة من صور التضحية والفداء التي تميز بها اصحاب الحسين(ع) فكان خلقهم الوفاء العظيم الذي قل نظيره، فقد روي ان ابن مسعود النهشلي ـ وهو احد اقطاب البصرة التابعين لآل الرسول ومن الشيعة المخلصين ـ ارسل بكتاب الى الامام الحسين(ع) يبدو منه انه يشير فيه الى تهيئته مع جماعة من البصريين لنصرته، وقد حمل الرسالة الحجاج بن زيد السعدي وصحبه "قعنب بن عمرو النمري" ووصلا كربلاء وبينما هما يطلعان على الوضع اذ اصر كل منهما على ان لا يعود لارجاع الخبر في حين ان الرجوع بالخبر عذر مستساغ فلابد للرسول من اتمام مهمته بان يرجع بالجواب وينقل ما اطلع عليه، بيد انهما بقيا ولم يرجعا قط كيلا يفوتهما الجهاد بين يدي الامام الحسين(ع)، السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين ورحمة الله وبركاته.
وختاماً ـ ايها المؤمنون ـ شكراً لكم على حسن المتابعة وحتى اللقاء القادم نستودعكم الله والسلام عليكم.