وصلى الله على خير البشر محمد الصادق الامين وعلى آله الابرار الميامين.
السلام عليكم ـ مستمعينا الافاضل مستمعاتنا الفاضلات ـ ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا آملين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
مستمعينا الاعزاء ـ كان السيد المرتضى علم الهدى(رض) من اجلاء علماء الامامية وكانت له قرية تعود ملكيتها اليه شخصياً، فاوقف منافعها وعائداتها الى مصرف شراء الورق لتأليف وطباعة كتب العلماء، وكان هذا العالم الرباني في درجة من الكرم والعطاء بحيث يقصده الكثير من المحتاجين والفقراء من غير الشيعة وغير المسلمين ايضاً. واما مجلسه فكان مفتوحاً للضيوف والواردين عليه باستمرار، وقد سئل مرة ابو العلاء المعري الشاعر العربي الشهير وهو عائد من العراق: كيف وجدت السيد المرتضى؟ فانشد قائلاً:
يا سائلي عنه لما جئت تسأله
الا هو الرجل العاري من العاري
لو جئته لرأيت الناس في رجل
والدهر في ساعة والارض في دار
كان الشيخ سليمان الدرازي (رحمه الله) مع اشتغاله بالتدريس وملازمته العلم والتعليم مشغولاً بالتجارة ايضاً وكان جواداً كريماً في الوقت نفسه، وكان يصلي اماماً للجماعة في مسجد قرية القدم، فاذا كان وقت الغوص واتت سفن اهل القرية مضى الشيخ واشترى جميع ما عندهم من اللؤلؤ والاقمشة، وكان تجار البحرين آنذاك الذين يشترون اللؤلؤ يقصدون بيت الشيخ حيث ان اهل القرية لا يبيعون لاحد غيره، فكان الشيخ يبيع ذلك عليهم بالمرابحة والقسمة بينهم بحيث لا يرجع احد منهم خائباً.
ومن عجائب تقوى الشيخ ـ رحمه الله ـ انه كان رجل من قرية بني جمرة وهي قرية قريبة منهم قد باع الشيخ لؤلؤة كبيرة بقيمة زهيدة ولكنها مجهولة غير مصطلحة، وحصل ان الشيخ اعطاها من يصلحها فصارت جيدة فباعها بما يقرب من خمسين توماناً "وهو النقد الايراني الرائج في ذلك العصر" وهو مبلغ معتد به في ذلك الوقت، فلما جاء البائع من الغوص قال له الشيخ: ان اللؤلؤة التي اشتريناها منك قد بيعت بهذا الثمن وانا انما اخذتها منك بسعر زهيد، فأنا آخذ رأس مالي من هذا الثمن، والباقي لك. فامتنع الرجل وقال: اني بعتك والمال مالك، ولو ظهرت فاسدة فنقصها كان عليك، وبناءً على هذا فان الزائد من البيع هو ربح خالص لك ايها الشيخ. ولكن الشيخ سليمان الدرازي امتنع من القبول حتى حكم شخص صالح بينهما بان قسم الثمن بين الشيخ والرجل.
نعم ـ مستمعي العزيز ـ هكذا تتصرف اللآلئ المعنوية والرجال الاتقياء، فالشيخ (طيب الله ثراه) كان لؤلؤة انسانية يتاجر باللآلئ الدنيوية من اجل خير الجميع والانصاف معهم.
مستمعينا الاعزاء ـ طلب طاغية بني امية "هشام بن عبد الملك" طاووس اليماني يوماً الى مجلسه فلما دخل عليه لم يسلم عليه بامرة المؤمنين ولكن قال: السلام عليك يا هشام وجلس بازائه وقال: كيف انت يا هشام؟ فغضب الطاغية غضباً شديداً وقال له: يا طاووس، ما الذي حملك على ما صنعت؟ قال: وما الذي صنعت؟ فازداد هشام غضباً وغيظاً وقال: خلعت نعليك بحاشية بساطي، ولم تسلم عليَّ بامرة المؤمنين ولم تكنني وجلست بازائي بغير اذني وقلت: كيف انت يا هشام. فقال طاووس اليماني (رحمه الله) اما ما فعلت من وضع نعلي بحاشية بساطك فاني اضعها بين يدي رب العزة كل يوم خمس مرات، واما قولك: لم تسلم عليَّ بامرة المؤمنين فليس كل الناس راضين بامرتك فكرهت ان اكذب، واما قولك جلست بازائي فاني سمعت امير المؤمنين علياً(ع) يقول: "اذا اردت ان تنظر الى رجل من اهل النار فانظر الى رجل جالس وحوله قوم قيام" .. فقال هشام "متظاهراً بالصلاح": عظني: فقال طاووس: سمعت امير المؤمنين علياً(ع) يقول: ان في جهنم حيَّات كالقلال ـ والقلال: اعمدة ترفع بها الكروم عن الارض ـ وعقارب كالبغل تلدغ كل امير لا يعدل في رعيته. ثم قام.
روي ان قضية رفعت لمحمد بن بشير قاضي قضاة الاندلس ضد الوزير ابن فطيس، فاستمع للمدعي ثم استمع للشهود بعد ان استوثق منهم، وبعد ذلك ابرم الحكم ضد الوزير، فطالب الوزير بان يعرفّه بالشهود لان هذا من حقه، ولكن القاضي رفض ذلك فاستشاط الوزير غضباً، ورفع الامر الى الحكم بن هشام متظلماً فكتب اليه يعاتبه فقال له محمد بن بشير: ليس ابن فطيس ممن يعرف بمن شهد عليه لانه ان لم يجد سبيلاً لتجريحهم لا يتحرج من ايذائهم في انفسهم واموالهم ـ ولا يعدم الوسيلة لذلك ـ مما يجبرهم على ترك الشهادة هم ومن يتأسى بهم وبهذا تضيع حقوق الناس واموالهم فاقرَّه الخليفة على ذلك.
وفي الختام ـ ايها الافاضل ـ نشكركم على حسن المتابعة جميل الاصغاء ونتمنى لكم كل خير. وحتى اللقاء القادم نستودعكم الباري تعالى الذي لا تضيع ودائعه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.