وصلى الله على سيدنا وحبيب قلوبنا محمد المصطفى وعلى آله الميامين ...
السلام عليكم ... ـ مستمعينا الافاضل ـ ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا نرجو ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً ...
مستمعينا الاعزاء ـ لقد كان آية الله السيد محمد باقر الدرجئي(رض) آية في العلم والورع والبساطة وصفاء الروح وعدم الاكتراث بالامور الدنيوية، يقول احد تملامذته: دعاه احد التجار الاثرياء مع عدد من العلماء والطلبة، ومد مائدة وسيعة انيقة عليها انواع الاطعمة الفاخرة اللذيذة ولكن السيد كعادته اكتفى بتناول شيء قليل منها، ثم بعد الانتهاء وغسل الايدي، قدم صاحب الدعوة ورقة للسيد وطلب منه كتابة كلمة فيها تأييد له في امر ما، وفهم السيد الدرجئي(رض) ان هذه الوليمة كانت مقدمة لامضاء الورقة وما يدعم للرجل الثري موقفه في مخاصمته مع شخص آخر ففيها اذاً شبهة الرشوة، ومن هنا تغير لون السيد وارتعدت فرائصه وقال: أي اساءة اسأتها اليك حتى وضعت هذا الزقوم في حلقي؟! لماذا لم تأت بهذه الورقة قبل الأكل حتى لا الوث نفسي بهذا الطعام؟! ثم نهض السيد "رحمه الله" مضطرباً وخرج الى المدرسة وجلس عند الحديقة المقابلة لغرفته ووضع اصبعه في فمه حتى استفرغ ما اكله، وبعد ذلك تنفس الصعداء وهذه الحالة كانت ديدنه عند كل مناسبة يشعر فيها ان اللقمة التي اكلها مشتبهة بـ: "ميكروب الحرام".
مستمعي الكريم ـ اذا منحك الباري تعالى مقاماً في الدنيا ورفع شأنك بين الناس فلا تنس اصدقاءك بالامس. هذا ما جسده المرجع الكبير آية الله العظمى السيد محمد كاظم اليزدي(رض) عندما حاز في النجف الاشرف على رئاسة المسلمين الشيعة في العالم الاسلامي وكان قد هاجر في بداية شبابه من مدينته يزد الايرانية برفقة صديقه وزميله آية الله الشيخ ملا عباس المشهور بـ"سيبويه" (رحمه الله).
وقد جاور السيد اليزدي مرقد امير المؤمنين علي(ع) في النجف الاشرف بينما جاور الشيخ سيبويه مرقد الامام الحسين(ع) في كربلاء المقدسة، فكان السيد اليزدي عندما يأتي الى كربلاء لزيارة الحسين والعباس "عليهما السلام" يعرج على زيارة صديقه الشيخ سيبويه ايضاً فيعانقه بشدة ويقول له: ايها الصديق الشفيق انا لا انسى تلك الصداقة التي كانت بيننا في يزد واني احب ان اجلس معكم وقتاً طويلاً ولكن البلاء الذي ابتليت به وهو "الرئاسة" يمنعني عن ذلك لكثرة المسؤوليات وقلة الوقت ولكنني رغم هذا فانا نفس ذلك الصديق الاول لم يغيرني شيء.
اجل ـ مستمعي العزيز ـ انه مثال الوفاء والتواضع وذلك من دروس الاخلاق الاسلامية التي ما احوجنا اليها اليوم وفي كل زمان ومكان.
لقد كان آية الله العظمى الشيخ بهجت في شبابه طالباً مجداً وقاد الذهن دقيق النظر قليل الكلام ولكنه في حلقة الدرس شديد النقاش بحثاً عن حقيقة العلم، فقد حضر درس المرجع الراحل السيد الشاهرودي (رحمه الله) في النجف الاشرف ودخل معه في نقاش علمي حتى نهاية الوقت من غير نتيجة لصالح احدهما وفي اليوم الثاني وبينما كان بعض الطلبة ـ ممن لم يتأدبوا بآداب الاسلام بعد ـ يستهزئون بنقاش الشيخ بهجت ويستصغرون شأنه دخل السيد الشاهرودي المسجد فسمعهم فقال لهم اصغوا جيداً ولا تستعجلوا. فهدأ الحاضرون ورفعوا اعناقهم وفتحوا آذانهم ليسمعوا قول الاستاذ، واذا بهم يسمعونه قائلاً: لقد طالعت البارحة في كتاب تقريرات بحث الآخوند الخراساني وهو من كبار المجتهدين الاعلام فوجدت الحق مع الشيخ بهجت.
نعم ـ مستمعينا الاعزاء ـ والى جانب هذه القابلية العلمية فقد عرف سماحة آية الله الشيخ محمد تقي بهجت "دام ظله" بمقاماته الروحانية وزهده الكبير وتواضعه وتقواه حتى ان المرحوم آية الله الشيخ مرتضى الحائري (رحمه الله) كان ينقل ان الشيخ بهجت لشدة نقاشاته العلمية الثاقبة في درس المرجع الراحل السيد البروجردي(رض) كان يكسب رأي الاستاذ الى رأيه اكثر من مرة، وأخذ يشتهر في الحوزة العلمية بقدرته العلمية فيشار اليه بالبنان في مجالس العلماء، فما ان علم الشيخ عنه حتى غاب عن درس السيد البروجردي، فسأل السيد عنه وتفقد حاله وبعد ايام عاد الشيخ يحضر الدرس ولكنه لم يناقش فتعجبنا من سكوته وصمته وطلبنا منه ان يفتح باب السؤال والجواب واثنينا على نقاشاته المفيدة لكنه رفض فظننا ان بعض المتعصبين ربما هدده بان مناقشة السيد المرجع يعتبر نوعاً من الجسارة على مقام المرجعية، ولكن الحقيقة ظهرت فيما بعد وهي بان الشيخ كان يريد الفرار من الشهرة وان لا يشار اليه بالبنان في الوسط العلمي. اجل ـ مستمعي الكريم ـ لقد كان سماحة الشيخ ـ حفظه الله تعالى ـ صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لامر مولاه.
وفي الختام ـ ايها الاعزاء ـ نشكركم على حسن المتابعة وجميل الاصغاء وندعو الباري تعالى ان يوفقكم لكل خير انه سميع مجيب.
وحتى اللقاء القادم نستودعكم الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.