وصلى الله على حبيبه محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المخلصين...
السلام عليكم ـ مستمعينا الاكارم ـ ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا نرجو ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً ...
مستمعينا الاعزاء ـ روي ان آية الله السيد احمد حجت الكابلي انتقل بعد ان انهى دراسته في حوزة مشهد الى حوزة قم ثم انتقل في دروسه العليا الى حوزة النجف الاشرف وبلغ درجة الاجتهاد في فقه الشريعة الاسلامية وقرر العودة الى افغانستان لخدمة المسلمين من اهل الوطن الا ان البعض اقترح عليه عدم الذهاب الى افغانستان بسبب الظلم والاضطهاد للشيعة في ذلك الوقت وقال له مثلك بهذه الدرجة العلمية ان ذهبت الى هناك فستظلم وتهضم ولا احد يعرف منزلتك، بينما اذا بقيت في النجف فقد تصلك المرجعية فتصبح رئيساً للمذهب، او اذا سافرت الى ايران او الهند اصبحت مرجعاً محترماً، فقال السيد احمد: اما النجف الاشرف فمليئة بالفقهاء والعلماء، وليس هناك حاجة اليَّ، وامَّا ايران فيوجد في كل زقاق من ازقتها عالم واما الهند فهي مستعمرة من مستعمرات الانجليز وانا اكره ان اعيش تحت سيطرة الكفار، واضاف قائلاً: اعود الى وطني لاخدم اهل تلك الديار المحرومة مادياً ومعنوياً فلعلي تمكنت من اعلاء أذاننا فوق المنائر وفكرنا فوق المنابر، وبعده لا يهمني كيف اعيش مادياً او ان احصل على احترام ومنصب.
مستمعينا الافاضل: بعد سيطرة حكومة الاستكبار البريطاني على العراق عام 1335هـ تقريباً ارادوا ان ينتقموا من اهالي النجف الاشرف لانهم حاربوا جيش الاحتلال وقاوموا سيطرة المستعمرين، ففي محاولة لفصل العلماء عن الناس جاء الحاكم البريطاني الى آية الله العظمى السيد محمد كاظم اليزدي(رض) صاحب كتاب "العروة الوثقى" المعروف قائلاً: ان الحكومة ترجوك ان تخرج الى الكوفة لانها تريد تأديب اهالي النجف فأجابه السيد: هل اخرج انا وحدي او مع اهل بيتي؟ قال الحاكم: مع أهل بيتك "ويعني عائلته" فقال السيد اليزدي(رض): اهالي النجف كلهم اهل بيتي، واني لن اخرج ابداً فما يصيبهم يصيبني. وبهذا الموقف البطولي الرائع دفع السيد محمد كاظم اليزدي(رض) شر المستكبرين البريطانيين عن اهالي النجف الاشرف واثبت جماهيريته وشهامته وحكمته، وهي لا تؤتى الا لمن اطمأن قلبه بذكر الله تعالى ولم يخشَ احداً الا الخالق عز وجل.
مستمعينا الافاضل ـ كتب المرحوم العلامة الشيخ محمد جواد مغنية عن الفقيه الزاهد الشيخ حسن الممقاني "اعلى الله مقامهما" قائلاً: قدم هذا الشيخ مثلاً رائعاً في نكران الذات والاستخفاف بكل ما يتصل بمنافعه الشخصية من قريب او بعيد.. فلقد اتته الشهرة بعد الخمول والغنى بعد الفقر فزهد بالجاه والمال وانبذ نفسه بالاسلوب الذي عاشه وهو طالب فقير ولم يخرج منه الى الترف والملذات والكبرياء والاستعلاء بل ازداد للناس تواضعاً ومن الله خوفاً. وكان الشيخ الممقاني(رض) يوزع على الفقراء والمحتاجين كل ما يصل الى يده من اموال الحقوق الشرعية ولا يبقي لنفسه وعياله منها شيئاً وكانت تبلغ خمسين الف تومان في السنة او تزيد، وكان اذا جاءه حق في الليل يوزعه في ساعته ولا يبقيه الى الصباح وكان يقول: من كان أميناً على مال الله فليس له ان يأخذ منه شيئاً لنفسه حتى لضرورة العيش لان الاخذ لها يجره الى الاخذ للتوسعة ثم يؤدي به هذا الى اقتناء الاملاك والعقارات.
وهنا سؤال يفرض نفسه: من أين كان يعيش هذا الشيخ مع تعففه عن الحقوق؟ قال ولده الشيخ عبد الله في ترجمته: كان يقنع بما يأتيه بعنوان الهدية، وحتى الهدية كان يوزع قسماً منها على الطلاب، وكانت حياته الشريفة بعد المرجعية والرئاسة كما كانت قبلها، لم يتغير شيء من مأكله وملبسه ومسكنه وسائر معاملاته فكان يسكن في دار متواضعة بالايجار واهداه احد المؤمنين الاثرياء مبلغاً من المال ليشتري به داراً فوزعه على الفقراء ولما عاتبه صاحب المال قال: لقد اشتريت داراً في الآخرة لا تفنى، وقيل له اتبقي اهلك بلا مسكن بعدك؟ فقال "رحمه الله" الله تعالى لأهلي، وها انا لا املك شيئاً وكثيرون غيري لا يملكون دوراً.
وربما كان عمل هذا الشيخ القديس من باب الاحتياط لدينه كما هو شأنه في جميع اموره، وقد عرف الناس من سيرته انه كان يحذر ويخاف من هوى نفسه، تماماً كما يحذر ويخاف من عدوه، وكان يمنع ارباب العمائم من تلاميذه وغيرهم ان يمشوا خلفه تعظيماً لشأنه.
وفي الختام ـ ايها الاعزاء ـ نشكركم على حسن المتابعة وجميل الاصغاء ونسأله تعالى ان يجعلنا من المقتدين باولئك العلماء الابرار الاخيار انه سميع مجيب.
وحتى اللقاء القادم نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.