والصلاة والسلام على محمد المصطفى وعلى آله الاتقياء الميامين ...
السلام عليكم ... مستمعينا الكرام ـ ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا آملين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً ...
مستمعينا الاعزاء ـ بالاضافة الى الجهود التي كان الحاج العارف رجب علي الخياط(رض) يبذلها بشكل مباشر او غير مباشر للاحسان الى الناس وحل مشاكلهم فانه كان يستقبل الناس في داره المتواضعة في المناسبات المختلفة وخاصة في الاعياد الدينية، وكان(رض) يولي اهمية خاصة لاهل الايمان من الاحسان واطعام الطعام وكان يوصي على الدوام بالسعي لبسط مائدة الاطعام في الدار وكان يرى ان تقديم ثمن ذلك الطعام الى المحتاجين ليشتروا به طعاماً لانفسهم لا يحمل خاصية الاطعام نفسه. قال الدكتور فرزام ـ وهو احد المقربين من الشيخ الخياط، كان اطعام المساكين والفقراء من جملة الامور التي يوصي بها الشيخ على الدوام وفي احدى المرات قلت له: لماذا لا تقدم المال بدل الطعام؟
فقال "رحمه الله": لا، ان تقديم الطعام شيء آخر واثره اكبر وكان الجميع يعلمون ان سماحة الشيخ يقدم في النصف من شعبان وجبة طعام مكونة من الرز والدجاج وكان الخاص والعام يأتون ويجلسون على البسط المهللة المفروشة في داره ويتناولون من مائدة احسانه، وكان يحترم الضيف كثيراً ولا يتوانى عن اطعامه واكرامه وكان تأكيد الشيخ لاهمية اطعام أهل الايمان وبسط مائدة الاحسان في الدار والتقيد بآداب الضيافة، في وقت كان هو يعاني فيه من ضائقة مالية.
مستمعينا الاكارم ـ ينقل ان المرحوم آية الله السيد حسين حجت الكوه كمري(رض) وهو احد تلامذة العلامة صاحب كتاب الجواهر، ومن المجتهدين المشهورين الذين كانت لهم حوزة دراسية ممتازة كان في كل يوم يأتي في ساعة معينة الى احد مساجد النجف الاشرف للتدريس، وكما هو معلوم فان حوزة التدريس تضم بالاضافة الى دروس الفقه والاصول مقام الرئاسة والمرجعية غالباً والمرجعية بالنسبة الى اكثر طلاب العلوم الدينية تعتبر تحولاً كبيراً في حياتهم لان العالم الديني بمجرد ان يتحول الى مرجع فان رأيه يصبح مطاعاً لدى مؤيديه، ومن الناحية الاقتصادية يكون لديه الاختيار التام في الحقوق الشرعية ضمن الضوابط التي حددها الدين بالطبع فالعالم الذي ينال مرتبة التأهل للمرجعية اذن يكون قد قطع مرحلة حساسة من تأريخ حياته وكان المرحوم السيد حسين الكوه كمري قد وصل الى هذه المرحلة، وفي يوم من الايام كان قادماً من مكان لرؤية احد الاشخاص، ولاحظ انه لم يبق لوقت تدريسه سوى نصف ساعة ففكر مع نفسه انه اذا ذهب بهذا الوقت القصير الى منزله فقد يفوت عليه وقت الدرس فصمم على الذهاب الى مكان الدرس وانتظار طلابه، ولما وصل الى المكان المخصص شاهد في اقصى المسجد شيخاً متحمساً يجلس بين طلابه وهو يلقي عليهم درسه، انصت المرحوم السيد حسين الى حديثه فشعر ان هذا الشيخ الذي لا يجلب الانتباه محقق من الطراز الاول، وفي اليوم التالي قرر السيد المجيء الى المسجد مبكراً عن عمد ليستمع الى هذا الشيخ المحاضر، وناله العجب مما سمع واخذ في كل يوم يأتي في الوقت المعين ليستمع اكثر حتى حصل له اليقين بان هذا الشيخ افضل منه في العلم والبيان والابداع وانه بنفسه يستفيد منه شيئاً جديداً، وطلابه سوف يستفيدون من هذا الشيخ اكثر مما يمكن ان يستفيدوا منه، وهكذا وجد نفسه في صراع بين الآخرة والدنيا فالآخرة تقتضي التسليم للافضل، والدنيا تقتضي العناد وحب الذات، ولكنه في اليوم التالي وعندما اكتمل عدد طلابه افتتح السيد حديثه قائلاً: أريد اليوم ان احدثكم في موضوع جديد وهو ان هذا الشيخ الذي يجلس في اقصى المسجد مع تلك المجموعة من الطلاب اقدر مني على التدريس واكفأ مني به، وانا ايضاً ممن يستفيد منه، ويحسن بنا جميعاً ان نجلس منه مجلس الطلاب الى استاذهم وانتقلوا جميعاً الى حلقة درس ذلك الشيخ المتواضع الذي تبدو عليه آثار الفقر ولم يكن ذلك الشيخ ـ مستمعينا الافاضل ـ سوى من عرف فيما بعد باسم آية الشيخ مرتضى الانصاري(رض) وهو من اهالي مدينة شوشتر الايرانية والذي نال لقب استاذ المتأخرين، وكان الشيخ قد عاد تواً من سفر دام عدة سنوات الى مشهد واصفهان وكاشان وحمل من سفره هذا ثروة علمية ضخمة وخاصة من دروس المرحوم الملا احمد النراقي(رض)، وهكذا مستمعي الكرام ـ فان كل انسان مثل هذا السيد الكوه كمري يمتلك ارادة التسليم لمقتضيات الآخرة فانه يغدو مصداقاً لمن اسلم وجهه لله تعالى.
وفي الختام نسأله تعالى ان يجعلنا من المقتدين بمحمد وآله الاطهار(ع) وباصحابه واتباعه العلماء الربانيين الاخيار انه سميع مجيب.
وشكراً لكم ايها الاعزاء ـ على حسن المتابعة وحتى اللقاء القادم نستودعكم الله تعالى والسلام عليكم.