السلام عليكم أيها الأحباء ورحمة الله، أهلا بكم في لقاء اليوم من برنامجكم هذا ندعوكم فيه لوقفة تأملية في طائفة من الأحاديث الشريفة التي تدعونا إلى خلق كريم هو مداراة الناس بما يعنيه من لين معاملتهم وتحمل الجفاء منهم طلبا إلى عدم نفرتهم عن الحق وسعيا لجذبهم إليه. تابعونا على بركة الله.
تصرح الأحاديث الشريفة بأن هذا الخلق الكريم هو خلق نبوي لا ينبغي للمؤمن أن يغفل عن التحلي به قربة إلى الله عزوجل وتأسيا بنبيه الأكرم – صلى الله عليه وآله –، فهذا من أركان صفات المؤمن.
لاحظوا أحباءنا ما روي في كتاب الكافي عن إمامنا علي الرضا – عليه السلام – أنه قال: "لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث خصال: سنة من ربه وسنة من نبيه وسنة من وليه. فأما السنة التي من ربه فكتمان سره، قال الله عزوجل "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول" وأما السنة من نبيه فمداراة الناس فإن الله عزوجل أمر نبيه – صلى الله عليه وآله – بمداراة الناس فقال: "خذ العفو وامر بالعرف" وأما السنة من وليه – يعني الإمام عليه السلام – فالصبر في البأساء والضراء".
ويستفاد من الأحاديث الشريفة الأمر بهذا الخلق حتى مع أعداء الله دفعا لشرورهم وسعيا لفتح قلوبهم على الحق، وتعتبر مداراتهم من أفضل الصدقة وتصرح بأن من مات عاملا بهذا الخلق فله أجر الشهداء.
جاء في موسوعة (ميزان الحكمة) عن رسول الله – صلى الله عليه واله – أنه قال: (إن الأنبياء إنما فضلهم الله على خلقه بشدة مداراتهم لأعداء دين الله وحسن تقيتهم لأجل إخوانهم في الله". وفيه عن مولانا الصادق – عليه السلام – أنه قال: "إن مداراة أعداء الله من أفضل صدقة المرء على نفسه وإخوانه". وفي كتاب روضة الواعظين عن حبيبنا المصطفى – صلى الله عليه وآله – قال: (مداراة الناس صدقة" وقال: "من عاش مداريا مات شهيدا".
ولا يخفى عليكم مستمعينا الأفاضل أن مداراة أعداء الله إنما هي خلق مطلوب شرعا لدفع ضررهم في غير الموارد التي تجب شرعا مجاهدتهم، بيد أن المستفاد من النصوص الشرعية جريان حكم المداراة حتى أثناء الجهاد إذا كان فيها رفع لجهالتهم، كما هو المستفاد بوضوح من قوله تبارك وتعالى في الآية السادسة من سورة التوبة أو سورة براءة وضمن أمره بمجاهدة المشركين حيث قال عز من قائل: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون".
أعزائنا المستمعين ونختم هذا اللقاء بمقطع من وصية الإمام علي المرتضى لولده محمد بن الحنفية وفيها بعض مصاديق مداراة الناس، قال – عليه السلام –: "وأحسن إلى جميع الناس كما تحب أن يحسن إليك وارض لهم ما ترضاه لنفسك واستقبح لهم ما تستقبحه من غيرك، وحسن مع الناس خلقك حتى إذا غبت عنهم حنوا إليك وإذا مت بكوا عليك وقالوا: "إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون"، ولا تكن من الذين يقال عند موته الحمد لله رب العالمين. واعلم أن رأس العقل بعد الإيمان بالله عزوجل مداراة الناس ولا خير فيمن لا يعاشر بالمعروف من لابد من معاشرته حتى يجعل الله إلى الخلاص منه سبيلا".
نشكر لكم أعزائنا مستمعي إذاعة طهران طيب الإستماع لحلقة اليوم من برنامجكم معالي الأخلاق، دمتم بكل خير وفي أمان الله.