مادام الحديث الفني - كما كررنا- يظل هو النموذج الذي يحتل مساحة ضخمة من نتاج المعصومين (عليهم السلام)، حينئذ يجدر بنا ان نقدم بعض نماذجه عند الامام الرضا (عليه السلام)...
«أحسنوا جوار النعم فانها وحشية، ما نأت عن قوم فعادت اليهم»(۳).
وسئل (عليه السلام) عن خيار العباد فقال: «الذين اذا أحسنوا استبشروا، واذا أساءوا استغفروا، واذا اعطوا شكروا، واذا غضبوا غفروا»(٤).
«الأخ الأكبر بمنزلة الأب»(٥).
«الصمت باب من ابواب الحكمة»(٦).
«لا يقبل الرجل يد الرجل، فإن قبلة يده: كالصلاة له»(۷).
«لا يعدم المرء دائرة السوء مع نكث الصفقة، ولا يعدم تعجيل العقوبة مع ادراع البغي»(۸).
«اذا اراد الله امراً سلب العباد عقولهم، فأنفذ امره وتمت ارادته، فاذا انفذ امره: رد الى كل ذي عقل عقله فيقول: كيف ذا؟ ومن اين ذا؟»(۹).
«لا يتم عقل امرىء مسلم حتى تكون فيه عشر خصال: الخير منه مأمول، والشر منه مأمون، يستكثر قليل الخير من غيره، ويستقل كثير الخير من نفسه، لا يسأم من طلب الحوائج اليه ولا يمل من طلب العلم طول دهره، الفقر في الله احب اليه من الغنى، والذل في الله احب اليه من العز في عدوه، والخمول اشهى اليه من الشهرة... لا يرى احداً الا قال: هو خير مني واتقى. انما الناس رجلان: رجل خير منه واتقى، ورجل شر منه وادنى، فاذا لقي الذي هو شر منه وادنى قال: لعل خير هذا باطن وهو خير له، وخيري ظاهر وهو شر لي، واذا رأى الذي هو خير منه واتقى تواضع له ليلحق به»(۱۰).
هذه النصوص تتضمن عناصر فنية متنوعة (ايقاعياً وصورياً ولفظياً) ففي مستوى الايقاع نلحظ (الفواصل المقفاة) في اكثر من حديث مثل (استبشروا، استغفروا، شكروا)...
وفي مستوى القيم اللفظية، نجد التقابل من نحو (لعل خير هذا باطن وهو خير له، وخيري ظاهر وهو شر لي)...
وفي مستوى العنصر الصوري نجد الاستعارة (مثل: أحسنوا جوار النعم... الخ) (نكث الصفقة) (ادراع البغي)... ونجد التمثيل من نحو (الصمت: باب) (النعم: وحشية)... ونجد التشبيه من نحو (كالصلاة له) (بمنزلة الأب) (أحب، أشهى، الخ)... بل نجد الصورة الواحدة (مثل التشبيه) تتنوع أدواتها مثل (الكاف) أو ما يقوم مقامها مثل (بمنزلة)، أو ما ينتسب الى (التشبيه المتفاوت) من نحو (الذل في الله احب اليه من العز...)... ومثل هذا التنوع في الصورة الواحدة له مسوغاته الفنية فيما قلنا بأن المعصوم (عليه السلام) لا يصوغ صورة فنية الا من حيث كونها ترد في سياقات تفرض مثل هذه الصورة او تلك،... فحينما استخدم اداة (الكاف) في قوله (اي ما كان طرفاه: في الدرجة المتوسطة من التماثل) وهذا ما ينطبق على تقبيل اليد كالصلاة له، لأن الصلاة خشوع والتقبيل خشوع ايضاً،... اما حينما استخدم اداة (بمنزلة) في قوله (عليه السلام) (الأخ الأكبر بمنزلة الأب) فلأن بمنزلة هي: أداة (تقريب) بين طرفي التشبيه بحيث ترتفع درجة التشابه الى درجة فوق المتوسط لأن بمنزلة هي تقريب لدرجة التماثل بين الطرفين، وهذا ما ينطبق على الأخ الأكبر، بصفته يلي منزلة الأب مباشرة... وهكذا بالنسبة لـ (تشبيه التفاوت) حيث انه (عليه السلام) استخدم العبارة المعروفة في التفاضل مثل (أحب) بصفة ان (الذل في الله) أحب بالفعل من (العز) في عدو الله، وهو أمر لا يتطلب الا أداة (التفاوت) وليس أداة المماثلة...
وهذا ما يتصل بعنصر صوري واحد (مثل التشبيه)... والأمر نفسه فيما يتصل بعناصر الاستعارة والتمثيل، فيما لا حاجة الى الاستشهاد بها، ما دمنا قد اوضحنا في حقل سابق، مسوغات هذه العناصر وصلاتها بالسياقات التي تفرض التمثيل او الاستعارة او سواهما...
كذلك فيما يتصل بالعنصر الايقاعي... فعندما يتجه (عليه السلام) الى (الفواصل المقفاة) لم يستهدف من ذلك مجرد (الجرس الفني) بقدر ما يستهدف تحديد الدلالة التي تتساوق مع هذا الجرس،... فالمؤمن (يستبشر) اذا عمل طاعة، و(يستغفر) اذا عمل معصية، و(يشكر) عطاء الله تعالى.. فعبارات: استبشروا، استغفروا، شكروا لم تجيء من أجل (القافية) بل لأن نفس هذه العبارات ترد في اي حديث آخر بنفس الصياغة الايقاعية، كل ما في الأمر ان الامام (عليه السلام) جمع في هذه الفقرة جملة من التوصيات التي صيغت بنحو تتوافق (ايقاعياً) ليحقق بذلك عنصر الامتاع الفني، كما هو واضح.
*******
(۳) نفس المصدر: ص٤۷۲.
(٤) نفس المصدر: ص ٤٦۹.
(٥) نفس المصدر: ص ٤٦٦.
(٦) تحف العقول: ص ٤٦٦.
(۷) نفس المصدر: ص ٤۷۳.
(۸) المجالس السنية: ص ٥٦٦.
(۹) تحف العقول: ص ٤٦٦.
(۱۰) نفس المصدر: ص ٤٦۷.
*******