اميركا ، ورغم قيادتها للعالم الغربي، لم تجد في هذا العالم سوى بريطانيا، من يماشيها في دعوتها الى تشكيل حلف بحري لـ"حماية خطوط الملاحة" في الخليج الفارسي، و"ردع" ايران، رغم ان لندن مازالت تعلن انها ليست في وارد مسايرة اميركا في سياسة الضغوط القصوى ضد ايران، كما انها لم تجد ايضا من يندك في استراتيجيتها ضد ايران، بين من كانت تدعي حمايتهم من "الخطر الايراني" من دول الخليج الفارسي، الا السعودية، والتي اخذت تعيد تقييم سياستها ازاء ايران بعد ان سبقتها الامارات الى ذلك.
منطقة الخليج الفارسي كانت ترفل بالامن والاستقرار، حيث كانت ناقلات النفط تنقل 18 مليون برميل من النفط يوميا من الخليج الفارسي الى العالم اجمع، دون ان تسجل حادثة امنية واحدة، ولكن وبمجرد وصول الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى البيت الابيض تغير كل شيء، فقد خرج من الاتفاق النووي ، واعاد فرض الحظر الاميركي على ايران، وعمل ومازال على خنقها عبر تصفير صادراتها النفطية ، واعلن الحرب الاقتصادية على كل من يتعامل معها ، فضحى بذلك بامن واستقرار منطقة الخليج الفارسي ، وبمصلحة الدول الخليجية والغربية، من اجل مصلحة الكيان الاسرائيلي، الكيان الوحيد في العالم ، الذي عارض جهارا نهارا الاتفاق النووي، وعمل على اجهاضه.
التوتر الامني الحاصل في الخليج الفارسي ، والذي قد يتطور في اي لحظة الى حرب مدمرة لا يعرف الا الله مدياتها، لا يصب مطلقا في مصلحة الدول المتشاطئة عليه، لاسيما بعد ان ايقنت اغلب هذه الدول، ان سياسة ترامب المتهورة ، والتي ينسج خيوطها امثال مستشار الامن القومي الاميركي جون بولتون ووزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو، ورئيس وزراء الكيان الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، لا تضع في حسابانها الا المصلحة "الاسرائيلية"، ولا يضيرها ان تشتعل فيها الحروب، بعد ان فقدت اهميتها الاستراتيجية لدى اميركا، اثر تحولها من مستورد للنفط الى مصدر له، وما دامت ضحاياها هم من العرب والمسلمين حصرا.
كل الاجراءات التي تتخذها اميركا منذ خروجها من الاتفاق النووي، لم تكن من اجل التفاوض على اتفاق "افضل"، بل هدفها هو تركيع ايران، او على الاقل الحصول منها على التزام بعدم دعم فصائل المقاومة التي تقارع الاحتلال الصهيوني، وهي ايضا وضعت في حسابها احتمال وقوع حرب في الخليج الفارسي بسبب سياسة الضغوط القصوى التي تمارسها ضد ايران، الا انها تعتقد ان بامكانها حصر نطاق الحرب في جغرافيا ايران والدول العربية في الخليج الفارسي.
الندية التي تعاملت بها ايران مع اميركا والغرب، لم تدع مجالا للشك في انها لن تتوانى في الرد ليس على استراتيجية ترامب الخرقاء بشكل عام، بل حتى على تفاصيلها ايضا، فتقليص التزاماتها، واسقاطها لطائرة التجسس الاميركية العملاقة، واحتجاز ناقلة النفط البريطانية وهي في حماية السفن الحربية الاميركية والبريطانية خير دليل على ذلك.
هذا الموقف الايراني القوي والقاطع في مواجهة اقوى جيوش العالم، يقابله موقف ايراني مسؤول ازاء امن واستقرار المنطقة، وهو موقف تلمسته دولها، عندما طوت ايران صفحة الحرب التي فرضها النظام الصدامي المجرم على ايران، بدعم من الدول العربية في الخليج الفارسي وبتحريض من الغرب والشرق حينها، ولم تحاول الانتقام وكان بمقدروها ذلك ، بعد غزو الطاغية صدام دولة الكويت، الا انها وضعت المستقبل نصب عينها وتناست الماضي.
نفس الموقف الايراني تكرر عندما غزت اميركا العراق، فكانت من الرافضين القلائل لهذا الغزو، وساعدت الشعب العراقي بكل ما تملك من قوة للتحرر من الاحتلال الاميركي، ومن ثم من الاحتلال "الداعشي" ، وهو ذات الموقف تكرر ايضا في سوريا ، عندما ساعدت ايران الحكومة في دمشق ضد العصابات التكفيرية الممولة من الدول العربية في الخليج الفارسي وبرعاية اميركية، وذات الموقف ايضا تكرر عندما حوصرت قطر من قبل شقيقاتها.
الموقف الايراني بين القوة والمسؤولية، هو الذي جعل بعض جيرانها من العرب ، يعيدوا حساباتهم، آخذين بنظر الاعتبار مصالحهم ومصالح منطقتهم وشعوبها، بعيدا عن بلطجية ترامب وعربدات نتنياهو، فأمن الخليج الفارسي هو مسؤولية ابنائه، وكل دور لقوى اجنبية، وخاصة قوة عدوة مثل "اسرائيل" ، لا يصب في صالح امن واستقرار الخليج الفارسي ، فهذه القوى لا تنظر الى الخليج الفارسي الا من منظار مصالحها الضيقة وغير المشروعة، ومكان لمصلحة دولها وشعوبها في اطار سياستها، فالخليج الفارسي كان ومازال بيت الايرانيين والعرب، وعلى اهل هذا البيت ان يحفظان امنه واستقراره وحرمته.
ماجد حاتمي