نواصل حديثنا عنالادعية المباركة'> الادعية المباركة وما تتضمنه من نكات وطرائف ودقائق من المعرفة، مما يتعين على قاريء الادعية ان يتبينها حتى يصبح على وعي بقراءته... من ذلك مثلاً ما نلاحظه من احد الادعية، الذي يقرأ بعد زيارة الامام الرضا(ع) جاء فيه (يا من جل عن ادوات لحظات البشر، ولطف عن دقائق خطرات الفكر) ... هذا الدعاء كما سنلاحظه يتناول كما هو طابع الكثير من الادعية نطاقات "معرفية" متنوعة تتصل بتوحيد الله تعالى، تتصل بسلوك القارئ للزيارة او الدعاء وتتصل بانسحاب ذلك على اليوم الآخر.. المهم الآن هو ملاحظة النكات الواردة في هذا النص ومنه الفقرة او المقطع الذي استشهدنا به وهو المقطع القائل "يا من جل عن ادوات لحظات البشر...".
اذن: لنتحدث عن هذا الجانب ... من البين ان الحديث عن الله تعالى يستحيل من جانب ويمكن من جانب اخر في نطاق محدود جداً تسمح به امكانات اللغة... وبكلمة اكثر وضوحاً ان الحديث عن الله تعالى يمتنع حيناً اساساً بحيث لا تمكن الاحاطة بالموضوع وحيناً يمكن التعبير عن بعض السمات، وهو ما نعتزم الاشارة اليه في نطاق ما ورد في الدعاء ذاته ...
تقول فقرة الدعاء يا من جل عن ادوات لحظات البشر ... في البداية ينبغي ان نعرف اولاً دلالات العبارة مثل دلالة "جلَّ" و"ادوات" و"لحظات" ... ولنبدأ من عبارة "لحظات" اولاً حتى نتبين سائر ما يتصل بها ... بالنسبة الى اللحظات نجد انها جمع لسمة "لحظة" وهي النظر بمؤخر العين يميناً ويساراً، كما تحمل نفس اخر هو المدة الزمنية القليلة واما بالنسبة الى عبارة "جلّ" فتعني التنزه والترفع واما عبارة "ادوات" فهي جمع اداة بمعنى الوسيلة التي يستخدمها الانسان لتحقق ما يهدف اليه من القضايا ... وفي ضوء هذه الدلالات للعبارة الواردة في الدعاء يمكننا ان نقرر هذه الحقيقة وهي ان الله تعالى يتنزه ويترفع من الاحاطة به من خلال لحظات البشر مهما استخدم البشر من وسائل الملاحظة هذا هو المعنى العام للعبارة ... الا ان المطلوب هو ملاحظة الدقائق او الطرائف او النكات البلاغية في العبارة المذكورة ما دام هدفنا من الحديث عن الادعية هو ملاحظة دلالاتها ومعرفة ذلك وهو من ابسط قواعد وآداب الدعاء والا فان القراءة المجردة عن الفهم تظل بتراء او اساساً تنتفي معطياتها كما هو واضح.
اذن: لنتحدث عن تفصيلات الموقف ...
بالنسبة الى ما قرأناه الان من عبارة الدعاء نجد انها تقرر تنزه الله تعالى عن امكانية ان يخضع لملاحظة البشر والسؤال الان هو ما المقصود من الملاحظة او ما عبر الدعاء عنه بعبارة "لحظات"؟ قلنا ان لحظات هي جمع لمفردة لحظة واللحظة هيالنظر بمؤخر اليمين يميناً ويساراً.
طبيعياً هذه الكلمة أي اللحظة او اللحظات ترد بمعنييها الواقعي والرمزي أي ان البشر عندما ينظر بمؤخر عينه يميناً وشمالاً انما يستهدف ان يحقق شيئاً ما، بواسطة النظر يصل الى هدفه... فانت حينما تلحظ منظراً طبيعياً كالشجر او النهر او الجبل ... انما تحقق اكثر من معطى منه الاستمتاع بجمالية المنظر، ومنه الكشف العلمي ....
فالوسيلة هنا هي الملاحظة المادية حيث نعرف جميعاً ان الملاحظة العلمية في البحث تشكل اداة مهمة لكشف المعرفة... وبالنسبة الى ما نحن بصدده وهو معرفة الله تعالى نجد ان الدعاء قد اشار الى عدم امكانية تحقق ذلك بواسطة الملاحظة سواءاً كانت الملاحظة مادية او غير مادية، اما كونها غير مادية فسنحدثكم عن ذلك لاحقاً ان شاء الله تعالى حيث يشير الدعاء نفسه ذلك كما سنرى واما كون الملاحظة مادية فغير ممكنة لان النظر وهو وسيلة مادية لا يمكن ان يتم من خلال النظر ما هو غير مادي اساساً ولذلك استخدم الدعاء عبارة ادوات الملاحظة فقال (يا من جل عن ادوات لحظات البشر)، أي ان البشر مهما استخدم من الادوات العلمية التي اكتشفها للتعرف على الحقائق لا يمكنه ان يستخدمها بالنسبة الى معرفته تعالى.
اذن: امكننا ان نتبين ولو عاجلاً دلالة ما ورد من الاشارة الى تنزه الله تعالى عن الخضوع لادوات الكشف، وهو ما سنتابع ملاحظته في لقاء مقبل ان شاء الله تعالى والاهم من ذلك هو ان نستثمر ما تبيناه في علاقتنا مع الله تعالى وان نتصاعد بذلك الى النحو المطلوب.
*******