هل تساءلتم يوما لماذا عندما تتحدث وسائل الإعلام الغربية عن "التاريخ البشري"، تكون نقطة انطلاقها روم ومصر دوما، بينما عندما يتعلق الأمر بإيران، يتوقف السرد فجأة؟.

هذا ليس مجرد فراغ معلوماتي؛ بل هو خيار.

خيار مدعوم بالسياسة، الهوية الغربية والرواية الرسمية عن "الحضارة".

ولكن ماذا تقول البيانات الميدانية بهذا الشأن؟.

في السنوات الأخيرة، اكتشف علماء الآثار الإيرانيون والفرنسيون بقيادة "حامد وحدتي نسب" و"جيل بريون" أدلة في كهف "قلعة كورد" قلبت تاريخ الوجود البشري في إيران رأسا على عقب:

قطع أثرية يعود تاريخها إلى 475,000 عام.

هذا يعني أن الهضبة الإيرانية هي واحدة من أقدم الموائل البشرية في غرب أوراسيا.

لكن القضية لا تنتهي هنا؛

يعود تاريخ الأدوات التي كانت تُعثر عليها عادةً في كرمانشاه إلى 200,000 عام، إلا أن الاكتشافات الجديدة يعود تاريخها إلى ما بين 1 إلى 1.5 مليون سنة

رقم يُغير تمامًا معادلة الوجود البشري البدائي في المنطقة.

كما سُجِّلت أدلة بالغة الأهمية في كهف "كَلدَر":

تم تحديد تأريخ طبقات العصر الحجري القديم الأوسط، وأظهرت هذه الطبقات عمرًا يُقدَّر بـ 63,000 عام.

وفقًا لهذه الدراسات، لم تكن هذه المنطقة موطنا لوجود البشر الأوائل والنياندرتال فحسب، بل كانت أيضًا مهدا لمولد الـ "هوموسيبينات" مجموعات هاجرت لاحقا إلى أوروبا.

في السابق، كانت منطقة بلاد الشام تُقدَّم على أنها أقدم طريق لخروج البشر الأذكياء من أفريقيا، إلا أن نتائج كهف "كَلدَر" تتحدى هذه الرواية بجد.

والآن، يعود هذا السؤال إلى الواجهة مرة أخرى"

كيف يمكن لأرض سكنها البشر لملايين السنين ودخلت عصر بناء الإمبراطورية قبل 3000 عام أن تكون مهمشة إلى هذا الحد في الرواية الغربية الرسمية؟

تكمن الإجابة في النمط الإعلامي المألوف:

لإنشاء "عدو دائم"، لا بد من إزالة أمرين: "الجذور" و"العظمة".

لهذا السبب يتجاهل الغرب ماضي إيران ويُصوّرهذه القضية كتهديد لنفسه اليوم.

المشكلة ليست في غياب التاريخ، بل في عدم السماح بسرد تاريخ إيران.

ما دام لم يتغير السرد العالمي، سيظل صوت حضارة أظهرت علامات الذكاء البشري منذ 63 ألف عام، وبنت إمبراطورية على مدى 3 آلاف عام، مسموعا أكثر هدوءًا من صوت الحقيقة.