البث المباشر

ممر الشمال-الجنوب .. جسر ذهبي لإيران في قلب أوراسيا

السبت 20 سبتمبر 2025 - 12:33 بتوقيت طهران
ممر الشمال-الجنوب .. جسر ذهبي لإيران في قلب أوراسيا

يُعدّ ممر الشمال-الجنوب (INSTC) فرصة استراتيجية ذهبية لإيران لاستغلال موقعها الجغرافي المتميز بين جنوب آسيا وأوروبا، بما يمكّنها من أن تتحول إلى مركز رئيسي للنقل العابر في أوراسيا.

لا يقتصر أهمية الممر على كونه طريقاً للشحن فحسب، بل يمثل أيضاً أداة لتعزيز الاقتصاد الوطني من خلال إيرادات مباشرة وغير مباشرة، ورافعة لزيادة النفوذ الجيوسياسي الإيراني عبر ربط الدول المجاورة ببنيتها التحتية الحيوية، ما يجعلها لاعبًا محوريًا في سلاسل التوريد العالمية ومركزًا استراتيجيًا على خريطة النقل الإقليمي والدولي.

في عالم اليوم، أصبح نقل البضائع أداة استراتيجية لترسيخ مكانة الدول كمراكز إقليمية، إذ يحقق للدول الواقعة على طرق العبور إيرادات مباشرة وغير مباشرة بمليارات الدولارات، ما يُعزز اقتصاداتها الوطنية.

كما يمنح هذا الدور تلك الدول نفوذاً سياسياً وجيوسياسياً، عبر خلق تبعية اقتصادية للدول الأخرى على بنيتها التحتية. فالتحكم بمسارات العبور يربط الدول بمصالح الدولة المضيفة.

وفي هذا السياق، يُعدّ ممر الشمال-الجنوب أداة استراتيجية لإيران ليس فقط لجذب عوائد مستدامة من النقد الأجنبي، بل أيضًا لترسيخ موقعها كلاعب محوري في سلسلة التوريد العالمية.

خلفية وهيكل الممر
أُطلق الممر الدولي للشمال-الجنوب عام 2000 بمبادرة من إيران وروسيا والهند، وانضمت لاحقًا دول مثل أذربيجان وأرمينيا وكازاخستان وبيلاروسيا. يمتد الممر لنحو 7200 كلم من مومباي بالهند إلى بندر عباس أو چابهار في إيران، ثم عبر السكك الحديدية والطرق إلى أذربيجان وروسيا وصولًا إلى أوروبا. الهدف الرئيس: تقليص زمن النقل من 45–60 يوماً (عبر قناة السويس) إلى 20–30 يوماً، وخفض التكاليف بنسبة تصل إلى 30%.

يتكون هيكل الممر من مسارات بحرية (من الهند إلى إيران)، وسكك حديدية (مثل خط رشت–آستارا)، وطرق برية. إيران تغطي أكثر من 1600 كلم من المسار، ما يجعلها المحور المركزي. مشاريع مثل استكمال خط رشت–آستارا باستثمار روسي (1.6 مليار يورو عام 2023)، وتطوير ميناء چابهار بالتعاون مع الهند، تُجسد الأهمية الاستراتيجية للممر، الذي يشكل بديلًا للطرق الغربية في ظل العقوبات، خصوصًا لروسيا وإيران.

الأهمية الاقتصادية
بالنسبة لإيران، يُمثل الممر وسيلة لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط. تشير التقديرات إلى أنه يمكن نقل أكثر من 20 مليون طن سنويًا عبره، ما يدرّ مليارات الدولارات من العوائد المباشرة. كما يشمل العائد غير المباشر تطوير الخدمات اللوجستية، السياحة، والزراعة. فقد ارتفعت صادرات إيران الزراعية إلى روسيا عبر هذا الممر إلى نحو 1.2 مليار دولار في 2024.

الهند، التي تُصدّر مليارات الدولارات سنويًا إلى أوروبا، ستستفيد من خفض تكاليف النقل، ما يجعل إيران شريكًا استراتيجيًا لها. روسيا بدورها تستخدم الممر للالتفاف على العقوبات الغربية، ما رفع التبادل التجاري مع إيران من 4 مليارات دولار (2022) إلى أكثر من 10 مليارات (2025). هذا الترابط يُعزز نفوذ إيران إقليميًا ويمنحها أوراق ضغط في مواجهة التحديات الخارجية.

الأهمية والتحديات الجيوسياسية
على الصعيد الجيوسياسي، يُعيد INSTC رسم موازين القوى في أوراسيا. كطريق "خارج إطار العقوبات"، يمنح روسيا وإيران قدرة أكبر على مقاومة الضغوط الغربية، ويُرسّخ دور الهند كوزن موازن للصين. بالنسبة لإيران، يتجاوز المشروع تحييد العقوبات إلى تعزيز مكانتها في مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، حيث يُمكن دمج INSTC مع المبادرة ليجعل إيران ملتقى ممرين رئيسيين.

لكن ثمة تحديات قائمة: استكمال مشاريع البنية التحتية، تأمين الطرق خصوصًا في المناطق الحدودية، إضافة إلى منافسة ممرات أخرى مثل "الممر الأوسط" (تركيا–أذربيجان) أو قناة السويس. أيضًا قد تؤثر التوترات في القوقاز على انسيابية البضائع. ومع ذلك، تُظهر مبادرات مثل اتفاق إيران–روسيا عام 2025 لرقمنة الممر استعدادًا لتجاوز هذه العقبات.

إن ممر الشمال-الجنوب (INSTC)  يس مجرد طريق للنقل، بل محرك لتحول اقتصادي وجيوسياسي لإيران. بتحولها إلى مركز عبور رئيسي، تستطيع إيران تحقيق إيرادات مستدامة، وزيادة الترابط الاقتصادي الإقليمي، واستخدام موقعها الجغرافي كأداة للتقدم. في عالم يقوم على سلاسل التوريد العالمية، ينقل هذا الممر إيران من الهامش إلى قلب أوراسيا. ومع الاستثمار المستمر وإدارة التحديات، يمكن أن يُحوّل الممر إيران إلى قوة اقتصادية إقليمية، ويُثبت أن العبور هو مفتاح الاستقلال والنفوذ.
 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة