البث المباشر

التخصيب.. رواية القفزة التكنولوجية التي حققتها الجمهورية الإسلامية

الأحد 20 يوليو 2025 - 18:59 بتوقيت طهران
التخصيب.. رواية القفزة التكنولوجية التي حققتها الجمهورية الإسلامية

تمكنت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في طريقها نحو تحقيق التقنيات النووية المتقدمة، من أن تخطو خطوة كبيرة نحو الاكتفاء الذاتي وتسريع عملية تخصيب اليورانيوم من خلال بناء أجيال مختلفة من أجهزة الطرد المركزي من IR-1 إلى IR-9؛ وهي قفزة تكنولوجية جاءت نتيجة عقود من البحوثات والجهود التي بذلها العلماء الإيرانيون.

تعتبر أجهزة الطرد المركزي هي القلب النابض لأي برنامج لتخصيب اليورانيوم. وعلى مدى العقدين الماضيين، قطعت إيران مسارًا مليئًا بالصعود والهبوط لتوطين تكنولوجيا التخصيب، وأصبحت الآن واحدة من الدول القليلة في العالم التي تدير سلاسل معقدة من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة.

تتمتع أجهزة الطرد المركزي بأهمية كبيرة باعتبارها جوهر تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم. ومن خلال اجتياز مرحلة الهندسة العكسية وتطوير أجيال متعددة من أجهزة الطرد المركزي، تمكنت إيران من الانضمام إلى مجموعة الدول القليلة التي طورت أيضًا، بالإضافة إلى التخصيب، تكنولوجيا تصنيع أجهزة الطرد المركزي محليًا.

ويحاول  التقرير التالي إلقاء نظرة علمية على مسار إيران نحو أجهزة الطرد المركزي المتطورة.

 

ما هو جهاز الطرد المركزي وكيف يعمل؟

إن جهاز الطرد المركزي هو جهاز يدور غاز اليورانيوم (UF6) بسرعات عالية جدًا لفصل نظائر اليورانيوم-235 عن اليورانيوم-238. ويحتوي اليورانيوم الطبيعي على حوالي 0.7% من اليورانيوم-235، ولكن لاستخدامه في محطات الطاقة أو تطبيقات أخرى، يجب زيادة نسبة اليورانيوم-235 (على سبيل المثال، إلى 3.67% أو أكثر).

تعمل أجهزة الطرد المركزي وفقًا لمبدأ قوة الطرد المركزي:

عندما يدور غاز اليورانيوم بسرعة عالية داخل الأسطوانة الدوارة للجهاز، يميل النظير الأثقل (U-238) إلى الخارج، بينما يميل النظير الأخف (U-235) إلى المركز. باستخدام الفرق الطفيف بين الاثنين، تعمل أجهزة الطرد المركزي تدريجيًا على زيادة نقاء اليورانيوم-235.

 

ما هي وحدة فصل النظائر (SWU) أو "سو"؟

ترمز وحدة فصل النظائر (SWU) إلى "وحدة فصل العمل". وتقيس هذه الوحدة مقدار العمل الفيزيائي المبذول لفصل النظائر. كلما زادت وحدة فصل النظائر، زادت قدرة التخصيب.

في الواقع، تشير وحدة فصل النظائر (SWU) إلى مقدار الطاقة (أو العمل) اللازم لفصل اليورانيوم-235 عن اليورانيوم-238؛ وكلما زادت وحدة فصل النظائر (SWU) في جهاز الطرد المركزي، زادت قدرته على إنتاج اليورانيوم المخصب؛ على سبيل المثال:

IR-1 ≈ 1 SWU/year تعني أن كل جهاز طرد مركزي من طراز IR-1 يُجري حوالي وحدة فصل واحدة من أعمال التخصيب الصافي خلال عام.

IR-1 ≈ 1 SWU/سنة

IR-2m أو IR-4 ≈ 4-5 SWU/سنة

IR-6 ≈ 6-10 SWU/سنة

IR-8 ≈ 16-24 SWU/سنة

IR-9 ≈ 34-50 SWU/سنة

 

مكانة إيران في تكنولوجيا أجهزة الطرد المركزي

 

الجيل الأول: IR-1

يُعد جهاز الطرد المركزي IR-1 الجيل الأول من أجهزة الطرد المركزي المُصنّعة في إيران، استنادًا إلى تصميم جهاز الطرد المركزي الباكستاني P1. صُنع هذا الطراز من الألومنيوم والفولاذ، وتُقدّر قدرته على الفصل بحوالي 0.9 SWU.

وقبل عشرين سنة، قامت إيران بهندسة عكسية لهذا الطراز وتوطينه. رُكّبت آلاف أجهزة IR-1 في المواقع النووية الإيرانية. على الرغم من أن كفاءة هذه الأجهزة أقل من كفاءة النماذج الأكثر تطورًا، إلا أنها تعمل في سلاسل مختلفة.

 

الجيل الثاني: IR-2 وIR-2m

في نقلة تكنولوجية نوعية، أدخلت إيران الجيل الثاني من أجهزة الطرد المركزي، IR-2m؛ وهو نسخة مُحسّنة من IR-2، وأكثر تطورًا من الناحية التقنية من IR-1. تُقدر طاقته الإنتاجية بما يتراوح بين 3.6 و5 وحدات فصل سنويًا، وهي زيادة كبيرة مقارنةً بجهاز IR-1.

يُظهر انتشار جهاز IR-2m في مجمع نطنز واستخدامه في مشروع التخصيب في فوردو فعاليته العملية، وتحوله إلى أحد ركائز التكنولوجيا النووية المتقدمة في إيران.

 

الجيل الثالث: IR-4

يُعد جهاز الطرد المركزي IR-4 نموذجًا وسيطًا بين IR-2m والأجيال الأكثر تطورًا. بعد IR-2m، خطى طراز IR-4 خطوة أخرى نحو تحسين الكفاءة. حقق هذا الجيل أداءً وسرعةً أفضل مقارنةً بالجيل السابق، وذلك بفضل استخدام مواد مركبة وأنظمة تحكم أكثر تطورًا. تبلغ قدرة جهاز الطرد المركزي IR-4 ما بين 3.3 و5 وحدات فصل سنويًا، وقد أظهرت الدراسات البحثية أن هذا النموذج، بالإضافة إلى استقراره التقني، قد وصل أيضًا إلى مرحلة اختبار التغويز ودخل مرحلة التشغيل التجريبي في نطنز.

 

الجيل الرابع: IR-6

يُعد جهاز الطرد المركزي IR-6 من أكثر النماذج تطورًا في إيران، حيث تبلغ قدرته على الفصل أكثر من 6 وحدات فصل. يتميز هذا الجهاز بالقدرة على العمل في سلاسل أطول وسرعات دوران أعلى.

من ميزات جهاز IR-6 مقاومته العالية للضغوط الديناميكية وكفاءته العالية في تخصيب اليورانيوم عالي النقاء.

 

الجيل الخامس: IR-8 وما بعده

يُعرف جهاز الطرد المركزي IR-8 بأنه من أكثر التصاميم تطورًا في إيران، حيث تبلغ قدرته على الفصل أكثر من 8 وحدات فصل. دخل الجيل IR-8 مرحلة البحث والتطوير بهدف تجاوز حدود تكنولوجيا أجهزة الطرد المركزي. هذا الجهاز قادر على فصل ما يصل إلى 16 ضعفًا من جهاز IR-1. أظهرت الاختبارات الميكانيكية الأولية، بالإضافة إلى استخدام غاز UF₆ المحدود على عدة عينات، أن إيران تستعد لدخول مرحلة التكنولوجيا الصناعية.

 

جهاز الطرد المركزي IR-9

يُعد جهاز الطرد المركزي IR-9 أحد أكثر الأجيال تطورًا التي صممتها إيران في مجال تخصيب اليورانيوم. طُوّر هذا النموذج بناءً على الخبرات التقنية المكتسبة من تصميم جهازي IR-6 وIR-8، ويتمثل هدفه الرئيسي في زيادة سعة الفصل (SWU) بشكل ملحوظ، وتحقيق استقرار ميكانيكي عالٍ، وتقليل استهلاك الطاقة في عملية التخصيب.

أُعلن أن سعة الفصل لهذا النموذج تبلغ حوالي 50 وحدة فصل، أي ما يقرب من 50 ضعفًا من قوة جهاز IR-1. يُعد هذا المستوى من الكفاءة من بين أجهزة الطرد المركزي عالمية المستوى، وينافس بعض النماذج الأوروبية المتقدمة مثل TC21 والنماذج المتقدمة من شركة Urenco؛ أما جهاز الطرد المركزي IR-9 فهو الجيل الأكثر تطورًا، حيث يبلغ طول دواره حوالي 4 أمتار.

يمثل طراز IR-9 قفزة نوعية لإيران في تكنولوجيا أجهزة الطرد المركزي. فبينما صُمم طرازا IR-1 وIR-2 لمراحلهما الأولى، فإن جيل IR-9 قادر على منافسة التكنولوجيا الحالية، مما يُثبت نجاح إيران في تطوير هذه التكنولوجيا الاستراتيجية في ظل العقوبات الشديدة، وما بعد خطة العمل الشاملة المشتركة، والضغوط السياسية الدولية.


التطبيقات السلمية لأجهزة الطرد المركزي التكنولوجية المحلية في إيران

يمهد امتلاك IR-9 وأجيال أحدث من أجهزة الطرد المركزي الطريق لإنتاج وقود نووي عالي الكفاءة لمحطات الطاقة ومفاعلات الأبحاث في البلاد. ومن خلال تطوير هذه التكنولوجيا، تمكنت إيران من إنتاج وقود عالي التخصيب بنسبة نقاء 20% أو أعلى، دون الاعتماد على مصادر خارجية. ويُعد هذا أحد الركائز الأساسية للاكتفاء الذاتي من الطاقة لتزويد مفاعلات الأبحاث ومفاعلات الطاقة بالوقود، مما يُقلل التكاليف ويُحافظ على العملات الأجنبية.

ستتمكن إيران من إنتاج اليورانيوم المخصب بشكل أسرع باستخدام أجهزة الطرد المركزي IR-9 بكفاءة عالية جدًا (تصل إلى 50 ضعفًا من قوة جهاز IR-1). هذه الميزة لا تقتصر فائدتها على زيادة سرعة إنتاج الوقود للأغراض السلمية فحسب، بل تُقلل أيضًا من استهلاك الطاقة، وتُقلل المساحة اللازمة للمنشآت، وتُعزز سلامة واستدامة عملية التخصيب.

تُمثل القدرة على تطوير أجهزة طرد مركزي متطورة مثل IR-9 نضجًا علميًا في مجالات تكنولوجيا التفريغ، الأجزاء المركبة، الأجهزة الدقيقة، وأجهزة الاستشعار النقية. سيُسهم تحقيق هذه التكنولوجيا في تطوير تقنيات مثل التفريغ العالي، وأجهزة الاستشعار الإلكترونية الدقيقة، والمواد الخاصة التي يُمكن استخدامها في مجالات مثل الفضاء، وتكنولوجيا النانو، والطب الدقيق، وصناعة الأغذية. سيُسهم هذا التطور التكنولوجي في وضع إيران على مسار التنمية الصناعية متعددة الأغراض.

 

الاحتياجات الطبية والتشخيص بالنظائر المشعة

لطالما نشطت إيران في إنتاج النظائر الطبية واسعة الاستخدام، مثل Tc-99m (لتشخيص السرطان وأمراض القلب). تتيح أجهزة الطرد المركزي الحديثة إنتاجًا سريعًا وموثوقًا للنظائر الطبية والمستحضرات الصيدلانية المشعة. وقد أدى ذلك إلى خفض التكاليف الطبية، والقضاء على الاعتماد على الأدوية المستوردة، وفتح المجال لتصدير النظائر الطبية إلى المنطقة.

بحصولها على تقنية الطرد المركزي المتقدمة - مثل جهازي IR-8 وIR-9 - وجهت إيران رسالة مهمة إلى المنطقة والقوى الدولية: إيران لا تمتلك الحق القانوني في تطوير التكنولوجيا النووية السلمية فحسب، بل إنها قادرة أيضًا على تطبيقها على نطاق واسع وبشكل مستقل.

إن امتلاك أجيال متقدمة مثل جهاز IR-9 سيمكن إيران من المضي قدمًا نحو إنتاج الوقود النووي محليًا، وإنتاج النظائر الطبية، وتطوير تقنيات صناعية متقدمة، وتعزيز مكانتها الدولية. لقد عززت كل هذه التطورات الاستخدامات المشروعة والسلمية للتكنولوجيا النووية، وأثبتت قوة إيران العلمية والتكنولوجية في ظل العقوبات.

أحرزت إيران تقدمًا ملحوظًا من خلال اعتمادها نهجا محليا، بدءا من بناء أجهزة الطرد المركزي الأساسية وصولًا إلى إنتاج نماذج متطورة من طراز IR-9. ومع تركيب آلاف الأجهزة الجديدة وإنتاج مجموعة متنوعة من المنتجات النووية، أصبحت إيران الآن من بين رواد التكنولوجيا في العالم في دورة الوقود النووي. وقد أحدث هذا المسار التنموي تحولًا ليس فقط في مجال الطاقة النووية، بل أيضًا في اقتصاد إيران وأمنها ومكانتها العلمية.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة