وتأتي هذه الجرائم في إطار سياسة أمريكية واضحة تُقدّم الدعم المطلق لإسرائيل، وتُغطي على جرائمها، بل وتُشرعن استمرارها من خلال منحها "الضوء الأخضر" لخرق كل المواثيق والأعراف الدولية.
وفي تصعيد خطير، اعترف أحد ضباط الاحتلال مؤخراً بأن قواته استخدمت المدنيين الفلسطينيين كـ"دروع بشرية" منذ بداية الحرب على غزة، في جريمة جديدة تضاف إلى سلسلة انتهاكات تشمل القتل العمد، والتطهير العرقي، وتدمير البنى التحتية، واستهداف المستشفيات والمدارس.
جرائم مكشوفة .. وصمت دولي مُريب
رغم وضوح الأدلة على ارتكاب جيش الاحتلال جرائم حرب وإبادة جماعية، إلا أن الآلة الدبلوماسية والقانونية الغربية تتجاهل بشكل صارخ مساءلة إسرائيل، بل تواصل تقديم الدعم السياسي والعسكري لها. وفي الوقت الذي تُدان فيه دول أخرى بأقل من هذه الانتهاكات، تفلت إسرائيل من العقاب بفضل الحماية الأمريكية في مجلس الأمن والمنظمات الدولية.
المقاومة ترد .. والاحتلال يدفع الثمن
من جهتها، واصلت فصائل المقاومة الفلسطينية عملياتها البطولية ضد قوات الاحتلال، حيث استهدفت تجمعات الجنود والمدرعات في غزة والضفة الغربية، مؤكدة أن دماء الشهداء لن تذهب سدى.
في ظل انهيار المنظومة الأخلاقية الدولية، يبقى الشعب الفلسطيني صامداً في مواجهة آلة القتل الصهيونية، بينما يتجلى دور المقاومة كخيار وحيد لاسترداد الحقوق. فهل ستستمر إسرائيل في جرائمها بلا حساب؟ أم أن العالم سيتحرك أخيرًا لوقف هذه المذابح؟
إقرار الاحتلال باستخدام المدنيين دروعاً بشرية
أقر ضابط رفيع في وحدة قتالية بالجيش النظامي الإسرائيلي باستخدام جنود الاحتلال المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة دروعاً بشرية بصورة منتظمة، منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023.
وقال الضابط في مقال كتبه لصحيفة “هآرتس”، وطلب عدم نشر اسمه، إن الجنود يستخدمون المدنيين الفلسطينيين دروعًا بشرية في قطاع غزة ما لا يقل عن 6 مرات يوميًّا، مضيفًا أنه خدم في غزة لمدة 9 أشهر وعاين لأول مرة هذا الإجراء المسمى “بروتوكول البعوض” في ديسمبر/كانون الأول عام 2023.
المحاكم الدولية
ويكشف الضابط في مقاله عن احتفاظ كل فصيلة (إسرائيلية) في غزة تقريباً بما يسمى “شاويش”، في إشارة إلى الدرع البشري، موضحاً أنه لا تدخل أي قوة مشاة منزلًا قبل أن يفتشه الشاويش، مما يعني أن هناك 4 دروع منها في كل سرية و12 في الكتيبة وما لا يقل عن 36 درعًا في اللواء، أي أن الجنود كانوا يشغلون ما وصفه الضابط الإسرائيلي بجيش فرعي من “العبيد”.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن ما لا يقل عن 11 فريقًا مكونًا من جنود وعناصر استخبارات إسرائيليين استخدموا الفلسطينيين دروعاً بشرية في 5 مدن بغزة، مشيرة إلى أن الجنود الإسرائيليين أرسلوا قَسْرا مدنيين فلسطينيين معتقلين إلى مناطق يعتقدون أن عناصر حركة حماس نصبوا كمائن فيها.
ممارسة روتينية
وفي حديثهم إلى نيويورك تايمز، اعترف 7 جنود إسرائيليين بأنهم شاهدوا أو شاركوا في الممارسات المذكورة، مبينين أن استخدام المدنيين الفلسطينيين المحتجزين كدروع بشرية كان ممارسة روتينية وعادية ومنظمة وأن ذلك تم بمعرفة قادتهم.
وتحدثت الصحيفة أيضًا إلى 8 جنود ومسؤولين إسرائيليين على علم بالممارسة، بشرط عدم الكشف عن أسمائهم، بشأن استخدام الفلسطينيين كدروع بشرية في غزة.
وبتاريخ 24 أكتوبر/تشرين أول 2024 أقر أحد جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي باحتجاز أسرى فلسطينيين واستخدامهم دروعًا بشرية لـ”استكشاف “الأماكن الخطرة” في قطاع غزة، وقال: “احتجزت وحدتنا أسيرين فلسطينيين في غزة لاستخدامهما دروعا بشرية لاستكشاف أماكن خطرة، حيث مروا عبر الأنقاض وتحت تهديد السلاح إلى المباني المفخخة المحتملة وإلى الأنفاق المظلمة”.
أكثر أهمية
وأوضح الجندي الإسرائيلي أنه تم إحضار صبي يبلغ من العمر 16 عاماً وشاب يبلغ من العمر 20 عامًا إلى وحدته في جيش الاحتلال، مشيراً إلى أن أيديهما كانت مقيدة خلف ظهرهما وكانا معصوبي العينين.
وأكد الجندي أن التعليمات بهذا الشأن أتت من ضابط الاستخبارات الإسرائيلي الذي سلمهما؛ “حيث أمرني بأخذهما في الهجوم التالي واستخدامهما درعا بشرية وأخبرني أن لديهما صلة بحماس”.
وعندما تساءل الجندي عن هذه الممارسة، قال إن أحد قادته أخبره بأنه “من الأفضل أن ينفجر الفلسطيني وليس جنودنا”.
ولمدة يومين، اتبعت وحدته هذه الأوامر -حسب ما يقول الجندي- الذي رصد صورة مخيفة للمشهد قائلًا: “ظل الشاب الفلسطيني محاطًا بجنديين يأمرانه بالتقدم وعندما ذهبنا إلى مكان الهجوم، قبل أن يدخلوا المبنى، رفعنا القماش حتى يتمكن من الرؤية. وكان برفقتي أحد الجنود ممن يتحدثون العربية”.
وقال الجندي إنه ورفاقه رفضوا الاستمرار في هذه الممارسة بعد يومين وواجهوا قائدهم الأعلى بشأنها، لكن قائدهم، طالبهما منذ البداية بعدم “التفكير في القانون الدولي”، قائلا إن حياتهم “أكثر أهمية”.
وذكرت شبكة "سي إن إن" أن شهادة الجندي الإسرائيلي و5 مدنيين فلسطينيين تظهر أنها كانت منتشرة على نطاق واسع في جميع أنحاء المنطقة في شمال غزة، ومدينة غزة، وخان يونس، ورفح. ويصف جميعهم كيف تم القبض عليهم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي وإجبارهم على دخول أماكن خطيرة محتملة قبل الجيش.
شهادات فلسطينيين
كما أوردت صحيفة “غارديان” أن 3 فلسطينيين أدلوا لها بشهاداتهم بشأن استخدامهم من جانب الجيش الإسرائيلي دروعا بشرية ضد الأفخاخ التي تنصبها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ضد المحتلين.
ونقلت الصحيفة عن أحد الفلسطينيين الثلاثة قوله إنه بعد أن أحرقوا منزل عائلته في شمال غزة فصلته القوات الإسرائيلية عن عائلته واحتجزته، وأخبرته أن لديها وظيفة معينة له، وخلال الأيام الـ11 التالية في أوائل يوليو/تموز الماضي قال الفلسطيني رامز سكافي البالغ من العمر 30 عامًا إنه أُرسل إلى منازل واحدًا تلو الآخر في منطقته الشجاعية التي يراقبها مرافقوه العسكريون الإسرائيليون.
ووفقا لروايته للصحيفة، فقد حولوه إلى درع بشري ضد الأفخاخ المتفجرة والمقاتلين الفلسطينيين.
ونقلت “غارديان” عن تحقيق أجرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية في أغسطس/آب الماضي شهادات من جنود إسرائيليين قالوا إن الفلسطينيين الذين استخدموا دروعا يعرفون باسم “الشاويش”، وهي كلمة أصلها تركي وتعني “الرقيب”، وأشار الجنود إلى أنه كان تكتيكا مؤسسيا وافق عليه كبار الضباط، وقال مجند في وحدة قتالية “يتم ذلك بمعرفة قائد اللواء على الأقل”.
جريمة حرب
وكان عضو المكتب السياسي لحركة (حماس) عزت الرشق قد وصف استخدام جيش الاحتلال النازي، المعتقلين الفلسطينيين دروعًا بشرية خلال عملياته الإرهابية في قطاع غزة، بأنه جريمة حرب مكتملة الأركان، واعتبر ذلك انتهاكًا صارخًا لكل قوانين الحروب وحقوق الأسرى، واستهتارًا بكل المواثيق والقوانين والمعاهدات الدولية.
وتابع الرشق في تصريح صحفي سابق أن جريمة الدروع البشرية تضاف لسجل الجرائم والانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون الفلسطينيون في معسكرات الاعتقال النازية، والتي شملت كل أشكال الانتقام الوحشي مـن تجويع وإذلال وتنكيل.
ولفت إلى أن من تلك الانتهاكات أيضا الإهمال الطبي المتعمد، والحرمان من الغذاء والدَّواء، وتكسـير للأطراف، وقتل بطيء، وإعدامات ميدانية.
وطالب الرشق محكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية بإضافة جرائم الدروع البشرية إلى ملف جرائم الحرب التي يُحاكم عليها قادة الاحتلال.
ويَحظُر القانون الدولي الإنساني استغلال المدنيين واتخاذهم دروعًا في النّزاعات المسلّحة، وهذا الحظر يستند إلى حماية المبادئ الأساسية التي يقوم عليها هذا القانون، وأهمّها مبدأ التمييز بين المقاتلين والمدنيين، ويعتبر التجاهل المتعمّد لهذا المبدأ انتهاكًا للمبدأ العام في حماية المدنيين المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف المعقودة في 12 أغسطس/ آب 1949 التي تضمّ، علاوةً على ملحقاتها الإضافية، القواعدَ الأساسية للقانون الدولي الإنساني.