القوى العظمى، في الشعارات والأفعال، "تعطي الأولوية لبلدانها"، وتسعى إلى الأمن والرخاء والاستقرار لشعوبها فقط، وتدق طبول المصالح الوطنية الأنانية دون مراعاة قيم ورغبات الدول الأخرى، يبدو أن المجتمع الدولي في حاجة إلى استعادة أخلاقية وروحية أكثر من أي وقت مضى.
في واقع الأمر، تحتاج دول العالم إلى نموذج ثقافي خارق لا يذكر الأنانية، أو مجرد الأنانية، أو الحاجة إلى المساعدة الذاتية، والذي يعطي للعالم لوناً وبريقاً أكثر أخلاقية وإنسانية.
وبناء على ذلك، يمكننا القول بجرأة إن "طقوس النوروز" تتمتع بهذه الإمكانية بسبب ارتباطها المباشر بالطبيعة والحياة وخصائصها الإنسانية والعالمية العامة، ويمكن أن تصبح عاملاً ثقافياً مؤثراً في مجال العلاقات الدولية.
وتعتبر عادة وشعائر عيد النوروز من رموز الثقافة الإيرانية القديمة التي ظلت على حالها رغم مرور الزمن، وتم نقل التقاليد والأعراف المضمنة فيها من جيل إلى جيل.
إن التركيز على القيم الأخلاقية، وتعزيز وتقوية العلاقات الإنسانية والإيثار، وأهمية الطبيعة والبيئة، والإيمان بإمكانية التغيير والتحسين، والتأكيد على الصحة والنظافة، من أبرز سمات ثقافة النوروز، مما يمنحها القدرة على التأثير العالمي.
وبطبيعة الحال، هذا ليس ادعاءً يصدقه الإيرانيون فقط؛ إن أهمية هذه الطقوس وتأثيرها المحتمل كبيران للغاية لدرجة أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أقرت في 23 فبراير/ شباط 2010 قراراً يعلن يوم 21 مارس/ آذار "يوم النوروز الدولي". وبذلك، ولأول مرة في تاريخ هذه المنظمة، تم الاعتراف بعيد النوروز كمناسبة دولية.
قبل ذلك، تم تسجيل ملف النوروز في أكتوبر/ تشرين الأول 2009 من قبل 7 دول حضارية في منطقة النوروز (إيران، جمهورية أذربيجان، الهند، قيرغيزستان، باكستان، تركيا، وأوزبكستان) على قائمة اليونسكو العالمية للتراث الثقافي غير المادي، وبالطبع، في عام 2014، تم إعادة تسجيله بطلب من 5 دول أخرى (أفغانستان، العراق، كازاخستان، طاجيكستان، وتركمانستان) للانضمام. إنها عملية تتحدث عن الإمكانات العظيمة لهذا الحدث في توحيد الأمم.
إن عيد النوروز، باعتباره عيداً قديماً، كان ولا يزال يحتل مكانة خاصة في تاريخ وثقافة شعوب المنطقة. تتمتع دول منطقة النوروز بعلاقات تاريخية وطويلة الأمد مع بعضها البعض في مختلف المجالات، وعلى الرغم من أن علاقاتها شهدت صعوداً وهبوطاً متفاوتين في السنوات الأخيرة، إلا أن النوروز لا يزال يشكل ذريعة وذريعة لتعزيز الصداقات وتوسيع العلاقات بين شعوب ودول المنطقة.
إن النوروز رسالة إنسانية واعدة مفادها أنه بالتعاون مع الطبيعة يمكننا أن نضع جانباً كل العداء والمشاكل ونعيد بناء كل شيء. يمكننا أن نكون لطفاء مثل الأم الطبيعة ونطلب الكرم والتطور والازدهار، ليس فقط لمنطقة وشعب محددين، بل لجميع البشر والمخلوقات.
إن إعطاء الأهمية لهذه القيم الأخلاقية والإنسانية في العلاقات الدولية يمكن أن يمهد الطريق دائماً لإرساء السلام والاستقرار. لأن إعطاء الأولوية لهذه الطقوس المشتركة إلى جانب الأهداف والمصالح الجماعية، يمكن الحد من الأنانية ومنع الانقسام. إن البلدان التي تحتفل بعيد النوروز، بالاعتماد على الطقوس المشتركة لهذا العيد القديم، يمكن أن تتحرك نحو اتفاقيات التعاون والسلام والصداقة بين بعضها البعض ومع البلدان الأخرى في المنطقة، وتصبح نموذجا للتقارب. وفي الوقت نفسه، فإن تطوير السياحة في عيد النوروز يمكن أن يكون فعالاً أيضاً في تعزيز اقتصادات البلدان في هذه المنطقة.
وبناء على ذلك، يمكن لدول منطقة النوروز أن تتجه نحو الإقليمية من خلال فهمها للهوية المشتركة وبالتالي زيادة تبادلاتها في كافة المجالات. وعلى النقيض من الإقليمية ذات الأهداف السياسية والأمنية، فإن هذا النوع من الإقليمية أكثر صلابة، وأسسه القيمية الثقافية تمنحه حياة أطول وأكثر استقرارا. ومن ثم فإن المجال الحضاري لعيد النوروز يتمتع بإمكانات كبيرة للتعاون وتشكيل الثقافة العالمية، والتي يجب وضعها موضع التنفيذ من خلال جهود قادة هذه البلدان.
ولذلك فإن النظرة إلى النوروز لا ينبغي ولا يمكن أن تكون نظرة محدودة ومغلقة ووطنية؛ بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي لديها مطالب حضارية وسعت دائمًا إلى تشكيل نظام إقليمي محلي ومنغلق (بدون تدخل القوى الأجنبية)؛ إن هذه الطقوس القديمة هي بداية لحركة نشطة للعب دور وإنتاج الثقافة وإرساء المعايير على الساحة الإقليمية والعالمية. وهذا أمر لا يمكن تحقيقه بالطبع بالشعارات والكلمات وحدها، بل يتطلب تفكيراً استراتيجياً وتخطيطاً استراتيجياً وتطويراً هادفاً للتعاون والعلاقات مع دول المنطقة.
محمد مهدي مظاهري