لا نزال نحدثك عن الزيارة الجامعة للائمة عليهم السلام وهي ما يطلق عليها اسم الجامعة الكبيرة وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منها ونحدثك الآن عن احد مقاطعها البادئ بعبارة (برئت الى الله عز وجل من اعدائكم)، الى ان يقول (الشاكين فيكم، المنحرفين عنكم، ومن كل وليجة دونكم)، ترى ماذا نستلهم من الفقرات المذكورة؟
من البين ان الشيطان يوسوس لاتباعه بان يجعلهم مشككين بمن يعرفون انهم الحق أي ان اعداء الائمة يعرفون تماماً بان الحق هو مع الائمة عليهم ولكنهم يجحدون ذلك لمرض في انفسهم واذا قدر لهم ان تستيقظ ضمائرهم في لحظات ما فان الشيطان يوسوس لهم بما هو باطل فتبدأ شكوكهم حيال الحق، وهذا هو احد اوجه الصراع الذي يمزق اعماق الاعداء للائمة، ومن الواضح ايضاً ان الشك وهذا ما يجمع عليه الاطباء النفسيون هو احد ابرز مظاهر الشخصية العصابية أي المريضة نفسياً كما انه من الواضح ان الشك بصفته مرضاً نفسياً ينسحب على الموقف العقائدي للمريض فيشك ايضاً في طبيعة مواقفه من مبادئ الله تعالى والحق، وهذا ما يفسر لنا الشك في احقية الائمة عليهم السلام من قبل اعدائهم كما هو واضح ولكن نلاحظ في جملة من الاحاديث الشريفة تحذيرات من الائمة عليهم السلام للمؤمنين من الشك في حقائق الايمان والولاية بكل مراتبه فما هو سر ذلك؟
*******
نتلمس الاجابة في هذا الحوار الذي اجراه زميلنا مع سماحة الشيخ باقر الصادقي:
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم احباءنا ها نحن نتابع تقديم هذه الحلقة من برنامج امناء الرحمان من خلال اتصالنا الهاتفي بسماحة الشيخ باقر الصادقي، سماحة الشيخ سؤالنا في هذه الحلقة عن علة تحذير الائمة عليهم السلام المتكرر والمشدد للمؤمنين من الشك في الولاية بمختلف مراتب الشك فما هي العلة في ذلك؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، ان الشك من جملة الامراض التي تسود القلب وبعض الاحيان تؤثر على الايمان لذلك الائمة بالشكل العام حذروا من الشك في كل اشكاله، يعني سواء كان الشك في الاعتقادات او في الربوبية او في مقام النبي او في مقامات امير المؤمنين وبقية الائمة في مراتبهم وفضلهم وليس ذلك الا لان الشك له آثار سلبية على ايمان الانسان ويحرم الانسان من كثير من الفيوضات التي يمكن ان تفاض على العبد اذا اخلص في الولاية وعاش التسليم لمقام النبي والائمة الطاهرين، وفي يوم من الايام في زمن نبي من انبياء الله مر ذلك النبي وراى رجلاً ساجداً وباكياً وهو يدعو الله عز وجل في قضاء حاجته فتأثر هذا النبي وخاطب ربه قال: الهي لو كانت حاجة هذا العبد بيدي لقضيتها وانت ارحم الراحمين، فالله عز وجل خاطبه وقال له: لو دعاني الى ان يصل اجله لم استجب له، فقال لما: يا الهي قال لانه الان يدعوني وفي قلبه شك منك انت نبي وانا باعثك انت رسول وانا بعثتك الى هذه الامة رحمة واذا به يشك في مقامك، طبعاً بلا شك من خلال هذا الحديث الشريف نجد ان الشك يحرم ويحجب العبد عن رحمة الله عز وجل ان يفيضها او ان يستجيب دعاءه، هكذا الشك في مقام الائمة او الشك في مراتب الولاية لهم او الشك في فضائلهم بلا شك يحرم الانسان ويحجب الانسان، هناك رواية يذكرها العلامة المجلسي عليه الرحمة في بحاره حينما موقف السيدة الزهراء عليها السلام في التشفع لبعض المؤمنين يقول الامام فلا يبقى في ذلك اليوم الا شاك او كافر او منافق، يعني من خلال النص ان البقية تشملهم شفاعة السيدة الزهراء سلام الله عليها، لكن الذي يحرم من الشفاعة، نرى الشاك اذا شك الشك من جملة الامراض ونستجير بالله منه فينبغي للمؤمن ان يراجع نفسه وان يكون في مقام الولاية على يقين وعلى مبدأ صريح وواقعي وان الله عز وجل اجتباهم واصطفاهم وجعل لهم الولاية قد فرضها على كافة الناس وآخر ما نزل من الفرائض هي الولاية لائمة الحق وبالخصوص الى امير المؤمنين عليه السلام، يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، وهذه الولاية لها بركات في الحقيقة كثيرة بابي انتم وامي بموالاتكم علمنا الله هذه، من جملة الآثار معالم ديننا واصلح ما كان فسد من دنيانا وبموالاتكم تمت الكلمة كلمة التوحيد وعظمت النعمة وأتلفت الفرقة وبموالاتكم تقبل الطاعات المفترضة، فاذن هذه مجموعة آثار كلها ببركة الولاية فاذا شك الانسان في ولاية اهل البيت او في مراتبهم او في فضلهم يحرم نفسه من كثير من الفيوضات الالهية الربانية وبالتالي نعوذ بالله يكون قلبه محل الشيطان وللشك وللريب اعاذنا الله واياكم وجميع المؤمنين منه.
المحاور: اللهم آمين سماحة الشيخ باقر الصادقي شكراً جزيلاً، وشكراً لكم احباءنا تفضلوا مشكورين لمتابعة ما تبقى من هذه الحلقة من برنامج امناء الرحمان وشرح الزيارة الجامعة لأئمة المسلمين.
*******
اما الآن فننتقل احباءنا الى العبارة القائلة عن اعداء الائمة (المنحرفين عنكم)، والانحراف كما نعرف جميعاً هو ظاهرة مرضية وذلك لسبب واضح هو ان الانحراف عن الاستقامة يعني العدول من الحق الى الباطل لذلك وصف النص هؤلاء الاعداء للائمة بانهم منحرفون والانحراف المذكور عن الائمة عليهم السلام يفضي بطبيعة الحال الى الاغتراف من مصدر اخر وهو الضلال أي ان هؤلاء المنحرفين عن الائمة عليهم السلام يستقون عقائدهم من مصادر ضالة لا استقامة فيها حيث يزين لهم الشيطان ذلك.
ثم تواجهنا عبارة هي: (المنحرفين عنكم، ومن كل وليجة دونكم)، هذه العبارة تتطلب شيئاً من الانارة وهذا ما نحاول التوفر عليه.
ان الوليجة هي بطانة الانسان وخاصته واذا اردنا ان نحلل هذه العبارة القائلة بان اعداء الائمة عليهم السلام هم المنحرفون عنهم ثم من كل وليجة دونهم حينئذ فان المعنى هو ان هؤلاء الاعداء ليسوا الاعداء البسطاء بل اوغلوا في عداوتهم الى درجة اعمت البصائر فهم تماماً بحيث انحرفوا عن كل ما يمت بصلة الى الائمة عليهم السلام، ومعنى هذا ان انحرافهم سوف يمتد ليطال كل ما هو قريب منهم، وهل ثمة اقرب الى الائمة عليهم السلام من الله تعالى ومن الرسول(ص)؟ ان الائمة عليهم السلام هم امناء الرحمان وخلفاء الرسول ولا اقرب اليهم من الله تعالى ورسوله(ص) لذلك فان اعدائهم هم اعداء الله تعالى ورسوله(ص) كما هو واضح.
ولنتابع فقرات الزيارة في المقطع المتقدم فماذا نجد؟
تقول العبارة: (المنحرفين عنكم، ومن كل وليجة دونكم، وكل مطاع سواكم، ومن الائمة الذين يدعون الى النار).
اذن اتضح بجلاء ما هو خطر كل الخطورة حيال هؤلاء الاعداء للائمة عليهم السلام، حيث يستجر عداؤهم للائمة عليهم السلام الى ان يطيعوا غيركم او يستقوا من مصادر هي مصادر تستجرهم الى النار، أي المبادئ الضالة لنقرأ العبارة من جديد: (ومن الائمة الذين يدعون الى النار)، هذه العبارة تقرر بوضوح ان من يتبع غير الائمة الذين انتخبهم الله تعالى ورسوله انما يتبع اشخاصاً يقتادونهم الى النار، بينما الائمة عليهم السلام يقتادون الى الجنة والى رضاه تعالى.
اذن للمرة الجديدة ما اجدر بهؤلاء المنحرفين ان يصحوا من سكرتهم، وان يراجعوا مواقفهم وان ينصاعوا لله تعالى ولرسوله(ص)وللائمة عليهم السلام أي اطاعة الله ورسوله واولي الامر عليهم السلام.
ختاماً نسأله تعالى ان يجعلنا من المتمسكين بحبل الله تعالى والرسول(ص) والائمة عليهم السلام انه ولي التوفيق.
*******