لا زلنا مع الزيارة الجامعة ونعني بها الزيارة او الجامعة الكبيرة الخاصة بزيارة الائمة عليهم وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منها ونحدثك عن مقطع جديد هو مخاطبة الزائر للائمة عليهم السلام (مستجير بكم، زائر لكم، لائذ بقبوركم)، هذا المقطع خاص باحد محاور الزيارة وهو الزيارة ذاتها من حيث التوجه الى المرقد او المشهد وما يرتبط به من عواطف واخطار وآمال.
ونقف عند العبارة الاولى وهي: (مستجير بكم)، قبل ان نحدثك عن عبارة (مستجير بكم) يجدر بنا ان نحدثك ايضاً عن عبارة تقول (لائذ بقبوركم) لان الاستجارة وكذلك اللواذ بالقبر تتآزران في الدلالة وتتفاوتان في نكاتهما، بالاضافة الى العبارة الوسطى وهي (زائر لكم)، ان قارئ الزيارة لا مناص له من ان يقف عند هذه العبارات المتشابهة والمتفاوتة في آن واحد، حتى يتسنى له ان يلم بدقائق الزيارة التي يوفق اليها.
ان اول ما يتبادر الى ذهن قارئ الزيارة ه الفارق بين من يستجير وبين من يلوذ فالاستجارة في احد معانيها هي اللجوء واللواذ كذلك هو اللجوء وهذا المعنى المشترك بينهما ولكننا نعتزم ملاحظة الفارق بينهما فما هو ذلك؟
ان الاستجارة هي مجرد اللجوء الى مشهد الامام(ع) بمعنى انك عندما تنوي زيارة احد الائمة عليهم السلام فمعناه انك تلتجئ اليهم مستجيراً بلجوئك اليهم طالباً ايوائهم لشخصيتك الزائرة، وهذه هي المرحلة الاولى من زيارتك أي النية الى زيارتهم، ولكن ماذا بعدها؟
العبارة الثانية من المقطع وهي: (زائر لكم)، تتكفل ببيان مرحلتك الثانية أي الحضور الفعلي عند مشاهدهم وهذا من الواضح بمكان أي انك حضرت فعلاً ولكن ماذا تتطلع اليه بعد حضورك؟
العبارة الثالثة: تتكفل ببيان ذلك فتقول (لائذ بقبوركم) واللواذ هنا لجوء ايضاً كما اشرنا ولكنه لجوء يقترن بعملية الاستتار او التحصن بمعنى ان اللواذ هو لجوء زائداًً التحصين بحيث يجسد لجوءك مكاناً تتحصن به من الاخطار الخارجية وهي منطلق المحذورات او الشدائد التي يتقيها الانسان.
اذن نحن الان امام ثلاث عبارات هي النية في الزيارة ثم الحضور الفعلي عند المشهد ثم التحصن بهذا المشهد.
*******
المزيد من التوضيح لهذا الموضوع نستمعه من سماحة الشيخ باقر الصادقي في الاتصال الهاتفي التالي:
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم احباءنا اهلاً بكم وبخبير البرنامج في هذه الحلقة سماحة الشيخ محمد السند، سماحة الشيخ من الاسئلة التي وردتنا سؤال تفسير ظاهرة لجوء المرضى الى مراقد الاولياء وحصولهم على الشفاء خاصة في الاسلام وفي الاديان الاخرى ايضاً تفضلوا؟
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين، في الحقيقة اللجوء الى مراقد الانبياء والرسل والاوصياء والاولياء هذه حقيقة اديانية كانت منذ بعثات الانبياء السابقين واذا ما نجده في القرآن الكريم فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ، فهي هذه البيوت امر الله بتعظيمها واعلائها ورفع بنيانها ورفع ذكرها ورفع شأنها واجلالها رغم جحد الجاحدين ورغم ضغن الحاقدين الذين لا يفتؤون في الواقع يتجرؤون وينزون على مثل هذه الشعيرة المقدسة العظيمة التي نصت عليها سورة النور وسور اخرى كثيرة كما سنذكر، نعم فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ، رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ ولا لهو عن ذكر الله، حتى ان السيوطي في ذيل هذه الآية الكريمة ذكر هذه الرواية في الدر المنثور ان رجلاً سأل النبي هذه البيوت هي المساجد فقط او بيوت الانبياء فاجابه النبي نعم هذه ايضاً تشمل بيوت الانبياء، اذن بيوت الانبياء ومراقدهم الغرف التي دفنوا فيها هي من البيوت التي اذن الله ان تعظم وترفع، قام حين اذن ابو بكر وسئل في نفس الرواية التي رواها السيوطي في الذر المنثور وسئل رسول الله اهذا البيت منها واشار الى بيت علي وفاطمة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله هو من افاضلها، فاذن علي وفاطمة وذريتهما من اهل البيت الذين نزلت فيهم آية التطهير هم من مصداق هذه الآية فاذن المراقد الشريفة للانبياء والرسل والاوصياء والاولياء هي مراقد ينزل فيها نور الله وبالتالي فيها البركات وفيها نجح الاسئلة والدعاء، أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ، يعني اذن الدعاء والصلاة والعبادات التي هي من المواطن المهمة لاستجابة الدعاء عند هذه البيوت فاذن الاية تشير بكل صراحة الى هذا المطلب ومضافاً الى ايات اخرى ايضاً تشير وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ المجيء الى النبي ومن ثم ورد عن النبي صلى الله عليه وآله ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة وما بين قبري وبيوتي وبيوت النبي هو بيته وبيت اهل بيته علي وفاطمة وذراريهما بل الحديث المستفيض هو ما بين منبري وبيوتي اكثر من قبري يعني ليس خاص بقبري بل حتى بيوت النبي ومنها بيوت المراقد المشرفة من اهل بيته وعترته، فروضة من رياض الجنة لماذا يخبر النبي بهذا الامر الغيبي ليحث الناس على زيارته وعلى العبادة عند قبره العبادة لله تعالى عند قبره لان هي مواطن البركة ومواطن رياض الجنة، اذن بيوت النبي صلى الله عليه وآله هي رياض من الجنة وبالتالي هناك مواطن استجابة الدعاء وهناك يحفل بالعباد حتى نرى ايضاً قوله تعالى وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، يعني حجر لامس النبي ابراهيم اصبح له هذه العظمة والبركة فكيف بالموطن الذي دفن فيه جثمان ابراهيم في مدينة الخليل، الحر تكفيه الاشارة اما العنود والجحود فهو يصرح له الاف التصاريح يظل مكابراً وجاحداً ومعانداً للقرآن الكريم، فاذن القرآن الكريم حافل بهذه الشعيرة العظيمة ومن يجحدها في الواقع يكابر القرآن ويجحد القرآن الكريم.
المحاور: سماحة الشيخ محمد السند شكراً لكم، وشكراً لكم احباءنا على طيب المتابعة وتفضلوا مشكورين لمتابعة ما تبقى من البرنامج.
*******
والآن نعود معكم لنتابع مقطع الزيارة فماذا نجد بعد؟
تقول العبارات (مستشفع الى الله عز وجل بكم، ومتقرب بكم اليه، ومقدمكم امام طلبتي وحوائجي وارادتي)، ان هذه العبارات بدورها تجسد مراحل من الرحلة التي يقوم الزائر بها في مهمته الزيارية، كيف ذلك؟
ان الزائر عندما يحضر الى المشهد تكون المرحلة التي يستهل بها حضوره هي ان يطلب ذلك من اجل الله تعالى وهو ان يطلب من الائمة عليهم السلام ان يشفعوا له عند الله تعالى بانه يقبل شفاعة من ارتضاه وقد ارتضاهم الله تعالى وجعلهم مع النبي(ص)والزهراء عليها السلام اصفياءه دون ادنى شك، وما بعدها؟
المرحلة بعد طلب الشفاعة هي التقرب بهم الى الله تعالى والتقرب هنا يحتمل معنيين احدهما القربة الى الله تعالى والثانية الاقتراب بهم الى الله تعالى والفارق هنا واضح، أي انك عندما تتقرب بالائمة الى الله تعالى فمعناه انك تجعل زيارتك قربة الى الله تعالى كما هو طابع سائر الممارسات الصادرة عن العبد حيث يطالب بان بجعلها من اجل الله تعالى أي ينوي كل شيء لله تعالى.
واما المعنى الاخر للتقرب فهو الاقتراب او القرب بمعنى انك تخطو الى ساحة الله تعالى وتصل الى رضاه تعالى من خلال زيارتك للائمة عليهم السلام مما يعني تصاعد درجتك العبادية او الخلافية عند الله تعالى.
اذن ثمة دلالتان نستخلصهما من عبارة التقرب الى الله تعالى هما، القربة الى الله تعالى والاقتراب الى الله تعالى بالنحو الذي اوضحناه الآن.
ختاماً نواجه عبارة ثالثة او نواجه مرحلة جديدة تترتب على ما سبقها وهي العبارة القائلة ومقر لكم امام طلبتي وهذا ما نحدثك عنه لاحقاً ان شاء الله تعالى.
اما الآن فحسبنا ان نمارس سلوكاً عملياً لما اوضحناه وذلك بان نسأله تعالى ان يوفقنا الى زيارتهم عليهم السلام مستشفعين بهم ومتقربين اليهم انه ولي التوفيق.
*******