واشار العميد نصير زادة في المؤتمر الوطني للعلوم الحربية الذي استضافته جامعة "مالك الأشتر" للتكنولوجيا، إلى أن شكل الحروب تغير اليوم، ولم تعد تقتصر على القوات العسكرية، وليست حدوداً عسكرية أو خطوطاً أمامية، وأضاف: "لقد امتدت الحرب الإدراكية اليوم إلى الشوارع والمنازل والجامعات والمدارس".

وتابع: "في الحرب الإدراكية لا يوجد فرض للإرادة؛ فرض الإرادة يحصل عندما يضطر فرد أو جماعة إلى قبول شيء ما، كما في الحرب العسكرية حيث ينهزم الطرف الآخر ويضطر إلى القبول بسبب شدة هجمات العدو وسطوته؛ ولكن في الحرب الإدراكية، لا يوجد فرض للإرادة؛ في هذا النوع من الحرب يفعل الناس ما يريده العدو بكامل الإرادة والاهتمام والحماس.

وأكد وزير الدفاع: "إن الحرب الإدراكية، مثل غيرها من الظواهر مثل تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، تم تأسيسها أولاً في القطاع العسكري، ثم تم تطبيقها في القطاع المدني".

وفي إشارته إلى الأحداث التاريخية في المجال الإدراكي، قال: "إن دراسة التاريخ تظهر أن البشر طيلة حياتهم يقومون دائماً بأفعال يتم اكتشافها واستخراجها ومعالجتها في فترة زمنية محددة، وليس الأمر أن هذه الظواهر لم تكن موجودة من قبل، بل إنها أصبحت معروفة وبرزت في وقت معين. والحرب المعرفية هي نفس الشيء".

وتابع العميد طيار نصير زادة: "هذا المفهوم كان حاضرا دائما في حياة الإنسان، ولكن في فترة محددة تم اكتشافه واستخراجه ومعالجته، وفي نهاية المطاف أصبح موضوعا أكاديميا. في عام 2006، قدمت وزارة الدفاع الأمريكية لأول مرة مفهوماً يسمى الحرب ذات التاثير المحوري.

وأوضح: "لقد تم الاعتراف بهذا المفهوم، إلى جانب الحرب الإلكترونية والحرب الشبكية، باعتباره أحد المحاور الثلاثة المهمة للغاية التي تشارك فيها جميع البلدان بطريقة أو بأخرى. وتعتمد شدة وضعف هذا النوع من الصراع على مدى فقدان الملكية الفكرية.

وأضاف: نحن لا نتحدث عن أصول مادية أو خسارة منطقة أو إقليم، بل التركيز على الرصيد المعنوي. عند تقديم العمليات القائمة على التأثير، أكدت وزارة الدفاع الأمريكية أن هذه العمليات عبارة عن مجموعة منسقة من الإجراءات التي يجب تطبيقها على كل من القوات الصديقة، والعدو أو المجتمع المستهدف، والمجموعات المحايدة. ويتم اتخاذ هذه الإجراءات في أوقات السلم وأوقات الحرب.

وأشار وزير الدفاع إلى أن "هذا المفهوم تغير لاحقا ووجد طريقه إلى المجالات الأكاديمية". يركز جوهر هذه العملية على تغيير السلوك والبنية الاجتماعية. وأصبح هذا الموضوع تدريجيا موضوعا لمختلف التخصصات الأكاديمية، وتمت دراسته بطرق متخصصة في الجامعات. على سبيل المثال، في الآونة الأخيرة، في إحدى الجامعات الرائدة في الولايات المتحدة، يتم تدريس هذا الموضوع تحت عنوان الشبكات الاجتماعية.

وتابع: «أثناء تدريس هذا الموضوع، شرح أحد الأساتذة في هذه الجامعة مفهوم الحرب الإدراكية بمثال بسيط لجذب انتباه طلابه». وقال: "بدلا من الضغط على زر القنبلة مرارا وتكرارا، انقر على لوحة المفاتيح مرة واحدة". ومن الأمثلة الحية لفهم هذه القضية بشكل أفضل الأحداث الأخيرة في الحرب بين الكيان الصهيوني وفلسطين.

ولفت العميد الطيار نصير زادة، الى إن الكيان الصهيوني قصف مناطق مختلفة من فلسطين عدة مرات خلال هذه الحرب، ولكن على الرغم من المجازر الواسعة، لم يكن لذلك تأثير يذكر على الأطفال الفلسطينيين. لقد رأينا جميعًا أنه بعد توقيع وقف اطلاق النار، كيف ان هؤلاء اليافعين والشباب الذين شهدوا التفجيرات سيصبح كل منهم "يحيى سنوار" جديد. في حين أن تأثير الحرب المعرفية أكثر خطورة بكثير.

وأشار وزير الدفاع إلى الاستراتيجية الثالثة لمكافحة الحرب المعرفية وهي الانخراط في أنشطة هجومية وإنتاج محتوى فعال، وقال: إن الحرب المعرفية هي حرب معقدة لا يستطيع أي طرف إتقانها بشكل مطلق. ولهذا السبب، يتعين علينا أن نصبح أكثر استباقية في إنتاج المحتوى والاستفادة القصوى من الفرص والموضوعات المتاحة. وتوجد فرص عديدة لإنتاج محتوى حول العديد من القضايا المهمة والحساسة، مثل القضية الفلسطينية. لماذا نسمح للصور الكاذبة عن العدو أن تترسخ في أذهاننا؟ على سبيل المثال، كانت صورة إسرائيل في مجالات التكنولوجيا والعلم والقوات العسكرية إيجابية في أذهان الناس. لكن في العام الاخير، وفي مواجهة فلسطين وغزة، ثبت أن هذه الهيمنة الفارغة قوية فقط في الاذهان ولكن لديها نقاط ضعف كثيرة في مجال العمل والفضاء الحقيقي الذي ينبغي أن يكون موضوع إنتاج محتوى وتبيين جيدين.