ومنذ أن أعطت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إشارة انطلاق قبول مطالب الترشح، تجاوز عدد المترشحين إلى حد اليوم الخمسين من بينهم قيادات حزبية وشخصيات وطنية وأطباء وعسكريون.
وسيتوجه الناخبون التونسيون في السادس من أكتوبر المقبل لاختيار من يمثلهم في الانتخابات الرئاسية الـ12 في تاريخ البلاد، والثالثة بعد ثورة 2011، ليكون بذلك الرئيس المنتخب هو الثامن، منذ نيل تونس استقلالها التام.
وتستمر عهدة الرئيس المرتقب 5 سنوات، وفقا للدستور التونسي الجديد (مؤرخ في يونيو/ حزيران 2022)، ويُنتخب انتخابا عاما حرا ومباشرا وسريا خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من المدّة الرئاسية.
أبرز المترشحين لخوض هذا السباق الانتخابي
قيس سعيد المرشح الأبرز
يعدّ الرئيس التونسي الحالي المترشح الأبرز والأعلى حظا في هذه الانتخابات الرئاسية التي تقام في مناخ سياسي متوتر، حيث تتصاعد اتهامات المعارضة بإقصائها من العملية الانتخابية من خلال تعقيد شروط الترشح وتواتر الاعتقالات في صفوف قياداتها.
3 مرشحين من داخل السجن
ويشارك في هذه الانتخابات 3 مترشحين من داخل السجن، وهم كل من رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي، والرئيس السابق لحزب التيار الديمقراطي، غازي الشواشي، ورئيس حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، لطفي المرايحي.
عبير موسى
وأعلن فريق الدفاع عن رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي، ترشحها للانتخابات الرئاسية المقبلة، وموسي هي محامية ومن أشد المدافعين عن الرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي، الذي أطاحت به الاحتجاجات الشعبية في ثورة 2011. وتمتلك موسي التي تعتبر من أبرز التشكيلات المعارضة للرئيس قيس سعيد قاعدة شعبية محترمة، وقد جرى اعتقالها في 4 أكتوبر 2023 أمام القصر الرئاسي، وهي تواجه مجموعة من التهم، أبرزها الاعتداء بهدف إثارة الهرج بالتراب التونسي، ومعالجة معطيات شخصية دون إذن صاحبها، وتعطيل حرية العمل.
ولم تتمكن موسي حتى لحظة كتابة هذه السطور، من الحصول على ورقة جمع التزكيات من هيئة الانتخابات، التي اشترطت على محاميها تقديم توكيل خاص، وهو ما يرجح فرضية إزاحتها من السباق الانتخابي.
غازي الشواشي
وتنسحب هذه الفرضية على الأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي، غازي الشواشي، الذي أوكل إلى ابنه مهمة تقديم مطلب ترشحه إلى هيئة الانتخابات ولم يحصل بعد على الوثيقة التي تعتبر شرطا أساسيا لقبول مطلب الترشح.
والشواشي هو محامٍ وسياسي معارض، من مواليد 5 فبراير/ شباط 1963. انتخب نائبا في البرلمان عقب الانتخابات التشريعية لسنة 2014. وتقلد منصب وزير لأملاك الدولة والشؤون العقارية في حكومة إلياس الفخفاخ عام 2020.
ويقبع الشواشي داخل السجن منذ 25 فبراير/ شباط 2023 في القضية المعروفة بـ "التآمر على أمن الدولة" والتخابر مع أطراف أجنبية.
لطفي المرايحي
ويعد الأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، لطفي المرايحي، من أبرز الوجوه المترشحة لهذه الانتخابات وهو من أشد المعارضين لتوجهات الرئيس الحالي قيس سعيد. اعتقل في 4 يوليو/ تموز الحالي بتهمة تقديم عطايا نقدية من أجل التأثير على الناخبين.
وأصدرت أمس الدائرة الجناحية بالمحكمة الابتدائية بتونس، حكما يقضي بسجن لطفي المرايحي 8 أشهر، مع منعه من الترشح لأي انتخابات رئاسة مدى الحياة، وهو ما يعني فصله من اللعبة الانتخابية ما لم يتم نقض هذا الحكم.
الصافي سعيد
وإلى جانب هؤلاء، يواجه المترشح الرئاسي، الصافي سعيد، حكما غيابيا بالسجن 4 أشهر صدر عن الدائرة الجناحية بمحكمة الناحية بتونس بتهمة التزوير والاحتيال، وصدرت في حقه بطاقة تفتيش في شهر يونيو/ حزيران الماضي.
والصافي سعيد هو كاتب ونائب سابق في برلمان 2019، أعلن رسميا عزمه خوض غمار الانتخابات الرئاسية منذ 17 نيسان/ أبريل الماضي، خلال مؤتمر صحفي عرض فيه برنامجه الانتخابي، الذي وعد فيه بإنهاء الإجراءات الاستثنائية، التي أقرّها الرئيس، قيس سعيد، وتشكيل المحكمة الدستورية، وإنهاء حالة الطوارئ المستمرة لأكثر من 10 سنوات.
عبد اللطيف المكي
وترشح أيضا للانتخابات المقبلة، رئيس حزب العمل والإنجاز ووزير الصحة الأسبق، عبد اللطيف المكي، رغم صدور قرارات قضائية بحقه تقضي بمنعه من السفر، ومن الخروج من منطقته الترابية، وحتى من الظهور في وسائل الإعلام، أو النشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
والمكي هو سياسي معارض، من مواليد 1962، نشط طويلا داخل حركة النهضة، قبل أن يستقيل منها، ويؤسس حزب العمل والإنجاز، بسبب خلافات مع رئيس الحركة، راشد الغنوشي، وقد شغل سابقا منصب وزير الصحة في 3 حكومات، حكومتيْ حمادي الجبالي، وعلي العريض (2011-2014) وحكومة الياس الفخفاخ (2020).
المنذر الزنايدي
ويعتبر، المنذر الزنايدي، الذي يقيم حاليا في فرنسا من أبرز الوجوه السياسية التي أعلنت ترشحها لهذه الانتخابات، وهو من الشخصيات البارزة التي تقلدت مناصب وزارية متعددة في عهد الرئيس التونسي الأسبق، زين العابدين بن علي.
وتلاحق الزنايدي قضية فساد من العيار الثقيل، تعود حيثياتها إلى عام 2011، كشف عنها تقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد، ووفقا لقراءات بعض المحللين والمراقبين، فإن الزنايدي هو المرشح الخفي لحركة النهضة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
قضاة وأطباء وعسكريون سابقون في السباق الانتخابي
يشارك في هذا السباق الانتخابي كذلك، شخصيات حزبية أخرى، وعسكريون وقضاة، من بينهم مدير الديوان الأسبق برئاسة الجمهورية ورئيس مرصد "رقابة"، عماد الدايمي، ورئيسة حزب الجمهورية الثالثة، ألفة الحامدي (شغلت منصب مديرة عامة للخطوط الجوية التونسية في 2021)، ووزير التربية الأسبق، ناجي جلول (في حكومتي الحبيب الصيد ويوسف الشاهد)، والأميرال المتقاعد، كمال العكروت (تقلد منصب مستشار أول للأمن القومي في 2017)، والعميد السابق، هشام المدب (تقلد مهام ناطق رسمي باسم وزارة الداخلية في 2011)، ورئيس جمعية القضاة الشبان، مراد المسعودي (من بين القضاة الذين شملتهم قرارات الإعفاء الرئاسية)، والطبيب الجراح، ذاكر لهيذب (أستاذ سابق بكلية الطب في تونس)، والإعلامي نزار الشعري، وأمين عام حزب حركة الشباب الوطني التونسي، مالك السايحي، ومؤسس حزب حركة صف الدفاع عن تونس، محمد العادل الدّو، إلى جانب شخصيات أخرى غير معروفة.
كما أعلنت حركة الشعب (مساندة للرئيس قيس سعيد) أنها سترشح شخصية من قيادات الحركة لخوض غمار السباق الانتخابي، وقالت إنها ستكشف عنها يوم الثلاثاء المقبل في مؤتمر صحفي.
مترشحون ينسحبون من السباق
وأول أمس الخميس، أعلن الحزب الجمهوري سحب اسم مرشحه للانتخابات الرئاسية عصام الشابي (الأمين العام للحزب)، بعد رفض الهيئة العليا للانتخابات تمكين محاميه من استمارة جمع التزكيات ومطالبته بتوكيل خاص.
ويقبع الشابي في السجن منذ فبراير/ شباط 2023 في قضية "التآمر على أمن الدولة" التي شملت سلسلة الاعتقالات فيها شخصيات من المعارضة.
وقال نائب رئيس الحزب الجمهوري، وسام الصغير، في تصريحات لـ"سبوتنيك"، إن هيئة الانتخابات اشترطت على محامي عصام الشابي الحصول على توكيل (تفويض) خاص من أجل مده باستمارة جمع التزكية الشعبية.
وأوضح: "يعلم الجميع أنه من الصعب الحصول على التوكيل الخاص، فهيئة الدفاع عن رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي سبق وأن طالبت بهذا التوكيل منذ مدة ولم تحصل عليه إلى حد اللحظة".
وأشار الصغير إلى أن "الانسحاب من السباق الانتخابي ليس فقط بسبب عدم تمكينهم من استمارة التزكية، وإنما هو حركة احتجاجية على المناخ الانتخابي والسياسي".
وقال الصغير إن "ترشيح الأمين العام للحزب كان بغاية فرض مناخ سياسي متعدد وتنافسي في ظل وجود العديد من الشخصيات المعارضة داخل السجن وتعدد الملاحقات القضائية على خلفية المرسوم عدد 54".
أي حظوظ لهؤلاء المترشحين؟
وفي قراءة للمشهد الانتخابي ولقائمة الترشحات، قال المحلل السياسي مراد علالة، في تصريحات لـ"سبوتنيك"، إن "نتيجة الانتخابات تبدو محسومة لصالح الرئيس قيس سعيد منذ الآن".
وأوضح: "هناك ترشحات فلكلورية، مثل ترشحات الفنانين والممثلين والوجوه غير الناشطة، وهي موجودة في جميع المناسبات الانتخابية في العالم، وهناك مترشحون ليست لديهم حظوظ بسبب ضعف قواعدهم الشعبية".
ويقرّ علالة "بوجود ترشحات وازنة ومنافسين جدّيين للرئيس قيس سعيد، على غرار رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي، والسياسي منذر الزنايدي، والناشط عماد الدايمي".
وتابع: "رغم ثقل الخزان الانتخابي والعمق الشعبي لهؤلاء المترشحين، إلا أن حظوظ ولوجهم إلى السباق الانتخابي تبدو ضعيفة، باعتبار وجودهم في وضعيات تجعل الإقرار بشرعية ترشحهم وحصولهم على الموافقة النهائية مسألة غير ثابتة".
ويرى علالة أن "هذه المعطيات تجعل من فوز الرئيس قيس سعيد في هذه الانتخابات، مسألة شبه محسومة".
ويتوقع علالة "الحسم في نتائج الانتخابات الرئاسية منذ الدورة الأولى"، مشيرا إلى أن "المرور إلى دورة ثانية هو احتمال ضعيف في ظل المعطيات الراهنة"، قائلا: "إذا تم استبعاد المترشحين السالف ذكرهم ستكون المشاركة موجهة لصالح الرئيس قيس سعيد دون غيره".
وأشار علالة إلى "وجود العديد من المعطيات التي تصعب اللعبة الانتخابية على بقية المترشحين، من ضمنها الحد من سقف الأموال، واشتراط بطاقة السوابق العدلية والتلويح بنشر التزكيات".