وقام لاعب جزائري يدعى يوسف عطال على نشر صورة له متوشحا بالعلم الفلسطيني ويرفقها بعبارة "فلسطين حرة" لتقوم الدنيا ولا تقعد، ويهدد باستبعاده من فريقه نيس الفرنسي ويتهم بـ "معاداة السامية وكراهية اليهود" ويطالب بالتحقيق معه.
قضية عطال وصلت حدا أن يطلب منه الاعتذار أو الرحيل، الأمر الذي أجبر اللاعب على تأكيده "الإدانة بشدة لجميع أشكال العنف في أي مكان في العالم، ودعم جميع الضحايا".
ماذا لو كان عطال توشح بالعلم الأوكراني وطلب دعم كييف في وجه روسيا؟
والإجابة عن هذا السؤال يسطرها بلسان الحال: الأوكراني أوليكسندر زينشينكو الظهير الأيسر لأرسنال الإنجليزي الذي كان صوت بلاده ضد الحرب الروسية الأوكرانية، فقد نشر على خدمة "قصتي" في "إنستغرام" علم دولة الاحتلال وأرفقها بعبارة "أقف مع إسرائيل" ولكنه سرعان ما حذف الصورة ووضع حسابه في حالة "الخاص" بعد هجمة شرسة عليه من قبل رواد مواقع التواصل بدون طلب أو تهديد من فريقه.
ولم يثر الزوبعة التي أثيرت ضد الدولي الجزائري الذي هدد بالطرد من نيس من طرف عمدة المدينة الفرنسية كريستيان إيستورسي، في حالة لم يعتذر للمجتمع اليهودي، وجاء في تغريدة الأخير "أرى أن اللاعب عطال استُغل، وأنتظر أن يعتذر ويُندد بحماس" مهددا بأنه إن لم يفعل ذلك "فلن يكون له مكان بفريقنا".
بينما هناك صورة مغايرة لموقف زينشينكو، رسمها المصري محمد النني (رفيقه في أرسنال) ورغم أنه لم يكتب أي رسالة دعم لكنه غيّر الصور الشخصية لكل حساباته واضعا مكانها علم فلسطين، ويبدو أن النني كان يتجنب مواجهة حملة شعواء جديدة شنت عليه عام 2021 بعد تغريدة على حسابه الرسمي بمنصة "تويتر" (إكس) حاليا، جاء فيها "قلبي وروحي ودعمي لكِ يا فلسطين".
وفي هذا السياق، تقول الصحفية بيانكا غوريلا أنه "عندما رد الأوكرانيون على الهجوم بعد الهجوم الروسي، احتفت الولايات المتحدة بهم. وعندما يفعل الفلسطينيون الشيء نفسه ضد الاحتلال الإسرائيلي، فإنهم يتعرضون للإدانة".
أما حارس مرمى فريق الأهرام (بيراميدز) المصري شريف إكرامي فإنه يدين سياسة "الكيل بمكيالين" ويقول إنه "لا يوجد أقبح ممن يكيل بمكيالين.. ممن يسمي احتلال الأرض حقا والدفاع عن الوطن إرهابا.. ممن تغاضي عن مجازر الصهاينة خلال عقود في حق العرب وينتفض الآن بعد رد فلسطين".
"فلسطين حرة"
والأمور لم تقف فقط عند كرة القدم، ففي إحدى مباريات الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية بين "بالتيمور رافينز" و"تينيسي تايتنز" والتي أقيمت في لندن، وقف الجميع دقيقة صمت على "روح الضحايا في إسرائيل" لكن خرقتها هتافات "فلسطين حرة".
وبعد انتشار الفيديو على مواقع التواصل، هرع المسؤولون باتحاد كرة القدم الأميركية للتبرير والتأكيد على أنها "لحظة صمت وليست دقيقة، وجرت كما هو مخطط لها ولم تنقطع".
وأكدوا أن "فرق اتحاد كرة القدم الأميركية ستقف دقيقة صمت قبل كل مباراة هذا الأسبوع، تكريما للضحايا الذين قتلوا في هجوم حماس على إسرائيل".
ولم يُذكر شهداء غزة أو العدوان الإسرائيلي عليها مرة في ملاعب أوروبا، رغم أن هذه الساحات نفسها كانت تتزاحم بها يافطات الدعم لأوكرانيا والتنديد بالغزو الروسي، حتى باتت عبارة "الدعم لأوكرانيا" ملازمة للمشاهد في جميع المباريات بمختلف المسابقات القارية والمحلية في القارة العجوز والعالم.
ولم يكن شعار الدعم لكييف فقط حاضرا الملاعب بل ارتفع شعار الجيش الأوكراني بدوري أبطال أوروبا، عن طريق الأوكراني رومان ياريمتشوك لاعب بنفيكا البرتغالي.
وبعد تسجيله هدفا في مرمى أياكس أمستردام الهولندي، احتفل ياريمتشوك بالكشف عن قميص يحمل شعار جيش بلاده، ولم يتعرض اللاعب لأي عقوبة أو تأنيب أو حتى إنذار.
صمت قاتل
وعن رفع الشعارات السياسية في الملاعب، يشرح الكاتب آرون بستاني بتغريدة ما جرى ويجري بهذا الإطار "هناك معايير مزدوجة واضحة في تأييد الإرهاب ضد أهداف مدنية من قبل أوكرانيا (وهو ما يمكن للمرء أن يجادل بوضوح بأنه مبرر – فهم يواجهون الاحتلال) وإدانته من قبل الفلسطينيين. أولئك الذين يقاتلون أعداءنا في حرب تحرير، والآخرون الذين يقاتلون حلفاءنا إرهابيون".
وفي إطار المعايير المزدوجة، تسابق الرياضيون العالميون ونجوم الصف الأول والفرق الكبيرة بأوروبا والعالم لإعلان دعمهم لأوكرانيا ضد العدوان الروسي، لكن الصمت القاتل ساد عالم الساحرة المستديرة عندما يستخدم الاحتلال الإسرائيلي سياسة الأرض المحروقة في غزة، إلا من قلة قليلة من الرياضيين القادرين على تحمل عواقب مواقفهم.
كما استبعد اتحادا كرة القدم الدولي (فيفا) والأوروبي "يويفا" واللجنة الأولمبية الدولية ومنظمات رياضية أخرى منتخبات روسيا من كل المسابقات والنشاطات الرياضية، بينما أجل "يويفا" مباريات منتخب إٍسرائيل إلى موعد قادم من دون أن ينبس ببنت شفة عما يجري الآن على الساحة الفلسطينية.
ويلخص الأكاديمي والكاتب خالد بيضون كل ما سبق بعبارتين: إن الأوكرانيين الذين يدافعون عن عائلاتهم "مقاتلون أحرار" وإن الفلسطينيين الذي يفعلون الأمر نفسه في غزة "إرهابيون".