ويعود بناء التكيّة العثمانية إلى عام 1552، عندما قررت روكسيلانه، زوجة السلطان العثماني سليمان القانوني، إقامة تكية تحمل اسمها لتوزيع الطعام على الفقراء في القدس.
وسليمان القانوني هو الذي بنى سور القدس القديمة، وكانت توصف بأنها "خاصكي سلطان" أي أثيرة أو محبوبة السلطان، أما "التكية" فتطلق على المكان الذي يتم فيه توزيع وجبات الطعام الساخنة على الفقراء.
وتقع التكية العثمانية داخل ركن من مبنى أثري قديم بالبلدة القديمة، شرقي مدينة القدس، وبالتحديد في حي "الواد"، على مقربة من بوابة الناظر، في الجدار الغربي من المسجد الأقصى.
ويمكن الوصول إلى التكية من خلال باب خشبي كبير يؤدي إلى ساحة كبيرة تفضي إلى التكية التي تشتهر أيضا بتقديم شوربة الجريشة، الذي يعتبر القمح مكونا رئيسيا لها.
يقلب الطباخ سمير جابر وجبات الطعام الساخن في قدور ضخمة في مبنى تاريخي بالبلدة القديمة في مدينة القدس الشرقية، بينما ينتظر العشرات من الفلسطينيين لتلقي هذه الوجبات في حلل بلاستيكية ومن الألمنيوم. في تكية «خاصكي سلطان» القريبة من المسجد الأقصى، كان جابر قد انتهى للتو من طبخ الأرز والفاصوليا الخضراء مع اللحم.
الطعام الساخن
ومنذ 22 عاما اعتاد جابر أن يعد في التكية وجبات الطعام الساخنة يوميا، ما عدا يومي الجمعة والسبت، للعائلات الفقيرة في القدس الشرقية وضواحيها، أما في شهر رمضان فتتضاعف الوجبات.
ويقول: «أعتز بأنني أقدم الوجبات لهذه العائلات وأنا فخور بتقديم الطعام لأبناء وبنات وطني، أفتخر بأنني أعمل وأقدم لهم الطعام بكل احترام».
وأضاف: «لا نقول لا يوجد طعام لأي شخص حتى تنتهي كميات الطعام، وعندنا أيضا عائلات مسيحية حوالي 5 عائلات من إخواننا المسيحيين نقدم لهم الوجبات في رمضان وغيره من أشهر السنة».
و«خاصكي سلطان» أو محبوبة السلطان، هو اللقب الذي كانت تحمله خُرم سلطان. وكانت الدولة العثمانية قد أقامت العديد من التكايا التي تقدم الطعام للفقراء في العديد من المدن المهمة في فلسطين وتعتبر خاصكي سلطان أهمها. ويضم بناء التكية، مطبخا وفرنا وقاعة كبيرة لتناول الطعام، وغرفا لتخزين المواد التموينية، وخانا قديما كان اصطبلات للخيول وأُلحق به فيما بعد مسجد، أمرت زوجة السلطان ببنائه.
ووصف المؤرخ عارف العارف في كتابه «المفصل في تاريخ القدس»، التكية بأنها «من خيرة الأماكن الخيرية التي أنشأها العثمانيون بالقدس، إذ منذ تأسيسها إلى الآن، يُقدم المشرفون عليها الغذاء لعدد كبير من الفقراء مجانا، وفي كل يوم».
وأضاف أن «نفقات التكية، كانت تُدفع من ريع الأملاك التي أوقفتها السلطة لصالح التكية». ومنذ عقود، تشرف على التكية، دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية.
وتعتبر أهم مرفد اقتصادي للفقراء في مدينة القدس، وخاصة من يعيشون في جوار المسجد الأقصى المبارك وفي البلدة القديمة من مدينة القدس.
وقال بسام أبو لبدة، المسؤول في دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس والمشرف على التكية إنها «تقع تحت مسؤولية دائرة الأوقاف الإسلامية، التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية». وأردف: «المسجد الأقصى وعدة مؤسسات بما فيها التكية تعمل تحت رعاية دائرة الأوقاف منذ أكثر من 500 عام».
وأضاف: «تقدم الوجبات الغذائية الساخنة يوميا في رمضان وغيره من أيام السنة للعائلات الفقيرة وزوار المسجد الأقصى». واعتبر أبو لبدة، أن «التكية جزء من تراث الشعب الفلسطيني ومن حضور المقدسيين وهي لا تقل أهمية عن باقي المباني الأثرية في البلدة القديمة».
القدس تشرف على التكية
وتابع: «دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس تشرف على التكية وعلى تمويلها وأيضا نستقبل التبرعات من بعض الأشخاص والمؤسسات والدول مباشرة من خلال وزارة الأوقاف الأردنية أو من خلال دائرة الأوقاف الإسلامية».
واستطرد قائلا: «تقدم التكية الوجبات الغذائية لنحو 100 عائلة يوميا وتزداد الأعداد في شهر رمضان».
أفاد الطباخ جابر: «منذ حوالي 22 سنة وأنا أطبخ للمحتاجين والفقراء والمساكين على مدار العام، وكل يوم هناك طبخة مختلفة ما عدا يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع، أما في شهر رمضان فنقدم وجبات على مدار أيام الشهر».
وأضاف: «في شهر رمضان نعمل ورديتين الأولى للأهالي الفقراء ووردية للموظفين في المسجد الأقصى بمن فيهم الأئمة والحراس والسدنة».
ولفت إلى أنه «في كل يوم هناك وجبة مختلفة، فاليوم مثلا طبخت فاصوليا خضراء، وغدا من الممكن ان أطبخ دجاج، وهكذا يوم لحمة ويوم دجاج، ويوم الجمعة سأطبخ منسف».
وزاد: «في الأيام العادية نقدم وجبات لما بين 80-100 عائلة تأتي ومعها الحلل وتأخذ الوجبات ساخنة الى منازلها، أما في رمضان، تزيد الكميات لأنه يفد إلى المسجد الأقصى الكثيرون من خارج مدينة القدس وخاصة أيام الجمعة والسبت وبالتالي نأخذ في الحسبان الأشخاص من خارج القدس».
وتابع: «في الأيام العادية نقدم الوجبات للعائلات من القدس وضواحيها، نحن لا نقول لا يوجد طعام لأي شخص حتى تنتهي كميات الطعام». واستدرك: «عندنا فقراء وأرامل ومتزوجين من الضفة الغربية وضعهم الاقتصادي سيئ، نحن لا نعيد أي شخص، نقدم في ساعات الظهر الوجبات للعائلات». ولفت إلى أن «هناك أناس يطلبون وجبات معينة ولكن لدينا برنامج يشمل مثلا يوم لحمة عجل واليوم التالي دجاج حسب الوجبة».
وحسب معطيات إسرائيلية، يصل عدد سكان القدس الشرقية الفلسطينيين إلى 380 ألفا ويمثلون حوالي 39 في المئة من عدد سكان القدس بشطريها الشرقي والغربي. وفي العام 2021، قالت جمعية «حقوق المواطن في إسرائيل» (غير حكومية) في تقرير إن 75 في المئة من مجموع العائلات الفلسطينية في المدينة يعيشون تحت خط الفقر وإن 86 في المئة من الأطفال الفلسطينيين في القدس يعيشون تحت خط الفقر.