الثورة الاسلامية بعد انتصارها استطاعت تغيير الجعرافيا السياسية والتكوين الجيوسياسي للمنطقة... ويعود الفضل الى هذا التغيير الى طبيعة خطاب الثورة الاسلامية... فالحزمة الايديولوجية والمحتوى البشري الثمين الذي قدمه الامام الخميني (قدس سره الشريف) بصفته صاحب الخطاب ومؤسسه، استطاع ان يخلق نموذجاً جديداً، وتقديم مؤلفة جديدة للمنطقة وللعالم اجمع...
فمع انتصار الثورة الإسلامية أدركت شعوب المنطقة أنه من الممكن أن يقفوا في وجه الغرب والشرق وبامكانهم تغيير المعادلات، وإن الإخفاقات المتتالية للكيان الصهيوني والولايات المتحدة في المنطقة تُظهر أن الثورة الإسلامية كانت خير الهام لشعوب العالم...
نبارك للامة الاسلامية ولكل الاحرار في العالم بحلول ايام عشرة الفجر المباركة والذكرى الـ44 لانتصار الثورة الإسلامية في إيران، وبهذه المناسبة أجرت وكالة مهر حواراً صحفياً مع الباحث في الشؤون الإقليمية والإجتماعية الدكتور "طلال عتريسي"، واتى نص الحوار على الشكل التالي:
** كيف كانت المنطقة قبل وبعد انتصار ثورة ١٩٧٩، وكيف غيرت المعادلات الاقليمية وادولية؟
يمكننا القول ومن دون اي مبالغة، وبشكل علمي وموضوعي ان ما قبل انتصار الثورة الاسلامية في ايران ليس كما بعده... لقد تغيرت فعلا المعادلات الاقليمية وحتى المعادلات الدولية بعد انتصار الثورة الاسلامية... هناك الكثير من الشواهد على هذا التغير في تلك المعادلات:
منذ الايام الاولى للثورة الاسلامية وقفت ايران بشكل واضح ضد الكيان الاسرائيلي، واقفلت السفارة الاسرائيلية وجعلتها سفارة لدولة فلسطين
فعلى مستوى الصراع مع العدو الصهيوني، قبل الثورة بسنة واحدة فقد كانت مصر قد وقعت اتفاقية سلام اتفاقية "كامب ديفيد" مع العدو الصهيوني، وقيل في ذلك الوقت ان خروج مصر من الصراع يعني ان الصراع مع هذا العدو قد انتهى، واضيف اليه الاتفاق مع الاردن، وتوقع الكثيرون ان المقاومة ضد هذا العدو ستنتهي بعد هذه الاتفاقيات... لكن انتصار الثورة الاسلامية في ايران ادخل المنطقة في معادلة جديدة، وفي الصراع مع العدو الصهيوني. فمنذ الايام الاولى للثورة الاسلامية وقفت ايران بشكل واضح ضد هذا الكيان الاسرائيلي، وكما هو معلوم اقفلت السفارة الاسرائيلية وجعلتها سفارة لدولة فلسطين، وصرحت بشكل واضح ان هذا الكيان غير شرعي، واكدت انها ستقف الى جانب المقاومة المشروعة في فلسطين... وهذه كانت معادلة جديدة لم يكن احد ان يتوقعها. وهذا بدوه احدث تغيرات كبيرة في حركة المقاومة وفي تطور حركة المقاومة في فلسطين وفي المنطقة.
المعادلة الاخرى التي تغيرت هي ان ايران كانت قبل الثورة جزءً من منظومة الاطلسي الاستراتيجية والسياسية والفكرية سواءً في مواجهة النفوذ السوفييتي او في دعم الكيان الصهيوني، وفي ذلك الوقت كانت طهران قاعدة للموساد، او في التعاون مع حلفاء واشنطن في المنطقة... هذه المعادلة انتهت بانتصار الثورة الاسلامية، ولم يقتصر الامر على ذلك فقط بل اصبحت ايران في الموقع المواجه للاطلسي وللهيمنة الامريكية تحديداً... وهذه معادلة جديدة دفعت الولايات المتحدة والغرب الى التفكير وتغيير التفكير في كيفية التعامل مع هذه الثورة الجديدة.
عندما ننظر اليوم بعد انتصار الثورة الاسلامية الى الوضع الاقليمي سوف نرى اثار التغيرات على القوى الاقليمية والدولية
وعلى المستوى الاقليمي والدولي، سوف نلاحظ ايضاً ان الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت عام 1980 احتل افغانستان... وهذا وضع جديد لدعم النظام الحليف للاتحاد السوفييتي، وان العراق شن حرباً بدعم دولي على الجمهورية الاسلامية الايرانية... وهذه معادلة جديدة سوف تؤدي الى تغيير في كل الموازين والحسابات الاقليمية والدولية... اذا انتصار الثورة الاسلامية في ايران غير المعادلات الاقليمية والدولية، وعندما ننظر اليوم الى الوضع الاقليمي سوف نرى اثار هذه التغيرات على القوى الاقليمية وعلى القوى الدولية.
** كيف اصبحت اوضاع محور المقاومة بعد انتصار الثورة الاسلامية الايرانية؟
من التغيرات الاساسية التي اشرنا اليها نُشوء محور المقاومة... فقبل الثورة في ايران كان هناك مقاومة فلسطينية لكن كانت مقاومة مغلوبة على امرها في مواجهة دول كبرى مثل مصر ذهبت الى التطبع مع هذا الكيان لخنق المقاومة والانتهاء من فكرة المقاومة... بعد الثورة ايضا نشأ حزب الله كمقاومة في لبنان وهذا لم يكن مُتوقعاً، ولم يكن في حسبان احد... واستطاع حزب الله من خلال المقاومة التي استمرت سنوات طويلة من طرد الاحتلال الاسرائيلي من لبنان، واستطاعت المقاومة الفلسطينية كما نشهد اليوم ان تُشكل قوة ثبات وتحدٍ حقيقية قوية في مواجهة اعتداءات الجيش الاسرائيلي المُتواصلة سواء لاقتحام قطاع غزة والقضاء على المقاومة، او لكسر ارادة المقاومة في الضفة الغربية وفي المناطق الاخرى من فلسطين...
ما نشهده اليوم من ضغوط امريكية ومن عقوبات ومن اعتداءات اسرائيلية ومن مشاريع فتن وتفتيت للمجتمعات الاسلامية هو بسبب وجود هذه المقاومة...
اليوم هذه المعادلات اصبحت معادلات جديدة، المقاومة في فلسطين تُشكل رعب حقيقي للكيان الاسرائيلي... ثقافة المقاومة اصبحت مُنتشرة خارج غزة، وفي كل اراضي فلسطين الاسرائيلي يشعر بالقلق والمستوطنون يريدون ان يُغادروا... الموقف الى جانب المقاومة تمدد الى العراق والى اليمن وسوريا، يعني ان الثورة الاسلامية اسست ودعمت وشاركت في نمو وتوسع محور المقاومة.
وما نشهده اليوم من ضغوط امريكية ومن عقوبات ومن اعتداءات اسرائيلية ومن مشاريع فتن وتفتيت للمجتمعات الاسلامية هو بسبب وجود هذه المقاومة... لو لم يكن هناك محور مقاومة قوي لما احتاجت الولايات المتحدة ان تبذل هذه الجهود وتقوم بالاعتداءات وتفرض العقوبات وما شابه ذلك... اذا المواجهة اليوم مواجهة واضحة وصعبة خاصة ان محور المقاومة اصبح جزءً اساسياً من المعادلات الاقليمية والدولية.
** كيف اصبح فكر ونهج الثورة الاسلامية هو من يهدد اسرائيل وجوديا؟
عندمت نستمع الى التصريحات الاسرائيلية من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الى مسؤولين اخرين سياسيين وامنيين وعسكريين، جميعهم يؤكدون ان ايران هي تهديد وجودي، وهذا يدلّ على ان وجود ايران يُهدد وجود الكيان الصهيوني، ولهذا السبب هم دائما يفكرون في كيفيّة اضعاف ايران، او ممارسة الاغتيالات، او افشال برنامجها النووي، او التخريب على علاقاتها الاقليمية والدولية، او تشكيل تحالفات مع دول اقليمية ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية...
وجود ايران يُهدد وجود الكيان الصهيوني، ولهذا السبب هم دائما يفكرون في كيفيّة اضعاف ايران وممارسة الاغتيالات وافشال برنامجها النووي والتخريب على علاقاتها الاقليمية والدولية وتشكيل تحالفات مع دول اقليمية ضدها...
بالمقابل سنلاحظ ان فكر الاستقلال الذي قدمته الجمهورية الاسلامية اصبح فكراً واسعاً في المنطقة... وان فكر المواجهة مع الهيمنة الغربية ايضا بدأ ينتشر في المنطقة وفي العالم وصولا الى امريكا اللاتينية... وان فكرة المقاومة ايضاً هي بالاساس متواجدة لدى الشعوب ووجدت اليوم في ايران تجربة عملية مُعاصرة في مواجهة الاحتلال والهيمنة الغربية...
لهذا السبب اليوم عندما يكون هناك اي ربط بين المقاومة ومواجهة الاحتلال او مواجهة الهيمنة الغربية يجب ان تُذكر ايران... وعندما تقول الدراسات حتى الامريكية بان الهيمنة الامريكية تراجعت والثقة بالولايات المتحدة من جانب حلفائها تراجعت، وان الولايات المتحدة اليوم تُقاتل روسيا لمنع دول اخرى من مُشاركتها القرار على المستوى الدولي، ولمنع التراجع في نفوذها وفي هيبتها... عندما نتحدث عن هذا الامر وتتحدث التحليلات عن هذا الوضع يجب ان نذكر ان ايران ومن خلال المقاومة في العراق ولبنان وسوريا واليمن وفي اكثر من مكان، في مواجهة الاحتلال الامريكي المباشر هي التي ساهمت في هذا التراجع الامريكي...
ايران اصبحت اليوم قوة لا يستطيع احد على المستوى الاقليمي ان يتجاهل وجودها او ان يُفكر في اي نظام اقليمي من دون مُشاركتها
لهذا السبب اليوم حتى الولايات المتحدة تربط بين حركات المقاومة في العراق او لبنان على سبيل المثال او في فلسطين، وبين الجمهورية الاسلامية الايرانية. كما ان حركات المقاومة نفسها تقول بكل صراحة وعلانية انها تُنسق مع ايران، وانها تتلقى الدعم من ايران، وان ايران في المُحصّلة من خلال كل ما اشرنا اليه سواء من جانب حلفاء ايران او خصوم ايران واعداء ايران، ان ايران اصبحت اليوم وبعد الثورة قوة لا يستطيع احد على المستوى الاقليمي ان يتجاهل وجودها او ان يُفكر في اي نظام اقليمي من دون مُشاركة ايران... هذه يران بعد الثورة، في حين ان ايران قبل الثورة كانت تحت مظلّة النفوذ الامريكي لا تفعل سوى ما يُريده الامريكي، وهذا هو التغير الكبير حصل على صعيد المعادلات الاقليمية والدولية.
المصدر : وكالة مهر للأنباء