ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ عليه السلام أنه قال: "المُخاصَمَةُ تُبْدي سَفَهَ الرَّجُلِ وَلا تَزيدُ في حَقِّهِ"
إن شئت قارئي الكريم أن تحافظ على كرامتك وحُرمتك ومكانتك فاجتنب المُخاصمة والمنازعة والجِدال مع الآخرين ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، فإن المنازعة تجرّك إلى حفرة لا تخرج منها إلا بكرامة مهشمة، وحُرمة مهتوكة، وتؤدي بك إلى عاقبة وخيمة، وقد لا تحصل على حقك الذي تخاصم الآخر فيه.
الخُصومة لا تؤدي إلى إحقاق الحق وإبطال الباطل في الأعم الأغلب، لأن كلا من المتخاصمين لا يطلب الحق بل يريد أن يُبطل ما يدعيه الطرف الآخر، فلا حوار فيها، والحوار عادة ما يتصف بالموضوعية والتثبت والهدوء واحترام كُلٍّ من الطرفين لِمُحاوِرِه، أما الخصومة فيغلب عليها التهاتُر واللغو والقال والقيل، والرَّدُّ على الرَّدِّ، وقد تُخرِج المُخاصِم عن طوره فيتعدى الحدود الأخلاقية، ويبدُر منه ما لا يليق به وبغيره، وقد تؤدي إلى الاعتداء اللفظي كالشتم والسَّب والتوبيخ والإهانة، وهتك الأعراض، والإساءة إلى السُّمعة، والغيبة، وقد تؤدي إلى الاعتداء الجسدي كالضرب ونحو ذلك، وهذا ما عناه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، بقوله: "المُخاصَمَةُ تُبْدي سَفَهَ الرَّجُلِ وَلا تَزيدُ في حَقِّهِ".
فالخصومة تُبدي الإنسان بصورة لا يريدها ولا تليق به، تُبديه سفيهاً لا راشداً، وعبثياً لا حكيماً، ومتسرِّعاً لا متأنِّياً، وقاسياً لا لَيِّناً، وصَعباً لا سهلاً، ومُتَعَدِّياً ومتجاوزاً على حقوق الآخر، ومهما جَهِد المخاصم أن يحافظ على اتزانه فإن المشاحنة بينه وبين الطرف الآخر ستوقعه فيما لا يرغب ولا يناسب مقامه وشأنه، ولهذا قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : "مَنْ بالَغَ في الخُصُومَةِ أَثِمَ، ومَنْ قَصّرَ فيها ظَلَمَ، ولا يَستَطيعُ أنْ يَتَّقيَ اللَّهَ مَنْ خاصَمَ". وجاء عن الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام: "الخُصُومَةُ تَمْحَقُ الدِّينَ، وتُحْبِطُ العَمَلَ، وتُورِثُ الشَّكَّ".
ولذلك يحذّر الإمام الباقر عليه السلام أحد أصحابه ويحذّرنا معه أن ندخل في الخصومة مع الآخرين حفظاً لكراماتنا وصوناً لشأننا فقد رُوِيَ عنه عليه السلام : "إيّاكَ والخُصوماتِ، فإنَّها تُورِثُ الشَّكَّ، وتُحْبِطُ العَمَلَ، وتُرْدي صاحِبَها، وعسى أنْ يَتَكلّمَ الرّجُلُ بالشَّيءِ لا يُغْفَرُ لَهُ". ورغم هذه الأثمان العالية التي يدفعها فإنها لن تزيد في حقه شيئاً.
سلبيات الخصومة كثيرة، وآثارها خطيرة، إنها تُشغِل القلب بالهموم والغموم، وتُشغله عن التفكير في الأهم من الأمور، وتشغله عن الله سبحانه وتعالى، وتُورِثُ النفاق، وتُكسِبُ الضغائن والأحقاد، وتستجيز الكَذِبَ، كما جاء في الروايات الشريفة.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي