منذ عقود تخطط بريطانيا وفرنسا وايطاليا وتضع البرامج وتبني البنى التحتية وتقوم بالدعايات الاعلامية لجذب الوافدين والسياح، فتجذب باريس 18 مليون شخص في السنة ولندن حوالي 15 مليون وروما 9 ملايين، لكن مدينة كربلاء المقدسة في العراق تستضيف في 10 ايام فقط اكثر من 20 مليون شخص، فكيف يكون لها هذا الكم الهائل من الضيوف من دون توفّر تلك الخطط في البنى التحتية والدعاية الإعلامية وصرف المبالغ الطائلة للدعاية؟
نعم لهذا العمل سرّ ، وهو "ان العراقيين يجيدون الإستضافة ويحسنونها، إنهم تدربوا منذ الصغر والصبا على فتح الأحضان لضم الزوار بمعزل عن جنسياتهم وقومياتهم وألوانهم ولغاتهم والهدف ليس ماديا أو للدعية الإعلامية لكن بدافع واحد هو تقربا الله تعالي بحب الإمام الحسين عليه السلام ... ان الوقوف في منتصف الطرقات والدروب ودعوة الناس الى الخيم والمنازل والمضائف بالرجاء والتمنّي وابداء الرضا على قبول الدعوة، هو إسلوب العراقيين الكرماء... إنهم يأتون بكل ما يملكون ويضعونه امام الضيوف لاكرامهم".
من هم هؤلاء المضيفون الأجودون؟ رسميون أم شعبيون؟
اذا وضعنا المدن السياحية العالمية جانبا، وأردنا ان نقيس مراسم زيارة الأربعين مع مراسم دينية اخرى يمكننا ان نشير الى استضافة السعودية لمراسم الحج. السعودية التي تقوم بالاعمال التنفيذية للحج ولها وزارة الحج ايضا، تصرف منذ عقود اموالا طائلة لتهيئة البنى التحتية لمراسم الحج وهي على الاكثر تستضيف مليوني شخص فقط في أيام الحج.
وهناك فروقات اخرى ايضا، السعودية تحدد عدد الحجاج وحصة كل دولة، وكل استضافتها للحجاج مقابل اموال تدفع عن كل حاج أكثر من 500 دولار أمريكي ـ وهذا المبلغ كان في عام 2008 وليس لدي رقم دقيق في السنوات الأخيرة ـ يصل الى خزانتها عن طريق سفاراتها تأخذ من الحاج قبل منحه رخصة الدخول "الفيزا"، طبعا هذه القضية لا يعلم بها حتى أغلب الحجاج، لأن الحاج يدفع كلفة الحج كاملة الى المتعهد (الحملة دار).
ومن هنا تتقاضي الحكومة السعودية كلفة عالية من الحجاج ولها موارد كبيرة من موسم الحج، لكن استضافة العراقيين إستضافة شعبية للزوار، وهي مجانية يرجى من وراءها رضى الله سبحانه وتعالى، ويصرف العراقيون اموالهم من اجلها من اجل توفير الراحة لزوار الإمام الحسين تقربا الى الله تعالي. وهم على الشكل التالي:
إن معظم اصحاب المواكب والخيم هم من المزارعين ويملكون بساتين النخيل ويجنون مئونة العام بكدّ وجهد، وخلال أسبوعين من شهر صفر، يهيئون أفضل الأطعمة التي ربما لا يمكنهم ان يتناولونها بأنفسهم حتى في السنة، انهم يعدونها ليل نهار ويصرفون اموالهم ووقتهم لإستضافة الزوار... وفي بعض المدن تجد أبواب بيوت الكثير من الأغنياء وغير الأغنياء مشرعة أمام الزوار ويضعون بيوتهم وأثاثها في خدمة الزوار.
منذ عقد من الزمن يبلغ عدد زوار كربلاء المقدسة أعلى عدد من جميع المدن في العالم والإستضافة هي أعلى درجة من أية استضافة في العالم رغم أن البنى التحتية في العراق مازالت غير مهيأة بشكل كاف لأسباب عدة، ومنها جور الزمن والوضع السياسي غير المستقر وغير المسموح له بالإستقرار بتخطيط دولي إستكباري.
ان كربلاء المقدسة هي البقعة المباركة التي يحيي ذكر سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام فيها، أرواح ونفوس وقلوب البشر، ولن يمضي زمن طويل حتى تصبح كربلاء المقدسة أرض ميعاد البشرية برمتها، حيث يكون العراق أكبر وأفضل مستقبل للضيوف في العالم.
المصدر : وكالة فارس